الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رمضان البيه يكتب: وصية الإمام الشافعي للرشيد

صدى البلد

طلب هارون الرشيد من الإمام الشافعي أن يوصيه فقال له الشافعي: مادمت قد طلبت الوصية إذا فاخلع رداء الكبر عن عاتقك وضع تاج الهيبة عن رأسك وانزع قميص التجبر عن جسدك وفتش نفسك وانشر سرك وألق جلباب الحياء عن وجهك مستكينا بين يدي ربك حتى أكون لك واعظا عن الحق وتكون مستمعا بحسن القبول فينفعني الله بما أقول وينفعك بما تسمع.

فقال الرشيد: أما إني قد فعلت وسمعت لله والرسول وللواعظين بعدهما فعظ وأوجز.. فقال الشافعي: أيا امير المؤمنين اعلم أن الله جل ثناؤه امتحنك بالنعم وابتلاك بالشكر، فلا تأخذك النعمة وتغفل عن الشكر عليها .. فكن لله تعالى  شاكرا ولآلائه ذاكرا تستحق منه عز وجل المزيد، واتق الله في  السر والعلن تستكمل الطاعة، واسمع لقائل الحق وإن كان دونك تشرق عند الله وتزد في عين رعيتك واعلم أن الله سبحانه وتعالى يفتش سرك فإن وجده بخلاف علانيتك شغلك بهم الدنيا وفتق لك ما يضيق عليك واستغنى الله والله غني حميد.

وأكمل وصيته للرشيد قائلا: وإن وجد الله سبحانه سرك موافقًا لعلانيتك أحبك وصرف هم الدنيا عن قلبك وكفاك مئونة نظرك لغيرك وترك لك نظرك لنفسك وكان سبحانه المقوي لسياستك ولن تطاع إلا بطاعتك له تعالى فكن له طائعا تكتسب بذلك السلامة  في  العاجل وحسن المنقلب في  الأجل (فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون).. واحذر الله حذر عبد عرف مكان عدوه وغاب عنه وليه فتيقظ خوف السري ولا تأمن من مكر الله لتوالي نعمه عليك فإن ذلك مفسدة لك وذهاب لدينك وعليك بكتاب الله الذي لا يضل المسترشد به ولن تهلك ماتمسكت به فاعتصم بالله تجده تجاهك وعليك بسنة رسوله صلي الله عليه وسلم تكن على طريقة الذين هداهم الله فبهداهم اقتده. وما نصب الخلفاء المهديون في الخراج والأراضين والسواد والمساكن والديارات فكن لهم تبعا وبه عاملا راضيا مسلما واحذر التلبيس فيه فإنك مسؤل عن رعيتك. 

واختتم الشافعي وصيته بقوله: وعليك بالمهاجرين والأنصار الذين تبوءوا الدار والايمان فأقبل علي محسنهم وتجاوز عن مسيئهم وآتهم من مال الله الذي اتاك ولا تكرههم علي امساك عن حق ولا على خوض في باطل فإنهم الذين مكنوا لك البلاد واستخلصوا لك العباد ونوروا لك الظلمة وكشفوا عنك الغمة وقلدوك الرياسة وكن لله كما تحب أن يكون لك أن يكون أولياؤك من العامة من السمع والطاعة فإنه ما ولي أحد على عشرة من المسلمين فلم يحطهم بنصيحة إلا وجاء يوم القيامة ويده مغلولة إلى عنقه لا يفكها إلا عدله  وأنت اأعرف بنفسك.

فبكى هارون الرشيد بكاء وعلا نحيبه وبكي من كان بالمجلس.. وأراد أحد الجلساء أن يُسكت الشافعي، فأقبل عليه الشافعي قائلا: أسكت؟! أخرسك الله لا تُذهب بنور الحكمة يا عبيد الرعاع وعبيد الصوت والعصا.. انتقم الله منكم لتلبيسكم الحق عليه أما والله مازالت الخلافة بخير ما منع عنها أمثالكم ولن تزال بشر ما اعتصمت بكم. 

فرفع الرشيد رأسه وأشار اليهم أن كفوا وأقبل على الشافعي وقال له لقد أمرت لك بصلة من المال فاقبلها.. فقال له الشافعي: كلا والله، لا يراني الله تعالى قد سودت وجه موعظتي بقبول الجزاء عليها.