الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ليعيدوا إلينا روح النصر


أيام عظيمة نحياها الآن جميعا في شهر ذكرى عودة الكرامة، وفارق بين زمنين، وعهدين، نتذكر ونشم فيها رائحة نشوة وعزة النصر وتراب الأرض بعد استرداده، بفضل وتوفيق الناصر -سبحانه- لجنودنا البواسل الأبطال، بعد جهد كبير ومضن في أخذ بالأسباب، مقرون بالتوكل الصادق على رب الأرباب من القيادة السياسية والعسكرية برئاسة بطل الحرب والسلام الرئيس الراحل محمد أنور السادات -رحمه الله- وكل من معه قادة وضباط وصف، فالكل انصهر في بوتقة واحدة، لتخرج تلك البوتقة عبقرية فريدة نادرة من نوعها يتشكل منها بناء معدن المقاتل المصرى، وليبهر العالم ويندهش من هذا البناء وذلك المعدن .


عوامل كثيرة كانت تشكل موانع وعوائق وحوائط سد، يستحيل معها مجرد التفكير في نية الدخول للحرب،  لعل أهمها وأبرزها حالة القنوط واليأس الذى أصاب المصريين عقب ما يسمى بنكسة 1967، بعد جرح غائر طعن به قلب كل مصري وعربى يعشق مصرنا وترابها، وانتفاخ أوداج العدو الصهيوني المتغطرس كبرا وغطرسة وخيلاء بالمنطقة العربية، وبوسائله المتمثلة في آلته الإعلامية المهيمن عليها بالعالم، ثم المشهد الضبابى الاستسلامى اليائس الذى توشح وتدثر به مواطنونا خاصة، ومجتمعنا عامة والذى كان يمثل صورة سوداء سلبية كئيبة للكثير ممن عاش تلك الحقبة الزمنية المظلمة، لا لضعف جيشنا ووهن عزيمة رجاله، ولكن أحسب أنه يرجع لسوء التخطيط والإدارة آنذاك .


ثم يأتي الأخذ بالأسباب، فيعاد بناء جيشنا بناء متلازما بالإيمان، في عروة لا انفصام لها وتلازم وتوحد لا ينفك عراه، فتمازجت وتوحدت صيحة الله أكبر مدوية فى آفاق  السماء بعرق جنودا تدريبا فقتال فنصر مبين مستحق من رب العالمين لهؤلاء البواسل الذين لن ننساهم ولن ينساهم تاريخنا المجيد، في تسطير ملحمة خالدة في سجل شرف الزمان وعزته، فالكل مسيحى ومسلم، امتزجت واختلطت دماؤهم ببعضهم البعض،فلا تعرف هنا دين هذا من ذاك، بل أزعم يقينا وهذه شهادات رويت لى، أن هناك من جنودنا المسيحيين من ضحى بروحه فداء لإخوته الجنود الذين كانوا معه، والعكس بالمثل، ولا أدل على ما أسوقه من وجود الفريق فؤاد عزيز غالى المسيحى، القائد العسكرى المصرى القدير، الذى شارك فى حرب اكتوبر 73 و قاد الفرقة 18 مشاه، والتى حررت مدينة القنطرة شرق من القوات الإسرائيلية يوم 7 أكتوبر، واللواء أركان حرب شفيق مترى سدراك الذى لقى ربه فى اليوم الرابع لحرب اكتوبر التاسع من اكتوبر 1973، مضحيا بروحه تلبية وفداء لوطنه وأرضه وعرضه، وغيرهم أمثله لا تعد ولا تحصى، يجمعهم حب الوطن وصيانة أراضيه وحفظ ترابه وعرض أبنائه من الدنس الصهيوني، ويفرقهم دينهم وعقيدتهم في مودة وحب وبر لا تنفك عراه الى يوم الدين . 


هناك الكثير منا ممن يرى أن حربنا قد انتهت بانتهاء معركة السادس من أكتوبر وانتصارنا بها، لكن هذا فكر مغلوط ومعاب، إذ مازالت معركة التحدى الأكبر قائمة، متمثلة في بناء الوطن والمجتمع والانسان المصرى قبلهما، سلوكا وأخلاقا، واقتصادا وتكنولوجيا، حتى يعاد زمن الأمجاد الحقيقى والذى نضرب به المثل حسرة وتوجعا على ماض تليد كانت حضارتنا الفرعونية فيه وما زالت تمثل مضرب الاعجاز العلمى والتعليمى والحضارى.


مصر -ولا يخفى على أحد- متربص بها من أعداء كثر، فالحذر الحذر، والعمل العمل بضمير وإتقان، وإذا أردنا أن نشيد ونعيد بناء أعمدة هذا الوطن، ونحقق مفهوم المواطنة التي يدعى إليها ليل نهار، لا بد أن نعى أن أثمن استثمار وأفضله ما يكون في الأجيال القادمة - أطفالنا ، اللبنات الحقيقية لبناء مصرنا، نتكامل فيما بيننا، نعلى قيم الإنسانية المشتركة وفقه الحوار بين الجميع، نتخلى وندفع الصراع والتعاند الى غير رجعة فيما بيننا، فإذا ما غرس فيهم ذلك نشأوا على تنمية وطنهم وعمارته تنمية اقتصادية تثمر تحقيق رخاء مادي وروحي للفرد ولمجتمعه.


كثير منا يعتريه ويكسوه اليأس الآن، متسائلا ومستنكرا، هل نستطيع بناء مصرنا وعودتها لصدارة المشهد العالمى الآن؟، أجيبه بكل يقين وثقة في الله: نعم نستطيع ونقدر بإذن الله، شريطة أن نتوكل على الله حق توكله وأخذا بالأسباب، مسترشدين برجال السادس من أكتوبر، وتلك الروح الايمانية العالية التي لا تقهر، والتي تعمل تحت أسوأ الظروف وضعف الإمكانات، نعم نقدر ونستطيع، إذا بدأ كل منا بنفسه وبأسرته ومحيطه الذى يسكن فيه ويعمل به، إذا أردنا إرادة حقيقية عملية بناءة، لا إرادة الأغانى التي يشدو بها مطربونا في المناسبات المختلفة، نعم نقدر إذا أضحى انتماء كل منا وولاؤه وعشقه واحترامه لوطنه وايمانه به، روحا و دما يسريان في جسده، وما دول اليابان وسنغافورة وماليزيا منا ببعيد، فمن كيانات فقيرة معدمة الى نمور اقتصادية عملاقة ملء السمع والأبصار.


والآن وبعد مرور سبعة وأربعين عاما على ملحمة النصر، أرى أننا في حاجة لاستلهام تلك الروح الايمانية فعلا، وعملا، وقدوة، من علمائنا المخلصين بالأزهر والأوقاف بالنزول منهم الى شوارعنا، ومصانعنا، ومؤسساتنا، وجامعاتنا، ومدارسنا، وحقولنا، وأنديتنا، ومراكز شبابنا، وفى كل بقعة من بقاع أرض مصرنا الطاهرة، ليعيدوا إلينا روح النصر والايمان المفقود لدينا، ليزيلوا وينفضوا عنا غبار الكسل والتراخى والتواكل والهزيمة النفسية التي أصابت الكثير منا، بأنه لا فائدة من السعي، وأننا لن نتقدم وسنظل في ذيل الأمم.


هذه دعوتى لعلمائنا في الأزهر، والأوقاف، ولرجال الكنيسة المصرية، ولكل مصري غيور على بلادنا، وليبدأ كل بنفسه وبمن يعول، انثروا بذور الانتماء والحب لها، ازرعوا قيم الإخلاص، والتوكل على الله تعالى المقترن بحسن الأخذ بالأسباب، وساعتها سنرى مصر مختلفة...    


لتكن ذكرى أكتوبر حاضرة ملهمة في الثقة بنصر الله –عز وجل– لنا، ولنخطط التخطيط الجيّد لمعركة البناء والتنمية، تسليحا وإعداد وتدريبا خلقيا وسلوكيا وعلميا واقتصاديا، ولننتبه ونحذر الأعداء الجدد وحربهم الأشد فتكا بنا ووطننا، بالشائعات والفتن وضرب التلاحم الإنساني المصرى، ولا بد لفكرنا وعقلنا الجمعى أن يكون متجددا وناميا ومتطورا إذا أردنا إحسان التعامل مع الحياة الإنسانية الكريمة لمصرنا، ولنعلم علم اليقين أنه أصبح لا مناص لنا  إلا خيار التجديد ونفض الغبار الذى تراكم على عقلية الكثيرين منا .


تحية إعزاز وإجلال وإكبار لرجال جيشنا العظيم وشهدائه الأبرار، الذين قادوا معركة التحدى والعزة، ولن ينسوا أبد الدهر، وتحية إجلال وتقدير لرجال جيشنا المبارك في عيدهم ونصرهم وعيد مصر كلها، داعيا المولى – عز وجل- أن يحفظهم ويرعاهم ومصرنا الحبيبة وشعبها الكريم، وأن يديم على قواتنا المسلحة درعها وسيفها شامخين، وعاشت بلادنا أبدا ودوما مرفوعة الرأس، عزيزة، كريمة أبدا ودوما.. إنه ولى ذلك والقادر عليه . 
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط