الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. محمد مبروك يكتب: رواية «زرادوستار»

صدى البلد

 

"إن بصمة الخالق واضحة جليّة في كافّة المخلوقات، ولكنّها تحتاج فقط للتدبُّر والتعقُّل، لتنجلي لأُولي الألباب…
ألم تتدبَّر يوماً؟  شمسٌ لا تخلف ميعادها ولو للحظة، تشرق صباح كل يوم جديد من دون تكاسل؛ فصولٌ تتناوب ما بين شتاء وربيع وصيف وخريف من دون انحراف أو تقديم أو تأخير!  ألم تتدبَّر انتظام الكون بأكمله؟ أحقّاً تتساءل إن كانوا آلهةً كثراً، كيف لم يختلفوا، ويحيد هذا النظام ولو لشعرة! ولكن هذا الأمر لم يحدث على الإطلاق، وإن حدث لهلكت كافة المخلوقات"

كان هذا جزءاً من نص أحد الحوارات بين أبطال رواية "زرادوستار - نبي أهل النار-" للأديب والروائي سامح مبروك التي يساهم بها كباكورة لأعماله الأدبية بطبعتها الثانية بمهرجان القاهرة الدولي للكتاب المقام بأرض المعارض بالتجمع الخامس في الفترة من 30 يونيو حتى 15 يوليو من هذا العام، كانت الطبعة الأولى للرواية قد نفدت بعد طرحها كإحدى الروايات المتميزة بمعرض الشارقة الدولي للكتاب في نوفمبر الماضي...

وبما أن مؤلف هذه الرواية هو شقيقي الأصغر وصديقي في نفس الوقت ، فشهادتي في روايته مجروحة، لكنني لم أستطع الامتناع عن الكتابة عنها في هذه المناسبة، لا سيّما أن أسلوبها الأدبي الذي أظهر الموهبة في السرد الشيِّق واستخدام اللغة الرصينة مع اختيار موضوع يمزج بين التاريخ الإنساني والخيال الخصب في تصوير المسيرة الإنسانية وما بها من الصراع بين الخير والشر وما سَلَكه الكاتب من دروب لم يسلكها أحد من قبل في تناول أحداث الرواية، أوجب عليّ أن أفصح عن رأيي فيها هنا حتى يتسنى لمن يبحثون عن محطات إبداعية جديدة في عالم الرواية الوقوف بهذه المحطة التي لا بد أنهم سيطيلون الوقوف بها للاستمتاع بقراءة مختلفة للبناء الروائي والخطوط المرسومة بدقة لكل شخصيات الرواية خصوصاً تلك الشخصيات المستندة على بُعد تاريخي، وهذا ما جعلني أبدأ هذا المقال بذلك المقطع الصغير من أحد الحوارات البديعة التي تحويها تلك الرواية لأوضح مدى مستوى لغة الرواية الراقي وأسلوبها المتميز…

إن اختيار الموضوعات التي تُبنى عليها الحبكة الأدبية والدرامية هو مربط الفرس في جذب القارىء إذا كان الكاتب يملك أدواته في الصياغة والسرد، بينما الاقتراب من بعض المناطق الخطرة يجعل التجربة محفوفة بالكثير من المخاطر، لكن اطلاع الكاتب وتأنيه في التدقيق والبحث وبذل الكثير من الجهد كي يمكن له أن يجعل ذلك المشروع حقيقة على الأرض في شكل عمل روائي بديع، هو الأصل في الوصول إلى بر الأمان برواية كتلك، وهذا ما قام به الروائي سامح مبروك، حيث خاض التجربة بمنتهى الشجاعة فدخل إلى مناطق جدلية غاية في الصعوبة في تناولها داخل أحداث رواية "زرادوستار - نبي أهل النار-"، لكنه نجح بجدارة في أن يخرج بهذا العمل الإبداعي بهذا الشكل الرائع…

لقد كان السحر والغموض الذي اكتنف الكثير من الأشخاص والأحداث داخل رواية "زرادوستار - نبي أهل النار - " مبعث تشويق يجعل القارئ لا يستطيع مفارقة دفتيها حتى ينتهي من قراءتها ومعرفة بقية الأحداث وهو يستمتع بجمال اللغة المستخدمة و الألفاظ التي اختارها الكاتب بعناية فائقة لتعبّر عن كل حدث يتم تناوله مع تناغم الأحداث في إطار درامي مدهش...

لا شك في أن ظهور كتّاب وروائيين بهذا المستوى المتميز على الساحة الأدبية لا بد له أن يزيدها ثراءً ويعود بالأدب في مصر إلى سابق عصره الذهبي الذي بنى ما لدينا من إرث ثقافي كان سلاحنا الأهم في قوانا الناعمة التي امتلكنا بها أفئدة الناس في محيطنا العربي.