الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رفع العقوبات ليس أولوية طهران.. هكذا تلاعِب إيران أمريكا وفرنسا والخليج

صدى البلد

مع قدوم إدارة الرئيس الأمريكي بايدن إلى البيت الأبيض التي لديها العديد من الخلافات مع الإدارة السابقة برئاسة دونالد ترامب، فإن تلك الخلافات ستؤدي إلى تغيرات واسعة في الشرق الأوسط، والتي ستتحدد نسبة كبيرة منها وفقا لاتجاه العلاقات الأمريكية الإيرانية.

وفي تقرير نشرته صحيفة "اندبندنت" البريطانية بنسختها باللغة الفارسية، بعنوان "أولوية إيران الحفاظ على إطلاق يديها في المنطقة، وليس العودة للاتفاق النووي" قالت إن مباردة الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن اليمن تحمل العديد من أوجه الشبه مع مبادرة نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن لبنان، وتواجه كلتا المبادرتين، التي كان من المتوقع أن يكون لها القدرة على حل أزمات البلدين أو على الأقل التمهيد لذلك.

وأشار التقرير إلى أن أزمات تمثل عقبات في المنطقة مثل اليمن ولبنان ليست مجرد نزاعات داخلية على السلطة، لكنها جزء أصيل من قضية أكبر جوهرها دور إيران في المنطقة.

فإيران التي بذلت جهودًا كبيرة خلال العقود الماضية لإقامة قواعد لها في لبنان واليمن وبعض الدول الأخرى، غير مستعدة للعب دور في حل تحديات وصعوبات البلدين خارج مصالحها المباشرة، وبدون أن تضمن مصالحها، لا يبدو أن طهران مستعدة لتسهيل ما يراه بايدن وماكرون ضروريًا لإخراج اليمن ولبنان من مستنقع أزماتهما.

يرى التقرير أن ماكرون كان صاحب الأسبقية في تقدير الحوافز قبل المبادرة وأثناءها وحتى بعدها. ولتحقيق هذا الهدف وضع نفسه في صميم الاتفاق كوسيط، إلى جانب الثلاثي الأوروبي (مع بريطانيا وألمانيا) لتسهيل العودة إلى الاتفاق النووي الذي خرجت منه أمريكا.

وفي لبنان، حاول ماكرون ألا يزعج حزب الله، الذي يعتبر الركيزة الأساسية لسياسة إيران في العالم العربي. لهذا السبب، لم يستجب لمطالب غالبية اللبنانيين بضرورة تسليم سلاح حزب الله للحكومة اللبنانية الشرعية، ولك يطرح كذلك موضوع إجراء انتخابات مبكرة بناءً على اقتراح حزب الله. إضافة إلى ذلك، رفض اقتراح تشكيل حكومة خارج سيطرة حزب الله.

لكن سرعان ما أحبطت الحكومة الإيرانية خطة فرنسا، ووصفتها بأنها محاولة غربية جديدة لضرب "محور المقاومة" وعلى رأسه حزب الله. بعد ذلك جاء ماكرون بفكرة إنقاذ الاتفاق النووي من خلال إشراك القوى الإقليمية، وخاصة السعودية والإمارات، في صياغة نسخة جديدة له. رفضت إيران بشكل قاطع عرض باريس، مؤكدة أن الاتفاق النووي المتعدد الأطراف والمصدق عليه من قبل مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، غير قابل للنقاش بأي حال من الأحوال، بالإضافة إلى ذلك، فإن أطراف الاتفاقية النووية واضحة وغير قابلة للتغيير.

لم ترفض إيران مقترحات ماكرون للتوصل إلى اتفاق نووي فحسب، بل وضعت أيضًا شروطًا جديدة للولايات المتحدة، داعية إلى الرفع الكامل للعقوبات المفروضة على إيران في المقام الأول، قبل أن تتخلى طهران عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% والعودة إلى التخصيب 3.67% المتفق عليه. كما تشترط إيران على واشنطن تعويضها عن الضرر الناجم عن العقوبات كدليل على حسن النية، إضافة إلى ذلك، رفضت طهران بشكل قاطع إدراج قضية الصواريخ الباليستية والتدخل في شؤون دول المنطقة في أي نقاش يهدف إلى تفعيل الاتفاق النووي.

مثلما دخل ماكرون في القضية الإيرانية من خلال قضية لبنان، استخدم بايدن اليمن أيضًا كبوابة للولايات المتحدة بعد إعلان تغيير شامل في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، بما في ذلك "مراجعة" الدعم العسكري لدول الخليج واستئناف المحادثات مع إيران التي تم اختيارها للدخول في هذه القضية.

وبالمثل، في الأسبوع الأول من فبراير، قال بايدن:"هذه الحرب يجب أن تنتهي"، منهيًا الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية، بما في ذلك بيع الأسلحة المتعلقة بالحرب اليمنية، تنفيذًا للقرار. ثم ألغت إدارته قرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية. أرسل بايدن تيموثي لاندر كينج، مبعوثه الخاص إلى اليمن، إلى الرياض بعد أسبوع من تعيينه، ولكن في اللحظة التي غادر فيها المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي، استهدف الحوثيون مطار أبها في السعودية مع تصعيدهم لهجماتهم على المملكة. وهذا يعني أن جهود واشنطن لتقريب الحوثيين من منطق حل الأزمة عبر الحوار قوبلت بالشكوك وأظهرت أن قرارات الجماعة تتخذ في طهران. ونتيجة لذلك، فكما رفضت طهران تسهيل مهمة ماكرون في لبنان، كذلك فعلت مع طموح بايدن بالنجاح في حل الأزمة في اليمن، ورفعت شعار "لنتفاوض معنا أولًا وبشروطنا".

في الواقع، قرر قادة إيران، كما اقترحوا ضمنيًا على حكومة بايدن، وتوترت علاقتهم مع حلفاء طهران السياسيين في المنطقة، إبقاء الوضع الحالي والسيطرة عليه حتى الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة. وخلال الانتخابات، استبدل حسن روحاني بشخص آخر أقرب إلى المرشد الإيراني علي خامنئي وأكثر ولاءً له.

بالطبع، تم توضيح إجراء إيراني آخر في هذا الصدد في خطاب خامنئي في 8 يناير، عندما قال إن إيران لن تكن في عجلة من أمرها وأنه إذا لم يتم رفع العقوبات مقدمًا، فقد تكون عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي أمر ضار لمصالح طهران. بعد حوالي شهر، في خطاب لاحق، قال المرشد الإيراني أنه بعد رفع العقوبات عن واشنطن، ستنظر إيران أولًا فيما إذا كانت قد رفعت العقوبات. وهذا يعني أن طهران لديها القدرة على بيع النفط واستعادة علاقاتها المالية مع الأسواق الدولية دون أي مراجعة للسياسات الإقليمية أو برامج الصواريخ.

وجاءت تصريحات خامنئي، التي لم تذكر اليمن أو القضايا الإقليمية، بعد ثلاثة أيام فقط من تصريحات بايدن حول أزمة الحرب في اليمن، وإحياء "إنجازات" قاسم سليماني، إضافة إلى الضجيج والدعاية في وسائل الإعلام الإيرانية حول هجمات الحوثيين. و'الانتفاضة الشعبية 'في العراق واحتفال أنصار إيران في البحرين، لم يعد المسؤولون الإيرانيون يذكرون قضية لبنان.

الواقع أن طهران تنتظر انهيار التحالف العربي الدولي، وتحاول في الوقت ذاته استغلال الانشغال الداخلي لإدارة بايدن، خاصة بعد فشل مساعي عزل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في مجلس الشيوخ. بالإضافة إلى ذلك، تسعى إيران إلى بناء تحالف دولي، وكان جهد طهران الأساسي في هذا الصدد هو رسالة خامنئي إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن بوتين لم يقابل محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الإيراني، الذي حمل الرسالة. إن رد موسكو، بالطبع، يبعث برسالة مفادها أن خطط إيران لا تتماشى مع خطط أصدقائها المفترضين، وأن هذه الخطط ستكون بلا شك غير مقبولة للمعارضين التقليديين للنظام الإيراني الذي يقضي أيامه في التدريبات العسكرية والخطاب الاستبدادي.