الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هدير الذبيدي تكتب: أصل وصورة

صدى البلد

قاسيةٌ هي؛ تلكَ المرحلةُ التي تعصفُ بكَ في منتصفِ الطريقِ، هذه الفترةُ التي تفقدُكَ شغفَ الحياةِ، يتوقفُ فيها ذهنُكَ عن مواكبةِ الأحداثِ اليوميةِ، ويسيطرُ عليكَ شعورُ اللا مبالاةِ المتناهيةِ، لا تستطيعُ القيامَ بمهامِكَ العاديةِ ولا ترغبُ في معرفةِ ما هو جديدٌ. تُعدُّ هذه الفترةُ من أخطرِ المراحلِ التي تمر على الإنسانِ فتطرحُه أرضًا حينما تتملكُ منه، والأقوى فقطْ هو من يستطيعُ التصدي لها بكاملِ عزيمتِه.


ما بكَ؟ أراكَ منتظرًا للحياةِ أن تحققَ لكَ انتصارَكَ، وترجو من الزمنِ أن يأخذَ بيدكَ ليرشدَكَ إلى برِّ الأمانِ، بينما أنتَ لا تفعلُ شيئًا سوى كونِكَ منتظرًا، حسنًا! دعْنا نلقي نظرةً سريعةً في مرآةِ المستقبلِ كي نرى ما سيحدثُ لكَ، أعلمُ جيدًا أنكَ لا تقوى على التحدثِ الآن؛ لذلكَ سأخبرُكَ أنا بما ستشاهدُه داخلَ المرآةِ:

شخصٌ قابعٌ داخلَ وحدةٍ حمقاءَ يتملكُه اليأسُ والحزنُ، يلملمُ جراحَه في صمتٍ تامٍ وقد امتزجتْ ملامحُه الواهنةُ بعلاماتِ الندمِ المطلقِ، فقدْ تقدمَ به العمرُ وكما يبدو أنه في غفلةٍ من أمرِه، غيرُ مدركٍ بما يدورُ من حولِه، ولا يبالي بالحياةِ بأكملها... وعلى الجانبِ الآخرِ يقفُ شخصٌ ذو قوةٍ جبارةٍ ينظرُ له بعينِ الشماتةِ الضاحكةِ، ويرتسمُ على وجهِه علاماتُ السخريةِ المطلقةِ، يتحدثُ إليه بلهجةٍ ساخرةٍ كي يخبرَه أنه قد انتصرَ في تنفيذِ مهمتِه وأتمَّها على أكملِ وجهٍ، يبدأُ بعدَ ذلكَ في إطلاقِ ضحكاتِه الساخرةِ العاليةِ، ثم يبدأُ المشهدُ في التلاشي شيئًا فشيئًا فشيئًا......


والآنَ سنطفئُ الضوءَ عن المرآةِ ونسدلُ الستارَ ولنكتفي بهذا القدرِ من المشاهدةِ.


أما عن الشخصِ القابعِ في يأسِه فهذا هو أنتَ يا عزيزي إذا ظلَّ ذاكَ الوهمُ يراودُكَ بأنَّ الحياةَ ستصبحُ بستانًا ورديًا دونَ أي ردِ فعلٍ منكَ، وما حدثَ داخلَ المرآةِ فتلكَ ما هي إلا صورةٌ إنعكاسيةٌ للأصلِ المستقبلي ونبذةٌ مختصرةٌ عما سيحدثُ لكَ في المستقبلِ إذا بقيتَ تنظرُ للحياةِ بهذه النظرةِ الغافلةِ، وأما عن الشخصِ الآخرِ؛ فدعْني أخبرُكَ أنَّ هذا هو الزمنُ الذي تنتظرُه كي يصلَكَ إلى برِّكَ الآمنِ يا صديقي، نعم! سينقضُّ عليكَ الزمنُ بلا رحمةٍ أو شفقةٍ لينهلَ منكَ كيفما شاءَ، وحينَها لن تشفعَ لكَ قلةُ حيلتِكَ، ولن يشفقَ عليكَ الزمنُ لضعفِكَ.


ولكنه أنتَ، نعم أنتَ فقطْ مَن لديه القدرةُ على التحكمِ بزمامِ الأمورِ وتحطيمِ قيودِ الزمنِ التي فُرضَتْ عليكَ بشكلٍ أو بآخرٍ، فلا تنتظرَ أنْ يمدَّ لكَ الزمنُ يدَ العونِ؛ فليسَتْ دنيانا بهذه البراءةِ الساذجةِ، وليسَتْ الحياةُ هزليةً إلى هذا الحدِّ، ولا تأملْ أن يعينَكَ شخصٌ آخرٌ على إكمالِ رحلتِكَ، فحينما تنظرُ حولكَ ستجدُ كلًا منّا غارقًا في نفسِ الدوامةِ القاتلةِ، وستجدُ كلًا منّا فاقدًا شغفَه بطريقةٍ ما ويحاولُ الخروجَ من حصارِه الذي فُرِضَ عليه، فكلُّنا محطمٌ بالشكلِ الذي يشبهُ حياتَه، وكلُّنا جنودٌ في معركةِ الزمنِ، والنصرُ في النهايةِ سيكونُ فقطْ للشجعانِ الذينَ سيظهرون بسالتَهم داخلَ تلكَ المعركةِ.


فوحدُك فقطْ مَن يستطيعُ التصويبِ نحوَ الهدفِ الصحيحِ، ووحدُكَ فقطْ سيدُ القرارِ، فلتكنْ عونًا لنفسِكَ وتنهضَ بكاملِ إرادتِكَ لتكملَ مسارَكَ الذي ينتظرُكَ، أو على الأقلِّ ترسمُ لنفسِكَ مسارًا آخرًا يقودُكَ إلى برِّكَ الآمنِ الذي طالما تمنيتَ الوصولَ إليه، ولتجعلَ فرشاتَكَ بيدكَ لتبدعَ في تلوينِ أحلامِكَ بالشكلِ الذي يرضاهُ قلبُكَ.