الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

انعدام الثقة في الإعلام


كنت بالأمس في حوارٍ ليس بقصير مع زميل وصديق إعلامي مرموق، ممن أثق فيهم ويعمل بدوائر صناعة القرار.. بدأنا حوارنا بتفقد أحوالنا وأحوال مهنة الإعلام وما آلت إليه.. وتبادلنا أطراف الحديث.

وكانت بداية حديثي معه سؤال هو: ماذا يُقدم الإعلام من خدمة توعوية للمواطن المصري؟ وهل يعرف المواطن أي شيء عن المشروعات المبذولة في البلد، حجمها أو سعة العمل بها أو كيفية الوصول لإنجاز هذا الكم الضخم من المشروعات في آنٍ واحد.
وبدا زميلي مُنْصِتًَا جيدًا لما أقوله ومُتَفِقًَا معي في الكثير من وجهات النظر حول الثغرات أو السقطات التي يمر بها إعلامنا هذه الأيام.

فكرتي كانت تدور حول حجم القنوات الفضائية الضخم، الذي أصبح لدينا في مصر، وبالرغم أنها تلعب دورًا جيدًا في ملءْ أوقات فراغ المواطنين، سواء بالمحتوى الدرامي المُقَدَّمْ من خلال المسلسلات الجاذبة والشيقة للمتابعة أو البرامج الترفيهية والتوك الشو، والتي لا تخلو قناة تقريبًا منها.

إلا أنه ومع الأسف، غَابَ المحتوى الأكثر أهمية وهو توعية المواطن من خلال برامج "Informative" معلوماتية تُفِيدُه وتُعلِمُه بما يحدث من بناء في الدولة، الأمر المهم، سواء بناء اقتصادي من خلال المشروعات المنَّفَذَة من قبل الدولة، والتي يقف عليها، بنفسه، فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي أو النمو الملحوظ في ملف الصحة والتعليم أو البحث العلمي والابتكار من خلال شباب الجامعات ومشروعات الثروة السمكية إلى جانب التطور الضخم والمذهل في الطرق والكباري وشكل مصر الذي اختلف للأفضل.

واللافت للنظر، أنَّ بعض هذه القنوات الفضائية يملك ميزانيات إنتاجية ضخمة، لكنه لا يُوَجِّه جزء من هذه الميزانية للوقوف على مشروعات الدولة، وتوعية المواطنين بأهمية هذه المشروعات وكيفية تنفيذها وما يُنفق عليها من رأس مال.. وهذه البرامج "الموَّثقة" من شأنها الإجابة عن الكثير من تساؤلات المواطنين المشروعة.

وبخبرتي المهنية في هذا المجال، من خلال عملي كمذيعة مع أكثر من جهة إعلامية دولية، أعلم كيفية صناعة هذا البرامج وما المحتوى الذي ينبغي أن يُقَّدّم للمواطن، لتعريفه بأهمية المشروعات المقامة في الدولة.

سأضرب مثالا بسيطا على الأداء الإعلامي المُتَرَاخِي في حق المشروعات المبذولة في الدولة: ومنها "مشروع المونوريل" "الضخم" (وهو يمثل نقلة حضارية في قطاع المواصلات المصرية) وقد تم اختزاله في ثلاث دقائق تليفزيونية فقط، لتعريف المواطن به، إلى أنْ تَحدَّثَ عنه وزير النقال السيد كامل الوزير، قُرابة النصف ساعة، لأحد الفضائيات غير المصرية، والتي أتاحت الوقت من خلال برنامج الزميل الإعلامي، عمرو أديب، على إم بي سي، والذي أخذ يحاور الوزير باستفاضة عن المشروع لتوعية المواطن المصري، وهو الدور المنوط به الإعلام المصري.

كُنت أتمنى أن تَفْرِدْ أيٍّ من هذه الفضائيات المصرية، بل وتتنافس في تقديم محتوى أكثر عمقًا عن ذلك الذي قدمه الزميل عمرو أديب، من خلال أحد البرامج التي تقدم هذه النوعية من المحتوى التعريفي بقضايا الدولة، وأن يذهب فريق عمل إعلامي من أحد هذه القنوات بكاميراته، ويظل يصوِّر أسبوعًا مثلًا مدى تطور العمل بمشروع المونوريل، يُظْهِر لنا كيف يظل العمال عاكفين على العمل حتى ينتهي بهذه الصورة المذهلة وجميع من يعمل به، بدءًا من العامل وانتهاءً بالمهندسين القائمين على هذا المشروع، مرورًا بلحظات تناولهم الطعام.. وهل يأخذون راحة لتناول كوب الشاي أم يقومون باحتسائه أثناء عملهم؟ هل يأخذون قيلولة أم لا ينامون، هل يعملون في ورديات متصلة أم متقطعة؟ هل يأخذون إجازات لزيارة الأهل؟.. كل هذه الأسئلة تبرز أهمية الجهد المبذول في المشروع.. فهو لا يقل أهميةً عن مشروع السد العالي أو حفر قناة السويس.

مثال آخر.. مبادرة حياة كريمة للرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي تُنَّفَذْ في القرى الأكثر فقرًا.. فكنتُ أتمنى لو تذهب مذيعة أو مذيع "على الطبيعة" وتقوم بتصوير الحياة لهذه القرية قبل المبادرة وبعدها، وليس اختزالها في مجرد دقيقتين تقدمها القنوات الفضائية عن شكل البيوت الجديدة، من الأبواب والسيراميك والسقف الذي أصبح موجود في هذه الشقق، بدلًا من أن يُعطي البرنامج فكرة عن كيفية الوصول لهذه الصورة بعد أن كانت حياة هذا المزارع أو هذه الفلاحة تعسة ولا يجدون ماء يصلح للشراب أو الكهرباء التي لم تصلهم.. بدلًا من أن يُختزل هذا العمل الضخم في مجرد وجوه سعيدة ونساء تطلق الزغاريد.. فالأهم لتظل هذه المشروعات محفورة في أذهان الناس أن نربطها بالواقع الذي يُصَوَّرَهُ لهم الإعلام (الهادف الذي يحمل رسالة).

من قلبي: أعتقد أن صورة بعض الإعلاميين الحاليين في أذهان وعقول المواطنين لن تنمحِ، فكيف لإعلامي أو إعلامية، دأبت على تمجيد الرئيس الراحل مبارك في عهده، ثم قامت بالإساءة إليه بعد وفاته وربما تطاولت عليه باللفظ أو ببذيء العبارات، أن يُصَدِّقَها المواطن.. فهؤلاء ممن يغيرون جلدهم، أصبحوا بـ100 وش ولن يجدوا أصداء لدى المشاهد.

من كل قلبي: مازال هناك فرصة أمام المسئولين عن الملف الإعلامي، والذي أصبح يمر بأزمة انعدام الثقة من قادة ومسئولي الدولة المصرية، في مصداقية ما يقدمه، فقد آن الأوان، لننحي العلاقات الإنسانية و"المحسوبيات" جانبًا وننظر للمصلحة الفضلى للدولة، والمصلحة تقتضي التَخَلِّي عن الوجوه المُشَوِّهَة للصورة الإعلامية، إلى جانب بذل مزيد من الجهد والمال، دون النظر للعائد المادي "اللحظي" الذي تُحققه القناة من مثل هذه البرامج، فهذه البرامج إذا تم تنفيذها بفكر إعلامي مسئول وخارج الصندوق، ستحقق عائدًا عاليًا من خلال نِسَبْ المشاهدة، ربما يزيد عن الذي تحققه المسلسلات الدرامية للمواطن.. فالمواطن المصري متعطش لمعرفة ما يُبذل من جهد في بلده، يعود عليه بالنفع المادي والمعنوي.

#تحيا_مصر #تحيا_مصر #تحيا_مصر.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط