الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كيف وصلت تونس إلى هنا.. لماذا انفجر الرئيس والشعب في وجه الإرهابية؟

الغنوشي والمشيشي
الغنوشي والمشيشي وقيس سعيد

أصبحت تونس في بؤرة الأحداث العالمية وباتت جميع الأنظار موجهة إليها بعد قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد المزلزلة بتعليق عمل البرلمان وإقالة رئيس الوزراء وسط غموض حول ماهية الخطوة المقبلة التي قد يتخذها الرئيس.

شهدت قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد حالة من الانقسام بين مؤيد ومعارض في الخارج، وهي حالة مدفوعة بأجندات الدول المختلفة ومدى وثاقة علاقاتها مع جماعة الإخوان الإرهابية وفرعها في تونس المتمثل في حركة النهضة برئاسة راشد الغنوشي.

لكن قبل الدخول في غمار الأزمة وأسبابها، ما هي أولاً قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد؟

قرر الرئيس التونسي قيس سعيد يوم الأحد، تجميد عمل البرلمان لمدة 30 يوماً، وإقالة حكومة هشام المشيشي، ليس هذا وحسب، بل قرر كذلك رفع الحصانة عن النواب وتوليه رئاسة النيابة العامة لتحريك دعاوى ضد عدد منهم متورطين في قضايا فساد.

كما أعفى قيس سعيد إبراهيم البرتاجي، وزير الدفاع الوطني، وحسناء بن سليمان، الوزيرة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالوظيفة العمومية ووزيرة العدل بالنيابة.

وذكرت وكالة رويترز نقلا عن مصادر أمنية أن الرئيس التونسي اختار خالد اليحياوي مدير إدارة الأمن الرئاسي ليكون مشرفاً على وزارة الداخلية.

كما أصدر قرار بتولى الكتاب العامون أو المكلفون بالشؤون الإدارية والمالية برئاسة الحكومة والوزارات المذكورة تصريف أمورها الإدارية والمالية إلى حين تسمية رئيس حكومة جديد وأعضاء جدد فيها. على أن يكون رئيس الحكومة معين من قبل الرئيس وحده.

وقالت إذاعة "موزاييك" التونسية إن الأمن التونسي منع  سفر رؤساء الأحزاب وشخصيات سياسية ونواب خارج تونس إعمالا بقرار الرئيس التونسي قيس سعيد، حيث حل الأخير البرلمان التونسي أمس الأحد، وأسقط الحكومة التي ترأسها هشام المشيشي.

وأضافت الإذاعة أنه تم منع سفر كل الوزراء والنواب المجمدين ورؤساء البلديات وكبار المسؤولين.

كما شمل منع السفر في تونس رؤساء الأندية ورجال الأعمال.

كما منعت السلطات الأمنية في مطار صفاقس طينة الدولي اليوم الاثنين، المنصف الخماخم رجل الأعمال والنائب الثاني لرئيس بلديّة صفاقس ورئيس النادي الرياضي الصفاقسي من السفر إلى فرنسا.

وأخيراً، أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد، الاثنين، قرارا بفرض حظر التجوال في تونس من السابعة مساء إلى السادسة صباحا لمدة شهر.

سياق القرارات

في كلمته للشعب التونسي مساء الإثنين، قال قيس سعيد إن مسؤوليته الوطنية اقتضت أن يلجأ إلى الفصل 80 من دستور البلاد، مؤكداً أنه لا يوجد مجال للتسامح مع نهب أموال تونس وأنه لن يترك الدولة التونسية لقمة سائغة.

وشدد على أن "من يدّعي أن الأمر يتعلق بانقلاب فليراجع نفسه في القانون".

تأتي قرارات قيس سعيد في وقت تسود فيه تونس حالة من الغضب الشعبي بسبب الأزمات الاقتصادية الخانقة والتي اشتدت على إثر أزمة وباء فيروس كورونا، حيث وصل انكماش الاقتصاد التونسي في العام الماضي 2020 إلى 8%.

كما جاءت القرارات بعد سجالات عديدة بين الرئيس التونسي وحركة النهضة الإخوانية منذ توليه منصبه في أكتوبر 2019، والتي عبر عنها الرئيس في كلمته مساء الإثنين، بأن صبره قد نفذ، وأنه حذر أكثر من مرة ولم يكن هناك قبولاً.

تتلخص أزمات الرئيس وحركة النهضة الإخوانية في رغبة الأخيرة في فرض أجندتها على الدولة التونسية مستغلة الأغلبية البرلمانية التي تستحوذ عليها لتقصي جميع التيارات اليسارية والعلمانية وغيرها.

بدأت الأزمات منذ إصرار حركة النهضة الإخوانية تمرير مرشحها لرئاسة الحكومة، الحبيب الجملي، لكن محاولاتها باءت بالفشل، لتبدأ في شن الحرب على مرشح قيس سعيد لرئاسة الحكومة إلياس الفخاخ، والذي لم تستمر حكومته لأكثر من 5 أشهر، بعدما تصاعدت الأزمات بإقالته 6 وزراء من حركة النهضة.

أزمة قيس سعيد والمشيشي والغنوشي

بعدما دخلت حكومة الفخاخ في أزمة شبهات الفساد وتضارب المصالح والتي لا تزال في أيدي القضاء، رفض راشد الغنوشي رئيس البرلمان وزعيم حركة النهضة الإخوانية أي مشاورات لتشكيل حكومة جديدة قبل استقالة حكومة الفخاخ، وبالفعل قدم الفخاخ استقالته ليقدم قيس سعيد هشام المشيشي مرشحاً لرئاسة الحكومة.

كان هشام المشيشي قبل هذا الترشيح وزير الداخلية والمستشار القانوني للرئيس قيس سعيد، وكانت حركة النهضة ترفض تشكل حكومة المشيشي التي كانت حكومة تكنوقراط بدلا من حكومة الأحزاب التي كانت تريدها الحركة، لكنها وافقت على مضض بسبب اقتراب الرئيس التونسي آنذاك من اتخاذ قرار بحل البرلمان بداعي عدم وجود حكومة.

في يناير الماضي اندلعت الأزمة الكبرى بين قيس سعيد والمشيشي، حيث قرر المشيشي إجراء تعديل وزاري ورفضه الرئيس، الذي وصف المرشحين الجدد لتولي الوزارات بالفاسدين.

لكن حركة النهضة وكعادة الإخوان، استغلوا هذا الخلاف بين الرئيس ورئيس وزرائه لإشعال النيران بينهما، وأبدت موافقتها على الوزراء الذين رشحهم المشيشي.

شاب كذلك خلال الفترة الأخيرة نزاعات دستورية كبرى بين الرئيس قيس سعيد وحركة النهضة بقيادة راشد الغنوشي، بسبب الاختلاف في تأويل النصوص الدستورية في ظل غياب المحكمة الدستورية في البلاد، ما أدى إلى حالة واسعة من الاستقطاب السياسي وسط ازمات البلاد الشديدة.

كانت آخر محاولات الرئيس التونسي قيس سعيد لاحتواء الخلافات في يناير يونيو الماضي، حيث دعا لإطلاق حوار وطني للتفكير في نظام سياسي جديد، والتقى المشيشي لأول مرة خلال 5 أشهر من أجل حل الازمات الاقتصادية والسياسية، ولكن بالطبع باءت بالفشل، لتشتعل الأوضاع ليلة العيد الوطني لتونس باندلاع مظاهرات واحتجاجات على تردي الاوضاع الاقتصادية في البلاد.

وخلال التظاهرات، طالب المتظاهرون بحل البرلمان وإسقاط الحكومة، كما تم حرق ومهاجمة عدد من مقار حركة "النهضة"، التي تمثل الأغلبية في البرلمان، ليضطر الرئيس التونسي إلى تفعيل المادة 80 من الدستور التونسي والتي تنص على أن "لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية".

قبول داخلي مشروط لقرارات سعيد

أكد سامي الطاهري الأمين المساعد لاتحاد الشغل التونسي، أن قرارت رئيس تونس، قيس سعيد، هي في روح دستور الجمهورية الثانية في البلاد.

وفي تصريحات لقناة "العربية"، قال الطاهري إن قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد تعبير عن المطالب الشعبية للتونسيين.

وشدد على أن الإرادة الشعبية فرضت قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد وأن اتحاد الشعل التونسي يحترمها.

وتابع: "لا نعتبر أن هناك خللا دستوريا في قرارات الرئيس".

وكان اتحاد الشغل التونسي، وهو أكبر تجمع نقابي في تونس، أصدر بياناً أكد خلاله ضرورة التمسك بالشرعية الدستورية في إجراء يتخذ في هذه المرحلة التي تمر بها البلاد لتأمين احترام الدستور واستمرار المسار الديمقراطي وإعادة الاستقرار لتونس.

وأكد، وجوب مرافقة التدابير الاستثنائية التي اتخاذها الرئيس قيس سعيّد بجملة من الضمانات الدستورية.

وأوضح أن هذه الضمانات تتمثل في "ضرورة ضبط أهداف التدابير الاستثنائية بعيدا عن التوسع والاجتهاد والمركزة المفرطة وتحديد مدة تطبيق الإجراءات الاستثنائية والإسراع بإنهائها، حتى لا تتحوّل إلى إجراء دائم والعودة في الآجال إلى السيرالعادي وإلى مؤسسات الدولة، وكذلك ضمان احترام الحقوق والحريات بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية".

قالت عبير موسى رئيسة الحزب الدستوري الحر في تونس إن الشعب التونسي عبر عن سعادته بقرارات رئيس الجمهورية قيس سعيد، لأنهم تخلصوا من الإخوان ومن زعيم حركة النهضة الإخوانية ورئيس البرلمان راشد الغنوشي وهشام المشيشي رئيس الوزراء الإخواني المقال.

وأضافت عبير موسى في مقطع فيديو نشرته عبر حسابها على "فيسبوك": "لن نسمح بالالتفاف على فرحة التونسيين ولن نخذلهم مثلما حصل بعد الثورة، ولو كنا في السلطة لقمنا بإيقاف الدمار والمنظومة الحالية، الآن يجب تحديد المسار الذي يصب في مصلحة التونسيين".

ردود الفعل الخارجية

أكد صندوق النقد الدولي، اليوم الإثنين، استعداده لمواصلة دعم تونس في التعامل مع تبعات جائحة كورونا "كوفيد 19" وتحقيق تعاف شامل غني بالوظائف.

وبحسب "رويترز"، قال متحدث باسم صندوق النقد الدولي إن الصندوق مستعد لمواصلة دعم تونس في التعامل مع تبعات جائحة كورونا "كوفيد 19" وتحقيق تعاف شامل غني بالوظائف.

وأضاف صندوق النقد الدولي أن تونس تواصل مواجهة ضغوط اقتصادية واجتماعية غير عادية.

وأكد المتحدث أن صندوق النقد الدولي يراقب عن كثب تطورات الوضع في تونس.

طالب فرحان حق، المتحدث باسم الأمم المتحدة، اليوم الأحد، جميع الأطراف في تونس بضبط النفس". وأضاف: "نطالب جميع الأطراف في تونس بضبط النفس والنأي عن العنف واللجوء إلى الحوار".

وقال إن البرلمان الأوروبي يدعو جميع الأطراف في تونس إلى إعادة النظام والعودة للحوار.

بينما  قالت الخارجية الأمريكية:"يجب أن ترتكز حلول الأزمة في تونس على دستور البلاد". وأضافت:"ندعو إلى تجنب اتخاذ أي إجراءات من شأنها أن تخنق الخطاب الديمقراطي أو تؤدي إلى العنف في تونس".

وتابعت:"نتواصل مع المسؤولين التونسيين للتشديد على ضرورة التوصل لحل دستوري لأزمات البلاد". وواصلت:"يجب أن ترتكز الحلول لأزمة تونس على الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات".

وحملت تصريحات الخارجية الأمريكية ميلاً واضحاً تجاه حركة النهضة الإخوانية، استمرارا لمحاباة الولايات المتحدة وبخاصة الحزب الديمقراطي الحاكم حالياً للإخوان.

وقالت الخارجية الفرنسية إنها تتابع الأحداث الجارية في تونس، مؤكدة على إن فرنسا  تريد أن تركز تونس على مواجهة الوضع الوبائي.

وذكرت الخارجية الفرنسية بشكل واضح " نقف إلى جانب التونسيين في مواجهة التحديات الحالية".

وتابعت الخارجية: "نريد العودة بأسرع ما يمكن للعمل الدستوري في تونس وتجنب العنف".

ولفتت الخارجية الفرنسية إلى أمر مثير حيث قالت ": نحن على علم بقرارات الرئيس التونسي ونتابع الموقف باهتمام".