الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وداعا.. صاحب المشروع النهضوى الحضارى الإسلامي


هكذا الله سبحانه مدبر الأمر.. وهكذا هى سنته فى خلقه.. يحيى ويميت.. يُضحك ويُبكى.. له مقاليد الأمور .. يصرفها أنى شاء.. ومن سنته أن جعل لنا الموت لنتعظ ونعتبر به.. فلا أحد إلا وسيذوق طعمه.. ويشرب من كأسه.. وها هو ذا عالمنا الاسلامى القدير فضيلة الدكتور عبد السلام العبادى أمين عام مجمع الفقه الإسلامي الدولي وزير الاوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردني الأسبق.. يلحق بربه.. ملبيا نداء الخالق والحق بعد رحلة كفاح علمية.. ومسئولية اسلامية تكفل فيها بحمل الأمانة بإخلاص واقتدار فى كل المناصب التى وكلت وأسندت إليه.


عالمنا الفقيد رغم كونه أردنى الجنسية، إلا أنه مصرى الهوى، أزهرى الفكر والثقافة والتعليم، إذ حصل على رسالة ماجستير في الفقه المقارن بامتياز من كلية الشريعة والقانون جامعة الازهرعام 1967، ودكتوراه في الفقه المقارن بمرتبة الشرف الاولى مع التوجيه بطباعة الرسالة وتبادلها مع الجامعات العالمية من الكلية نفسها عام . 1972


 تولى الدكتور العبادى العديد من المناصب، منها وكيل وزارة الأوقاف بالأردن، ثم مدير عام مؤسسة تنمية أموال الأيتام، ثم عين وزيرًا للأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية بالأردن الشقيق، ثم أمينًا عامًا للهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، فرئيسا لمجلس أمناء جامعة آل البيت، فرئيسًا لجامعة آل البيت، ثم تولى موقع أمين عام مجمع الفقه الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي ومقره مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية الى توفاه الله تعالى فى العاشر من الشهر الجارى.


كان لى شرف إجراء حوار مع فضيلته -رحمه الله- فى الاول من يوليو عام 2017 حول ورقته البحثية الدولية " معوقات تجديد الفكر الإسلامي وسبل مواجهتها " بعد أن قرأتها، فهاتفته، وطلبت منه عمل الحوار معه حول كل ما جاء فيها من قضايا تهم الشأن الاسلامى وفكره، وحال الأمة، فرحب فورا، ونشر الحوار بحمد الله، ثم فوجئت بإرساله ومجمع الفقه الاسلامى الدولى خطاب شكر وتقدير لشخصى الفقير الى الله، على تميز الحوار، وعرضى فيه بكل موضوعية لقضايا الأمة.  


العالم الجليل الدكتور عبدالسلام العبادي أمين عام مجمع الفقه الإسلامي الدولي -رحمه الله- كان غيورا على  أمته الاسلامية، مدافعا عنها فى كل المحافل الدولية العلمية، يحمل همّها بكل ما تكتوى بناره الآن، مفندا عوامل ضعفها ومرضها وما آل اليها حاله الرث الآن، واضعا لها أوراقه العلاجية الكفيلة بشفائها، واسترداد عافيتها شريطة أخذها هذا العلاج النافع الشافى بإذن الله.


كان مما طرحه فضيلته -رحمه الله- وأكده لى فى حواره معى أنه ليس أمام أمتنا إلا خيار التجديد، ونفض الغبار الذى تراكم على عقلية الكثيرين من أبنائها، والذى كان له أثره في ظهور موجات التشدد الممقوت والتعصب البغيض والتمسك الحرفى بالشكليات والهامشيات في الإسلام، وبذلك تم اختزال هذا الدين في هذه الأمور الشكلية بعيدا عن جوهر الإسلام، وعن القضايا المصيرية للأمة الإسلامية، وأن أهم ما يجب التصدي إليه ونحن نتحدث عن التجديد في الفكر الاسلامى المعاصر، هو تسليط البحث والنظر على آفاق المشروع النهضوي الحضارى الاسلامى بكل أبعاده، فإذا نجحنا في تحقيق التجديد الشامل للفكر الإسلامي فإن ثمرة ذلك المباشرة نجاح تحقيق المشروع النهضوى الحضارى الإسلامي بأبعاده كلها، وأن الحياة الطيبة أساس المشروعات النهضوية، وتحقيق التنمية المستدامة لكل أبناء الأمة.


كما كان من أطروحاته الناجعة لأمته، أن الاصلاح يقتضى منا تقديم رؤية شاملة للدين بكل أبعاده على أسس ذاتية وليس خضوعا لإملاءات خارجية تفرضها علينا القوى الغربية أو الاستشراقية، مؤكدا أن أهداف التنمية في الإسلام متنوعة ومتعددة، تؤكد شمولية ديننا، وليس علاقة عداء وقهر مع الكون والطبيعة كما في النظرة الغربية لديننا وأمتنا الاسلامية الآن.


وعن تعريفه للمشروع النهضوى الحضارى الاسلامى، قال لى -رحمه الله- أقصد به بناء حياة طيبة للأمة الإسلامية، تلتزم فيها بقواعد الشريعة، وتقدم من حياتها تطبيقا شاملا لأحكام الإسلام، ويتجلى فيه الدور المنوط بالأمة في إعمار الأرض وإقامة حياتها على أساس من الحرص على تحقيق الخير والسعادة لأبنائها في الدنيا والآخرة، وهذا يحملها واجبات عديدة في التعامل مع قضايا الحياة الفكرية والثقافية والتربوية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والدولية بنظر متميز وفهم عميق ينطلق من نظرة الإسلام للكون والحياة والانسان، ويعمل على تطبيق المعالجات التشريعية العملية المستندة لهذا النظر، والتي قدمتها الشريعة في منظومة أحكامها العقدية والخلقية والعملية.


مؤكدا حقيقة يعانى منها الكثير من أبناء أمتنا الاسلامية الأن، وهى الجهل بالدين، حيث شدد أن التعريف الشامل بحقائق الإسلام وأحكامه لأبناء الأمة، مطلب أساسي تمليه الضرورات الشرعية لتأمين الاتباع الصحيح له، موضحا أن أمامنا نصوص شرعية اكتملت سابقا، ولدينا اجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية مستمر ونام ومتجدد ما دامت الحياة، وأنه لابد من نقل حلول الإسلام للمشكلات الى التنفيذ والممارسة، وأن التطبيق الناجح أفعل طرق الدعوة والبيان، خاتما معى حواره -رحمه الله- بحقيقة مرة، مفادها أن هناك محاولات شرسة لإعاقة المشروع النهضوى الإسلامي عن طريق الغزو الثقافي، وهذه حقيقة نلمسها من أعدائنا، فليس لهم همّ إلا تفشيل الأمة وغزوها بكل ما يساعد على هدمها خلقيا وأخلاقيا وعلميا وسلوكيا، وهذا ما يطلق عليه حروب الجيل الرابع والخامس.


رحم الله فضيلة العلَّامة الدكتور عبدالسلام العبادي أمين عام مجمع الفقه الإسلامي الدولي وزير الاوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردني الأسبق، صاحب المشروع النهضوى الحضارى الإسلامي، الداعى لتجديد الفكر الإسلامي، وجزى الله خيرا فقيدنا عالمنا القدير جزاء ما قدم، ولتبقى ولتدم حياته العلمية نبراسا ينير للسالكين من بعده دروبهم وسبلهم، ولتروى لمثله أجَّلُ الحكايات التي تحكي للحاضر ما قدمته من عظيم علمه وعصارة فكره الدعوى الاسلامى، وندعوك ربنا أن تتقبل العلَّامة الدكتور عبدالسلام العبادي بما يليق بك كرما وإحسانا، معترفين لك أن البدء منك، والمنتهى إليك، فارحم اللهم أحزان محبيه، وألهمنا الصبر والسلوان، والرضا بالتسليم لك، واجمعنا معه في فردوسك الأعلى، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا "إنا لله وإنا إليه راجعون".

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط

-