الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل.. كيف؟ ولماذا؟



وُصف الاتفاق الذي تم الإعلان عنه بين كل من الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل بأنه "اتفاق تاريخي". والوصف في رأيي معبر تمامًا. فهو "اتفاق تاريخي" بمعنى الكلمة بين إسرائيل ودولة خليجية هامة. وبحسب المذاع من التصريحات من داخل أبو ظبي وتل أبيب، فإن الاتفاق يسبق اتفاقات أخرى ستظهر في المستقبل، بين إسرائيل ومع العديد من الدول العربية والإسلامية خلال الفترة القادمة، وفقا لنص تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.
هناك العديد من الهوامش والرؤى، يمكن إيجازها حول اتفاق تل أبيب – أبو ظبي. والذي أصبح حديث العالم خلال الساعات الماضية. وسيصبح كذلك طوال أسابيع مقبلة، حتى لحظة توقيع الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية رسميًا بحضور الرئيس ترامب بعد 3 أسابيع.
الحاصل أن "الاتفاق التاريخي" بين إسرائيل وأبو ظبي، مفاجأة سياسية من العيار الثقيل. فلم يحدث أن أقيمت من قبل علاقات ثنائية، وفي كافة المجالات الاقتصادية والاستثمار والسياحة بين إسرائيل ودولة من دول الخليج العربي بهذا الشكل. وكانت هناك قناعات رسمية وشبه رسمية، أنه لا يجب أن تكافأ إسرائيل بعلاقات طبيعية أو ما أطلق عليه "التطبيع بين إسرائيل والبلاد العربية" قبل أن تقدم تل أبيب، تنازلات ملموسة في القضية الفلسطينية، وتوافق على حل الدولتين، دولة فلسطينية ذات سيادة ودولة إسرائيلية ذات سيادة. لكن قبل أكثر من عقدين من الزمان وبوصول رئيس الوزراء نتنياهو إلى السلطة، تجمدت الدماء في عروق عملية السلام وأصبح حزب الليكود المتشدد في صدارة الصورة داخل إسرائيل. واختفى حزب العمل الإسرائيلي مع اختفاء قياداته التاريخية عن الساحة، وظهور زعامات إسرائيلية باهتة في جانبه.
لكن الحقيقة، التي قد لا تعجب الكثيرين، أنه لا يمكن تحميل إسرائيل وحدها ولا مواقف نتنياهو "المتصلبة" مسؤولية  تجمد عملية السلام، بل إعلان وفاتها خلال السنوات الأخيرة. لكن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الفلسطينيين أنفسهم. الذين أخذ كل طرف منهما قطعة من الأرض وتشبث بها. فبمجرد أن وضعت حركة حماس يدها على قطاع غزة انتهت القضية بالنسبة لها تماما، ولم يعد يهمها سوى تأمين وصول الأموال والرواتب من كل من قطر وإيران لتعزيز سلطتها ووجودها. والرئيس عباس فشل في التواصل أو السيطرة أو تحقيق الوحدة الفلسطينية.
والمؤكد أن الاتفاق بين تل أبيب- أبو ظبي، يتجاوز النقطة الفلسطينية – الإسرائيلية هذه، بعدما بدا الأفق مظلما. فلا عباس قادر على تحريك القضية الفلسطينية، ولا حماس تريد التنازل عن سلطتها وهما أبعد ما يكونا عن بعضهما البعض. لذلك ومن منطلق المصلحة المشتركة بين الإمارات وإسرائيل، ولا نقل مستقبل القضية الفلسطينية أو مساعدتها جرى توقيع الاتفاق بين الدولتين.
صحيح أن هناك صدمة لدى بعض الأطراف والقوى السياسية العربية، التي كبرت وظلت مع مبدأ لا علاقات مع إسرائيل قبل إحداث تقدم في القضية الفلسطينية. لكن ما الحل إذا كانت القضية الفلسطينية نفسها لا تتقدم وبأيدي أصحابها قبل الآخرين يتم قتلها.
في نفس الوقت وإذا كان الاتفاق بين تل أبيب – أبو ظبي، له دور ما حسبما أذيع في دفع إسرائيل لإيقاف مخطط الضم الذي كانت ستنفذه تجاه مساحات واسعة من الضفة الغربية في فلسطين. فإن هذه تبعات جيدة ولا يمكن التقليل منها. فإسرائيل رأت أن المصلحة ألا تقدم على خطوات استفزازية مع الفلسطينيين، وتستفيد من اللحظة الراهنة الجميلة لإبرام علاقات واتفاقيات تعاون اقتصادي شاملة بين دولة خليجية هامة وغنية ومتقدمة هى الإمارات.
وبعيدا عن الآراء الشخصية المتزمتة أو الآراء اللاإيجابية وبتفكير واقعي منطقي غير منحاز، فليس مطلوبا من الإمارات أو أي دولة خليجية أخرى، أن توقف علاقاتها ومصالحها مع إسرائيل انتظارا لقضية لا تتحرك وأهلها منقسمون. قد يصف البعض هذه الآراء أو الاتفاق برمته بأنه تنازل عن المقاومة وتنازل عن الثوابت العربية – الإسرائيلية وقد يصل إلى حد الخيانة. لكن الحقيقة أنها ليست تنازلات بقدر ما هى رؤى مختلفة لعصر جديد. وربما كان التحرك عبر القطار الاقتصادي، فيه دفع لإسرائيل أو ضغط عليها بطريقة أو أخرى لاجبارها على العودة مجددا لعملية السلام أو لحل "أوسلو" وإقامة دولتين فلسطينية واسرائيلية. مع افتقاد الفلسطينيين كافة عناصر الضغط على إسرائيل طوال أكثر من 15 عاما مضت. وفي نفس الوقت افتقادهم قيادة فلسطينية وطنية، قادرة على تحريك العالم ناحية القضية الفلسطينية من جديد.
الواقع أن الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي، والذي لا تزال ردود الأفعال العالمية والعربية ترحب به. لن يأخذ من القضية الفلسطينية أكثر مما أخذ منها أهلها. والمنطق يقول انه لا يجب على أحد انتظار الفلسطينيين الذين لا يتحركون ولا تتوحد كلمتهم. ثم إن هناك اتفاقيات سلام بين مصر والأردن وإسرائيل منذ عقود. فلمذا لا تستفيد باقي الدول. وفق بعض الآراء الإماراتية.
 إسرائيل دولة موجودة في المنطقة، ولديها اقتصاد قوي وطفرة في المنتجات الالكترونية وصادرات السلاح، وهذه حقائق يعرفها العالم ولانقوم نحن بترويجها أو التباهي بها. فهذا لا يخصنا كما قد يتصور بعض المرضى. فهي دولة شرق أوسطية وموجودة. والتعامل معها باتفاقيات ثنائية على شاكلة الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي ليس حرامًا. ولكنه "قفزة جريئة" لم يتقبلها العقل العربي بعد، ولن يتقبلها بسهولة قبل فترة قادمة. لكن يؤخذ في الاعتبار أنها إذا لم تستطيع أن تحقق تقدما على صعيد القضية الفلسطينية فلن تؤخر فيها شىء ولن تضرها في شىء. والفلسطينيون أداروا قضيتهم خلال ال20 سنة الأخيرة بفشل ذريع وانتهازية سياسية كلفتهم الكثير.
كما لابد أن يكون معلومًا، وفق رأيي أن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، قد تجاوز المبادرة العربية للسلام والتي أطلقت عام 2002. وكانت تشترط إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولية على حدود 1967 وعودة اللاجئين مقابل اعتراف وتطبيع كامل بين إسرائيل والدول العربية.
 الإمارات امتلكت جرأة اتخاذ قرار صعب وتاريخي وغير مسبوق، وستكون له تداعيات هائلة. لكنه قرار يناسب القرن ال21 ولا أحد سينتظر أحدا. وعلى  الفلسطينيين قبل أن تصدر، بكائيات وانتقادات أن يخلقوا من جديد قضيتهم ويوحدوا صفوفهم. ويخرجوا للعالم قيادة واحدة تحمل هموم 5 ملايين فلسطيني وتتفاوض عليها. القضية لم تنته. حتى لا يزايد أحد ولا يركب أحد جواد البطولة، و"ينثر" على رؤوس الآخرين اتهامات العمالة والتطبيع والخيانة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط