الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كيف أبتعد عن المعاصي والذنوب.. إليك هذه الخطوات

كيف أبتعد عن المعاصي
كيف أبتعد عن المعاصي والذنوب

كيف أبتعد عن الذنوب والمعاصي.. تلك هي بدايات التوبة، وكلمة التوبة لها مدلولات عميقة، لا كما يظنها الكثيرون، ألفاظ باللسان ثم الاستمرار على الذنب فالتوبة هي أمر زائد على الاستغفار، ولأن الأمر العظيم لابد له من شروط، فقد ذكر العلماء شروطًا للتوبة مأخوذة من الآيات والأحاديث، وهي: الإقلاع عن الذنب فورًا، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة وإرجاع حقوق من ظلمهم ، أو طلب البراءة منهم.

يجب على المسلم ألا يقنت من رحمة الله تعالى بسسب فعله المعاصي والذنوب، مصداقا لقوله تعالى: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) الزمر/53-54 .

وذكر الإمام ابن القيم آثارًا للمعصية نلخصها من كتاب «الداء والدواء» كالآتي: حرمان العلم: فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور، وحرمان الرزق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الرجل لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ» رواه أحمد وغيره.
وابن القيم قال: إن من يفعل المعاصي يوجد عنده وحشة يجدها العاصي في قلبه وبينه وبين الله لا توازيها ولا تقارنها لذة، ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تفِ بتلك الوحشة، وأيضا يحصل النفور الذي يحصل بينه وبين الناس ولا سيما أهل الخير منهم وكلما قويت تلك الوحشة بعد منهم ومن مجالستهم.
 وتعسير أموره عليه فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقًا دونه أو متعسر عليه ظلمة يجدها في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا ادلهم... وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين ، ثم تقوى حتى تعلو الوجه، وتصير سوادًا فيه يراه كل أحد.

واستطرد ابن القيم: أن المعاصي توهن القلب والبدن أما وهنها للقلب فأمر ظاهر وأما وهنها للبدن، فالفاجر –وإن كان قوي البدن - فهو أضعف شيء عند الحاجة، مضيفا وحرمان الطاعة فينقطع عنه بالذنب طاعات كثيرة، وأيضا تقصير العمر ومحق بركته
فإن البر كما يزيد في العمر، فالفجور يقصر العمر، وأيضا المعاصي تزرع أمثالها ويولد بعضها بعضًا كما قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها.
واستكمل ابن القيم أن المعاصي تضعف إرادة الخير فتقوى إرادة المعصية وتضعف إرادة التوبة، وأيضا ألف المعصية حتى ينسلخ من القلب استقباحها، فتصير له عادة، وأيضا المعصية سبب لهوان العاصي على ربه وسقوطه من عينه وقال تعالى: «وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء» سورة الحـج (18).

كيفية الابتعاد عن الذنوب والمعاصي..  على المسلم أن يدرك أن من آثار ارتكاب المعاصي شؤم المعصية يعود عليه شؤم ذنوبه، فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب والظلم، وأيضا المعصية تورث الذل فإن العز كل العز في طاعة الله قال تعالى: «مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ» سورة فاطر (10). وأن المعاصي تفسد العقل، فإن للعقل نورًا، و الذنوب إذا تكاثرت طُبع على قلب صاحبها، فكان من الغافلين كما قال بعض السلف في قوله تعالى: «كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ» (سورة المطففين 14) قالوا: هو الذنب بعد الذنب.

وألمح ابن القيم إلى أن الذنوب تدخل العبد تحت لعن الرسول صلى الله عليه وسلم فإن قد لعن على معاص وغيرها أكبر منها، فهي أولى بدخول فاعلها تحت اللعنة، وأيضا الذنوب سبب في حرمان دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوة الملائكة فإن الله سبحانه أمر نبيه أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات، وأيضًا الذنوب والمعاصي تحدث أنواعًا من الفساد في الأرض قال تعالى: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» سورة الروم (41) فتسبب الخسف و الزلازل ويمحق بركتها.

الذنوب تطفئ الغيرة وأشرف الناس وأعلاهم همة أشدهم غيرة على نفسه وخاصته وعموم الناس، كما أن المعاصي تُذهب الحياء الذي هو مادة حياة القلب، وهو أصل كل خير وذهابه ذهاب الخير كله قال صلى الله عليه وسلم «الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» "رواه مسلم".
الذنوب تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله، وتضعف وقاره في قلب العبد ولا بد شاء أم أبى، ومن عقوبة هذا أن الله – عز وجل – يرفع مهابته من قلوب الخلق ويهون عليهم ويستخفون به، وأيضا المعصية تستدعي نسيان الله لعبده وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)» سورة الحشر.
وأكد ابن القيم أن المعاصي تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة أو تعوقه أو توقفه وتقطعه عن السير، كم أنالذنوب تزيل النعم وتحل النقم فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب، وقد قال تعالى: «ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (53 سورة الأنفال).

من عقوبات ما يلقيه الله – سبحانه – من الرعب والخوف في قلب العاصي فلا تراه إلا خائفا مرعوبا فإن الطاعة حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين من عقوبة الدنيا والآخرة ومن خرج عنه أحاطت به المخاوف من كل جانب، كما أن المعاصي تصرف القلب عن صحته واستقامته إلي مرضه وانحرافه فإن تأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان، بل الذنوب أمراض القلوب ودؤاها ولا دواء لها إلا تركها، والمعاصي تُعمي البصيرة وتطمس نوره، وتسد طرق العلم وتحجب موارد الهداية، كما أن المعاصي تُصغر النفوس وتقمعها وتدسيها وتحقرها، حتى تصير أصغر شيء وأحقره كما أن الطاعة تنميها وتزكيها وتكبرها قال تعالى: «قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا» (9 - 10 سورة الشمس).

ورأى ابن القيم أن المعاصي توجب القطيعة بين العبد والرب وإذا وقعت القطيعة انقطعت عنه أسباب الخير واتصلت به أسباب الشر، لافتًا إلى أن المعاصي تمحق البركة بركة العمر والرزق والعلم وبركة الطاعة وبالجملة تمحق بركة الدين والدنيا، كما أن المعصية المعصية تجرِّئ على الإنسان أعداءه، فتجرأ عليه الشياطين بالأذى والإغواء، والمس وتجترئ عليه شياطين الإنس بما تقدر عليه من أذاه في غيبته وحضوره، ويجترئ عليه أهله وخدمه وأولاده وجيرانه حتى الحيوان البهيم.
واوضح أن المعصية تخون العبد وأحوج ما يكون إلى نفسه في تحصيل العلم فتحجبه الذنوب عن كمال هذا العلم وعن الإشتغال بما هو أولى به وأنفع له في الدارين، كما أن المعصية تنسي العبد نفسه وإذا نسي نفسه أهملها وأفسدها وأهلكها قال تعالى: «وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» (19 سورة الحشر) «نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ» (67 سورة التوبة)، كما أن المعصية تباعد عن العبد وليه وهو الملك الموكل به، وتدني منه عدوه وهو الشيطان، وأيضا من عقوبات المعصية المعيشة الضنك في الدنيا وفي البرزخ والعذاب في الآخرة قال تعالى: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى» (124 سورة طـه).



كيفيّة الابتعاد عن المعاصي والآثام .. إذا أراد المسلم الكفَّ عن معصيةٍ دام عليها طويلًا، وعزم على ذلك، فإنّ الله سبحانه وتعالى سيوفّقه لذلك إن كانت نِيّته خالصةً لوجه الله، وكذلك من أراد الابتعاد عن المعاصي قبل الخوض فيها، فإنّ ذلك من خير الأعمال وأفضلها، قال تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ  وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)

ومن يسعى لذلك ويقصده فلن يجدَه سهلًا يسيرًا، بل هو من أصعب ما يمرُّ على العبد؛ لأنّه يحارب شهواتِ نفسه وملذّاتِ الدّنيا، في حين يسعى الشّيطان لإغوائِه بشتّى الوسائل والطُّرق، وحتّى يصبر على ذلك فلا بدّ له من الاستعانة ببعض الأمور، ومنها:[٤] الاستعانة بالله عزَّ وجلّ، والتّوكل عليه، والتضرّع إليه بأن ينزع من قلبه حبّ الشّهوات والمعاصي والملذّات، قال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).

 سؤال الله سبحانه وتعالى أن يثبّته على الإسلام؛ فإنّ قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه تعالى، يقلّبهما كيفما شاء، فعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ما مِن قلبٍ إلَّا بَيْنَ إصبَعَيْنِ مِن أصابعِ الرَّحمنِ إنْ شاء أقامه وإنْ شاء أزاغه)، قال: وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: (يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّتْ قلوبَنا على دِينِكَ)، وقال: (والميزانُ بيدِ الرَّحمنِ يرفَعُ قومًا ويخفِضُ آخَرينَ إلى يومِ القيامةِ).

 المُداومة على الفرائض والمأمورات، وخاصّةً الصّلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة؛ فإنّها تمنع من الوقوع فيما لا يرضي الله؛ حيث قال سبحانه وتعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ).

 استحضار ضرر المعصية وسوء عاقبتها في الدّين والدّنيا والآخرة؛ فذلك يجعل العبد أشدَّ تمسُّكًا بالطّاعة، وأكثر بُعدًا عن المعاصي، يقول ابن القيّم: (وإن كنت على شكٍّ، فراجعْ آياتِ الربّ تعالى الدّالة على وجوده، وقدرته، ومشيئته، ووحدانيّته، وصدق رسله فيما أخبروا به عنه، وتجرَّدْ، وقُمْ لله ناظرًا أو مُناظرًا حتى يتبيّن لك أن ما جاءت به الرّسل عن الله فهو الحقّ الذي لا شكّ فيه).

 اتّخاذ رفقةٍ صالحةٍ تُعينه على الخير إذا عزم عليه، وتُذكّره إن غَفِل عنه، ويجب عليه كذلك الابتعاد عن رفاق السّوء؛ فالمرء يُعرف بخلّانه، فقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: (المرءُ على دينِ خليلِه، فلينظُرْ أحدُكم من يَخالُّ).[٩] الإكثار من قراءة القرآن الكريم وتدبُّر آياته؛ فهو أعظم شفاءٍ لأدواء القلب، وأهمّ سبيلٍ للبُعد عن المعاصي.

شروط التّوبة إذا أذنب العبد، ثمّ ندم على معصيته، وعزم على ألّا يرجع إليها، فإنّه يكون بذلك تائبًا عنها، فإن كان صادقًا قُبِلت توبتُه، وقد وضع العلماء عددًا من الشروط التي يجب توفّرها في التوبة الصّادقة، معتمدين في ذلك على النّصوص الصّحيحة، ومن تلك الشّروط ما يأتي:أن يندم على ما فعل من ذنوبٍ وآثامٍ ومعاصٍ. أن يعزم على ألّا يعود إلى المعصية التي ارتكبها. أن يُقلع عن المعصية في الحال. أن يردّ الحقّ إلى صاحبه إن كانت المعصية التي ارتكبها فيها حقٌّ لآدميّ؛ حتى تُقبل توبته.