الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمد النجار يكتب: موقف الإسلام من الآخر.. ديني وأفتخر

صدى البلد

دين جميع الأنبياء واحد: هذه هي الحقيقة التي تكشف عنها آيات القرآن الكريم وأحكام العقيدة الإسلامية الغراء، فدين جميع الأنبياء والمرسلين واحد، ومن ثم فإن دعوة إبراهيم وإسحاق ويعقوب وداود وسليمان وغيرهم من إخوانهم وآبائهم ومن أتى بعدهم من النبيين، هي دعوة واحدة؟

وقضيتهم على مر التاريخ واحدة، والهدف من إرسالهم واحد، وهو هداية البشرية إلى الطريق الصحيح لعبادة الله وطاعته. لذلك أمر الله رسوله محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم بتتبع أثرهم، والسيرعلى نهجهم، فقال له: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (سورة الأنعام، آية: 90). وبناء على ذلك تكون ما اشتملت عليه دعوة الأنبياء جميعًا، هو في الحقيقة: (الإسلام)؟

 وقد جاء ذلك صريحًا في آية: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (سورة آل عمران، آية19)، فالإسلام هو عين الدين الذي دان لله به موسى، وعيسى، وغيرهم من أنبياء الله صلوات الله عليهم جميعًا، وهو ذاته الدين الذين دان لله به محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

اتباع الأنبياء هو سبيل النجاة ولكن: نعم، فدعوة الأنبياء، هي مشعل نور الهداية، الذي به تهتدي البشرية إلى سبيل السعادة والرشاد. هذه الحقيقة عندي وعند جميع المؤمنين من المسلَّمَات، لكنها ليست عند أكثر البشر محل اتفاق، فأكثر الناس لا يدينون دين الإسلام، بل ولا يعرفونه معرفة صحيحة كاملة، والذين يؤمنون بالإسلام أيضًا ليسوا جميعًا على منهج واحد، فالناس بعد بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بخصوص الحق الذي بُعث به هو والنبيون من قبله على أقسام خمسة: قسم على الإسلام وفق فَهْمٍ متفاوت لنصوصه السماوية الواردة، وعناية متفاوتة بموثوقيتها، ويشمل هذا القسم طوائف عديدة من المسلمين: (سنة وشيعة وإباضية وغيرذلك) ، وقسم على الإيمان بدلالة كتب سماوية، غير موثوقة المصدر، يشوبها الاضطراب والتناقض.

 ويشمل هذا القسم طوائف من أهل الكتاب، وقسم على الإيمان بدلالة كتب مُلَفَّقة، تتسم بركاكة اللفظ، وتهافت المعنى، ويشمل هذا القسم ديانات مستحدثة، يزعم مؤسسوها صلة دعوتهم بوحي أُوحي إليهم من الله: (سيخ وبهائيون وقديانيون وغير ذلك)، وقسم على الكفر، يؤمن بالله ويعبد غيره، وفق عقائد تقوم على تقديس بعض الكائنات لخصائص فيها وفق فَهمٍ معين، وفي هذا القسم عدد كبير من الديانات القديمة: (هندوس وكونفوشيون ووثنيون وغير ذلك)، وقسم لا يؤمن بشيء من ذلك أصلًا، فما وراء الطبيعة من أحد، إنما هو الكون الواسع، والإنسان وحَسْب، وهؤلاء هم: الملاحدة، والجينيون، وبعض البوذيين. 

الحق لا يتعدد ولكن: نعم الحق واحد، فيتعين أن تكون من بين هذه الديانات والملل والنحل، دين واحد فقط هو الصواب، وفق عقيدتي بوصفي مسلمًا، فإن هذا الدين الحق هو الإسلام في نسخته الأخيرة التي جاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم من عند ربه، لا قبله ولا بعده. لكنني أُلاحظ أن كثيرًا من هذه الأديان التي ذكرتها في الفقرة السابقة، كان موجودًا حين بُعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واللافت أكثر أنها لم تنته بما تقرر في رسالته من حقائق؛ حتى بعد فتح المسلمين للبلاد التي تنتشر فيها هذه الديانات، فقد ظلت موجودة!، 

وحين صارت للإسلام دولة وانتشر سلطانه في ربوع الأرض على مدى أربعة عشر قرنًا من بداية القرن الأول الإسلامي وحتى اشتراك الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى عام 1914م، كانت الدولة الإسلامية خلالها عفية قوية واسعة النفوذ والانتشار، لكنْ مع ذلك ظل الكافر على كفره، وصاحب الموروث العقائدي المُلَفَّق على ما هو عليه، لم يتزحزح كثيرًا من الخلق عن معتقده، إلا في مساحات محددة، في ألبانيا مثلًا والبوسنة والهرسك، من أوربا، وفي الهند وإندونيسيا والفلبين من آسيا، انتشر الإسلام من غير ضغط على أحد، وكان الإسلام هو السلطان الحاكم في تلك البقاع، لكن بقي آخرون ربما بنفس عدد من أسلم أو أكثر على أديانهم، لم يتعرض لهم أحد، بدليل وجودهم إلى الآن، ربما بقوا على أديانهم لعدم وصول الرسالة إليهم بشكل مقنع، أو وصولها إليهم مغلوطة أو منقوصة، في كل الأحوال فإن الإيمان بالإسلام لم يصادف محلًا قابلًا لديهم، لقد كان هؤلاء أكثرية في بلاد كثيرة، وقد أبقى الإسلام عليهم، بل أبقى على دياناتهم، لم يُحرِّفها لهم، ولم يجعلها تتوافق مع ما يدعوا إليه كما يفعلون الآن في بعض البلاد التي تزعم أنها متحضرة. لقد كان السبب الأهم لبقاء هذه الديانات في البلاد التي حكمها المسلمون هو: (سماحة وتحضر المسلمين في التعامل مع أصحاب الديانات الأخرى) بقدر لا تستطيع الآن دولة مثل فرنسا أن تصل إليه. 

أديان تكفر بالإسلام وفي رحابه: فلا زالت المسيحية بكل طوائفها موجودة، ولازالت البوذية والهندوسية وديانات أخرى، قائمة لم تندثر، في بلاد عديدة كان ولا يزال يحكمها المسلمون، بل ظلت تزيد أعداد المعتنقين لهذه الديانات، كما يزيد المتحولون عنها إلى الإسلام في الوقت ذاته. لقد ظلت المسيحية واليهودية، والصابئة، واليزيدية، والدرزية، ديانات قائمة في بلاد مصر والشام والعراق وشمال إفريقيا، ظلت موجودة حين قامت للإسلام دولة جامعة، وظلت بحالها أيضًا حين زالت، لم يتعرض لأصحابها أحد. فلم تتأثر هذه الديانات بالهيمنة الإسلامية، تأثرًا سلبيًا، لكن ربما تأثرت سلبيًا بقدر ما في بعض الأوقات أو بعض الأماكن حين زالت تلك الهيمنة، كما حدث للمسيحيين العراقيين، وغيرهم من الطوائف مثلًا، في السنوات الأخيرة. 

يهود في بلاط الإسلام: كان بعض المخالفين للإسلام لا يتمتعون بحرية العقيدة فحسب، ولكن أيضًا يشغلون مراكز مرموقة في دولة الإسلام، لم يكن هناك خوف من ذلك ولا حساسية تجاه المخالفين في العقيدة، لأن الإسلام قوي بذاته، والمسلمون في ذلك الوقت كانت لهم قوة حقيقية وسيادة تسمح باستيعاب الآخر، ودمجه من غير تعرض لدينه ومعتقداته، مهما بلغ حجم المخالفة فيها للإسلام وتعاليمه، في موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، يقول الدكتور/ عبد الوهاب المسيري رحمه الله: عند الفتح الإسلامي، كان أعضاء الجماعات اليهودية يشتغلون بالزراعة وتربية الماشية، وكانت أكثريتهم تمتهن الحرف اليدوية، ولكن مع نهاية العصر الأموي وبداية العصر العباسي، تغيَّر الوضع تمامًا نظرًا لما يسميه بعض المؤرخين بالثورة التجارية في القرنين الثامن والتاسع الميلاديين، وتعود هذه الثورة التجارية إلى الفتح الإسلامي، ومع حلول القرن العاشر الميلادي.

كانت المؤسسات المصرفية اليهودية تقوم بإقراض الدولة سواء في بغداد أو القاهرة، ومن أشهر التجار الدوليين في ذلك الوقت (القرنين السابع والتاسع الميلاديين) التجار الراذانية. وقد أدَّى كل ذلك إلى ظهور طبقة يهودية وسيطة (كبيرة وذات نفوذ) تشكل جزءًا أساسيًا من المجتمع، وقد ظهرت طبقة ثرية قائدة بين اليهود تشكل القيادة الحقيقية للجماعة (وهو وضع يشبه وضع اليهود في الولايات المتحدة حاليًا)... وقد تدهور وضع اليهود بتدهور وضعهم في العالم الإسلامي ككل، وهو تدهور نَجَمَ عن انقسام العالم الإسلامي (في العصر العباسي الثاني وبعده) إلى دويلات وإمارات مختلفة، الأمر الذي أدَّى إلى انقسام اليهود أنفسهم". 

العِلم والمناصب في رحاب الإسلام: لقد اهتم الخلفاء المسلمون بالعلم والتعليم، اهتمامًا كبيرًا، ولم يكن غير المسلمين أقل حظًا من المسلمين في ذلك، بل كانت حظوظ التعليم للجميع على ميزان واحد، مما أدى إلى ظهور مشاهير الأطباء من غير المسلمين، من مثل حنين ابن إسحاق وجورجس ابن بختشوع، وظهر منهم أيضًا الصيادلة والعلماء في شتى المجالات, بالإضافة إلى ذلك تبوأ غير المسلمين المناصب العالية في الجهاز الإداري للدولة، لأنهم أصحاب معرفة في الحساب, والكتابة، والخراج، فاستعان بهم الخلفاء الأمويون في تنظيم الجهاز الإداري في دولتهم فحصلوا على أرقى المناصب؛ وخير مثال على ذلك ما ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق من تعيين سرجون بن منصور الرومي  كاتبًا لمعاوية رضي الله عنه وابنه يزيد وعبد الملك بن مروان، حيث كان في منصب الكاتب الرئيسي في الدولة الأموية. كما اتخذ الخليفة سليمان بن عبدالملك كاتبًا نصرانيًا يدعى البطريق بن ألنكا واستعمله مشرفًا على مبانيه في مدينة الرملة. 

الإسلام دين الرقي والحضارة: فمن يبحث في التاريخ سيجد أضعاف ما ذكرت من ذلك، ليجد بكل بساطة أن الإسلام، ليس كما تفهمه فرنسا الآن، أو غيرها، لم يأت ليقلب الدنيا رأسًا على عقب، لم يأت ليهجم على البشرية هجوم السبع الكاسر، حيث لا يخلف وراءه سوى أمره ونهيه وفكره ومعتقده، أو الخراب والدمار بديلا عن ذلك. لم يفعل أحدٌ من حكام المسلمين، ـ لا في عصور التفوق والقوة، ولا حتى في عصور الانكسار، والتفرق ـ، مثل ما تريد فرنسا أن تفعله الآن، من: (تفصيل إسلام يناسب مبادئها)، فرغم أن القرآن يؤكد أن دعوته هي الحق المطلق، الذي جاء به جميع المرسلين من أنبياء الله، وأن المتخلفين عن اتباعه مصيرهم النار، لكنه لم يقرر في الوقت نفسه حمل أحد على الإيمان بذلك، ولا أجاز الإسلام تدخل المسلمين في ديانات الآخرين، بأي شكل لطيف أو سافر، إنما ترك للناس الحرية في بقاء كل صاحب معتقد على معتقده، ولو كان فيه منتهى التناقض مع دعوته، قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (سورة يونس، آية99)، فليست علمانية فرنسا هي التي تمنح الحرية، ولكنه الإسلام، دين الإنسانية الكاملة، والحرية الراشدة، فقط عليهم أن يفهموا الإسلام، وعلينا أن نعمل على تحقيقه كاملا على أرض الواقع.