الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لماذا لم يكن هناك إمام في صلاة الجنازة على النبي؟

لماذا لم يكن هناك
لماذا لم يكن هناك إمام في صلاة الجنازة على النبي

في مثل هذا اليوم شهدت الدنيا أسوأ وأصعب يوم مر بها لوفاة النبي صلى الله عليه وسلم خير الأنام، حيث توفى يوم الاثنين الموافق 12 من ربيع الأول، في العام الحادي عشر هجريا، وهو ما يوافق عام 633 ميلاديا من شهر يونيو، وكان عُمره 63 عامًا.


وثبت في الروايات الصحيحة أنه لم يكن هناك إمام في صلاة الجنازة على النبي، فقد صلى الصحابة عليه -صلى الله عليه وسلم- فرادى، ولم يصلوا في جماعة.


فعَنْ أَبِي عَسِيبٍ أَوْ أَبِي عَسِيمٍ رضي الله عنه: (أنَّهُ شَهِدَ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالُوا: كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْهِ ؟ قَالَ : ادْخُلُوا أَرْسَالًا أَرْسَالًا. قَالَ : فَكَانُوا يَدْخُلُونَ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنَ الْبَابِ الْآخَرِ).

قال ابن عبد البر رحمه الله: "وأما صلاة الناس عليه أفذاذاً - يعني : على النبي صلى الله عليه وسلم - فمجتمع عليه عند أهل السير وجماعة أهل النقل ، لا يختلفون فيه "


وقد ذكر العلماء أسبابا كثيرة لصلاة الصحابة الجنازة على النبي صلى الله عليه وسلم فرادى، منها:

1- قال بعض أهل العلم إن الصحابة صلوا فردى على النبي بسبب وصيته صلى الله عليه وسلم لهم بالصلاة عليه فرادى، ولكن ذلك لم يثبت بإسناد صحيح، وإنما ورد في بعض الأحاديث الضعيفة.

2- صلى الصحابة فرادى على النبي بسبب التنافس الشديد بينهم لتحصيل هذه الفضيلة – وهي إمامة الناس في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم– محبة منهم له، التي لا يناسبها الإيثار والمسامحة، وإنما التنافس والمشاححة على هذا القرب منه صلى الله عليه وسلم في آخر موقف له بينهم في الدنيا، خاصة وأن أمر الخلافة والإمامة لم يكن استقر بعد، ولم يُعرف مَن هو الذي سيتولى أمر المسلمين كي يتقدم في إمامة الصلاة، فحرص الصحابة على وحدة صف المسلمين، وانتظار اجتماع كلمتهم على أحدهم يكون هو الإمام المقتدى به، فقد كان الخليفة هو الذي يتقدم المسلمين في الصلوات.


يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه:
" صلى الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرادا لا يؤمهم أحد، وذلك لعظم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنافسهم في أن لا يتولى الإمامة في الصلاة عليه واحد".

ويقول الإمام الرملي رحمه الله – بعد أن نقل كلام الإمام الشافعي رحمه الله:
" لأنه لم يكن قد تعين إمام يؤم القوم، فلو تقدم واحد في الصلاة لصار مقدما في كل شيء، وتعين للخلافة ".

3- تنافس الصحابة رضوان الله عليهم في تحصيل البركة من صلاة الجنازة على النبي على وجه الانفراد والخصوصية دون أن يكون أحد منهم تابعا لإمام، فلم يكن أحد يقبل أن يتوسط بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم شخص في الصلاة لنيل الأجر والبركة.
يقول الإمام القرطبي رحمه الله:
" أرادوا أن يأخذ كل أحد بركته مخصوصا دون أن يكون فيها تابعا لغيره".

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه الصحابة فرادى؛ لأنهم كرهوا أن يتخذوا إماماً بين يدي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فصاروا يأتون يصلون عليه أفراداً، الرجال ثم النساء".

4- تعظيم واحترام النبي صلى الله عليه وسلم، والهيبة أن يتقدم أحد ليؤم الناس في الصلاة عليه، فقد كان الرسول إمام الناس وقائدهم وهاديهم، فلم يجرؤ أحد أن يقف موقفه وأن ينصب نفسه مكانه بعد وفاته وبغير إذنه عليه الصلاة والسلام، وهذا السبب يتعارض مع السببين الثاني والثالث الذين قال بهما بعض العلماء.


يقول البهوتي الحنبلي رحمه الله:
"تسن الصلاة عليه – يعني على الميت - جماعة لفعله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، واستمر الناس عليه ، إلا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يصلوا عليه بإمام احتراما له " انتهى.

فهذه هي الأسباب التي ذكرها العلماء، ولم يظهر لنا الجزم بواحد منها، وقد تكون كل الأسباب مجتمعة أو بعضها هي ما دعت الصحابة الكرام للصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فرادى، وقد يكون السبب في ذلك أمر آخر سوى ما ذكرنا ؛ فالله أعلم بذلك.