السيسي والتهديدات

شكلت تصريحات الفريق عبد الفتاح السيسي صدمة مروعة لكثير من أبناء هذا الشعب الذي وضع كامل آماله عليه أو حتى بعضها على القوات المسلحة للتخلص من فشل الطغمة الحاكمة في إدارة شئون البلاد وتعريضها والعباد للتقسيم والفتن والبيع والإرهاب الممنهج، أو على الأقل الحد من خسائر الفوضى والانهيار التي أصابت كل المجالات الحيوية.
الرجل حذر المستنجدين واللائذين والمستجيرين به من استمرار ندائهم له، وقطع حبل الأمل بينه وبينهم، وأسقط الحائط الذي كانوا يحتمون به من هول وغدر ما يدفعهم إليه عتاة الإرهابيين والقتلة، بل هدد وحذر من أن نزول الجيش يعني اشتعال النار في البلاد وضياع الدولة لأربعين عاما.
صدمة التصريحات أتت على ما حققه الفريق من شعبية ضخمة بعد تصريحاته في حفل احتفالات تحرير سيناء التي نزلت على القلوب بردا وسلاما، وطمأنت الناس إلى أن قواتهم المسلحة وقياداتها لن تفرط فيهم.
إن تصريحات الفريق حملت بما لا يدع مجالا للتأويل أن الشعب وقواته المسلحة أصبحا لقمة سائغة للجماعات والتنظيمات المتطرفة، وأنهما محاصران إما أن يخضعا استسلاما وذلا وإما أن يعمل فيهما السلاح قتلا وتقتيلا في حرب قد تمتد أربعين عاما، وتذكر الشعب بينما يسمع ويكرر سماع ما قاله الفريق السيسي أن الفريق نفسه قال عنه أحد المتطرفين الموالين للرئيس محمد مرسي أنه "ممثل عاطفي"، ولم يحرك ساكنا بل لم يخرج أحد مسئول يستنكر قوله، وتم ابتلاع الإهانة كما ابتلعت إهانات وتهديدات مباشرة بالسلاح والدم سابقة أكثر من أن تعد كان أولها ما قال المرشد العام للإخوان "قادة فاسدين وجنود طيعين".
سقط القناع كاشفا عن تهرؤ الإرادة الوطنية وتآكلها ووقوعها فريسة للتهديدات الإرهابية الداخلية من جهة والأمريكية من جهة أخرى، الأمر الذي يعني ضياع الأمن القومي المصري، ويؤكد إمكانية تقسيم البلاد، وما مشروع "تطوير إقليم قناة السويس" وسيطرة العناصر الإرهابية على سيناء إلا بداية للانفصال.
لقد زغرد الشعب حين سمع كلمات الفريق في حفل احتفالات سيناء، وولول صارخا بعد تصريحاته الأخيرة، لكنه في ذات الوقت حمد الله كثيرا أن القناع قد سقط مبكرا لتتكشف الأمور، ويعلم أن الأمر أمر مصر وأمنها وسلامتها كأمة ودولة صار موكولا إليه وحده.
آه لو سمع الفريق السيسي حوارات الناس في وسائل النقل العام وأمعن في أفكارهم ورؤاهم، لخرج من توه آسفا عما قاله، لا يصدق أحد أنه خضع للتهديدات الإرهابية ويريد الشعب أن يخضع ويسلم بالأمر الواقع ويذهب إلى انتخابات هو يعلم يقيناً أنه ستكون مزورة، هو يعلم يقيناً أن مكتب الإرشاد للإخوان دفع بكوادره إلى كل مؤسسات وهيئات وأركان الدولة، وأنه قبض على كل شيء يمكن أن يخل بتزويره للانتخابات.
ألا يرى ويسمع الفريق السيسي ما يجري في البلاد، ما يحاك ضدها وضد مقدراتها داخليا وخارجيا "عيني عينك"، ألا يرى أن أمنها وأمانها الداخلي والخارجي أيضا يباع على عينك يا تاجر، ألا يرى أن أمنها القومي يمضي على حد السكين، إن ما تخافه سيادة الفريق واقع واقع لا محالة، هذا إن لم يكن وقع بالفعل، والنار التي أشرت إليها نعيشها شئت أم أبيت.
كان عليك سيادة الفريق قبل أن تتكلم بهذا الكلام أن تراجعه مرة بعد مرة، فليس من السهل أن تعلن للشعب مرة واحدة تخليك عنه، أو تشعره بأنك خائف، أو أن قواته المسلحة أضعف من أن تواجه تهديدات مجموعة من الإرهابيين القتلة، فتزيد من إحباطه ويأسه، لأن نتيجة ذلك ستكون أسوأ مما يمكن تخيله.
إن نزول القوات المسلحة لحماية الأمة المصرية أرضا وشعبا، ليست تفضلا، ولكنه واجب وطني أصيل، والنزول ليس فيه خروج على الشرعية لأن أصحاب الشرعية هم أنفسهم من طالبوا بالنزول، وطلبهم لا يعني أكثر من حماية أمن بلادهم القومي، والأمن القومي ليس مقصوراً على أرض ولكن أيضا يمتد لنسيج شعب، شعب تضرب هويته الحضارية والثقافية وثوابته الوطنية والقومية.
وأخيرا وليس آخر.. التاريخ لن يرحم أحداً، ولن يجد مبررا لتبرئة أحد، نعم نحن زائلون، لكن من يأتي بعدنا سيحمل التبعة..
[email protected]