الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منى زيدو تكتب: الحياة عبادة

صدى البلد

 

 كثيرة هي الكتب والدراسات التي تم نشرها عن الحياة وجدواها وقيمتها بالنسبة للإنسان وكيف له أن يعيشها، والأكثر من ذلك أن الانسان منذ الأزل راح يبحث عن الحياة ومعناها وكيف يحياها وما هي قيمة الحياة إن لم يكن جاهزًا لها. والسؤال الأهم الذي راود الانسان منذ القدم وحتى الآن هو؛ كيف نعيش؟ ولماذا نعيش؟ في دوامة هذه الأسئلة والبحث عن جواب لها ظهر الكثير من الفلاسفة عبر التاريخ وراحوا يشكون بكل شيء فيما حولهم علّهم يصلون أو يهدؤون الهلع من المجهول الذي كانوا يعيشونه. بذلك ظهرت نظريتين تقريبا وهما اللتان سيطرتا على العقل الإنساني حتى راهننا. الأولى وهي أن كل شيء في الحياة مردوده إلى الله الذي خلق كل شيء، وسميت بنظرية "ما وراء الطبيعة"، أما الثانية فكانت تحاجج بالعقل والمنطق وترجع كل شيء إلى التجربة والبرهان العلمي وسميت "بالعلمانية أو الديالكتيكية المادية". وبين هاتين النظريتين ما زال العالم منقسم على أحقية أي منهاما هي السليمة.

بعيدًا عن التعريفات المتداولة والمعروفة لنا جميعًا، هل ثمة أجوبة أخرى تعيننا على فهم الحياة ببساطتها بعيدًا عن المصطلحات والتعريفات الفلسفية والعلمية والتي تخص فئة معينة من الناس، والتي تم تحويرها من مسارها خدمة للنظم الحاكمة واستعباد الشعوب. فظهرت بذلك مجتمعات مؤمنة بشكل مطلق إما بهذه النظرية أو تلك، وبالنتيجة ظهور مجتمعات منغلقة على نفسها إما باسم الدين أو باسم العلم. وكِلتاهما أسوء من بعضهما البعض، وفق تفسير كل طرف حسب مصالحه وأجنداته.

احتوى القرآن الكريم على كِلتا النظريتين والتي خيرنا فيهما الله بما نشاء أن نختار وأي طريق نسلك في هذه الحياة التي نعيشها. في النهاية هي اختيار ليس إلا ونحن من سنتحمل عاقبة الخيار الذي سنصطفيه لأنفسنا وما هي تداعياته على شخصيتنا وأفراد عائلتنا ومجتمعنا بالنهاية. ولأن الانسان هو جزء من المجتمع والمجتمع لا يمكن أن يتشكل من دون الانسان، فبكل تأكيد أن بينهما علاقة تكاملية لا يمكن الفصل بينهما البتة. من هنا كان للفرد دور مهم في بناء المجتمع أو هدمه، وهو متربط بشكل وثيق على اختياره وسلوك حياته واسلوبه في المحصلة.

يقول الله: "اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ"، ويعرف لنا الحياة بالطريقة والأسلوب الأول وينبهنا فيها بأن هذه الحياة ما هي إلا لعب ولهو وزينة لنا إن لم نعِ مغزاها وهدفها، لتبقى شخصيتنا وفق ذلك لا يهمها أي شيء سوى اللعب على حبل سيرك الحياة والنط عليه لنضحك ونضحك الآخرين. الاهتمام بالمادة والمال والشهرة والمأكل والملبس والتفاخر بالنسب ليس لها أية علاقة بالحياة بقدر ما هي الحط من شأنها. وهذا ما يجعلنا نعيش الترف والشكليات التي لا معنى لها والاهتمام بها على أساس أنها هدف الحياة فقط يكمن في اللهو والزينة والتفاخر. فنرى أنفسنا منقادين ومسيّرين من قبل المال والنساء حتى يصبحا هدف الحياة، وكل ما عداهما أي المال والنساء، ما هو إلا جهل وفقر.

أما في الطرف الآخر يقول الله: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"، وهي على النقيض من الآية الأولى من حيث الجوهر. إذ/ يحثنا الله هنا على العبادة له وإعلاء كلمته واسماءه في كل مناحي الحياة، بعيدًا عن اللهو والتفاخر واللعب. فالعبادة هنا ليست قائمة فقط على طقوس الصلاة والصوم وقراءة القرآن، بل تتعدى ذلك بكثير ولتصل في النهاية على سلوك وأسلوب عيشنا في كل مناحي الحياة.

إذ، ثمة فرق كبير بين العبادة التي أمرنا الله بها وبين العبودية التي تأمرنا بها الأنظمة السلطوية تحت اسم الدين. فالعبادة هي بشكل مبسط ألا نشرك بالله أحدًا وطاعته والإعلاء من كلمته. بينما العبودية على العكس من ذلك تمامًا وهي أن تنفذ ما يأمرك به الحاكم أو أن تشرك به على أنه هو ظل الله على الأرض وما يقوله ما هو إلا وحي ولا يمكن النقاش والجدال حول أفكاره.

التعددية عند الله متواجدة وهو يخيرنا بما نريد، بينما الحاكم الجائر لا تعددية عنده ويريد فقط أن نكون كما هو يريد ونفكر كما يريد ونعيش كما يشاء، وبذلك يتشكل المجتمعي النمطي الذي يعتمد على اللون واللغة والثقافة والعلم الواحد فقط. ولا يقبل بالتعددية والاختلاف الذي هو بنفس الوقت يعطي الحياة معناها والذي يكمن في غناها بتلك الاختلافات. الله خلقنا بلغات متعددة وأعراف وألوان وثقافات وشعوب وقبائل متعددة لنعرف أن أكرمنا عند الله أتقانا، وهنا تكم العبادة والتعددية. بينما عند الأنظمة الجائرة التي لا تؤمن بالتعددية لا تعترف بها مطلقًا وتحارب كل من يدعوا لها على أنه عميل لدولة أجنبية يعمل على تقسيم الأمة وتشتيتها. عند الحاكم الجائر اللغة واحدة والعلم واحد والقبائل ينبغي أن تكون واحدة، ليتشكل بهذا الشكل مجتمع نمطي وعبيد لا يفقهون شيئًا من الدين سوى الشكل والكلمات.

الحياة عبادة إن طبقنا ما أمرنا الله به من حب واحترام الآخر مهما كانت اختلافاته معنا. وكذلك العبادة هي احترام المرأة كما تريد أن تكون هي وليس ما نريد نحن، عدم السرقة وعدم الفساد واحياء الانسان والمجتمع، الابتسامة، العفو عند المقدرة، الصدق، الرحمة، الدفاع عن المظلومين ومساعدة المحتاجين، وغيرها الكثير كلها تدخل في باب العبادة وإعطاء المعنى للحياة التي نعيشها، وذلك طبعًا بالإضافة للشعائر الدينية الأخرى. بينما، قتل الانسان وهدم المدن وتهجير الشعوب وعبادة المال وجعل المرأة سلعة ورهينة وجارية، ما هو إلا عبودية لأي شخص يقوم بذلك مهما نادى بأعلى صوته باسم الله والدين.