الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمد النجار يكتب: صوم عاشوراء عندنا وعندهم

صدى البلد

 


أول ما فرض من الصيام:    إن يوم العاشر من شهر المحرم  هو يوم عاشوراء وهو يوم صالح من أيام الله، وهو أول ما فرض الله على المسلمين من الصيام، قال بذلك الأئمة أبو حنيفة ومالك وأحمد، وقال الإمام الشافعي وأكثر الحنابلة بل كان مستحباً استحباباً مؤكداً، رحمهم الله جميعاً، والراجح ما ذهب إليه الرأي الأول ففي الصحيحين عن الرُّبيع بنت معوذ قالت: (أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قُرى الأنصار التي حول المدينة: "من كان أصبح صائما فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه" فكنا بعد ذلك نصومه ونُصَوِّمُ صبياننا الصغار منهم ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه إياها حتى يكون عند الإفطار)، ثم نسخ فرضه بفرض صيام رمضان، وبقي صوم عاشوراء على الندب والاستحباب، ففي المسند بسند صحيح من رواية عبد الله بن عباس ، (مَا عَلِمْتُ رَسُولَ اللهِ  كَانَ يَتَحَرَّى صيام يَوْم يَبْتَغِي فَضْلَهُ عَلَى غَيْرِهِ، إِلا هَذَا الْيَوْمَ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، أَوْ شَهْرَ رَمَضَانَ). 
صيام عاشوراء عند الشيعة:    إن أهل السنة لم ينفردوا برواية الأحاديث التي تدل على فضل صيام يوم عاشوراء، إنما الشيعة في كتبهم أيضاً يروون ذلك، وإن لم يعملوا به، يقولون أن هذه الروايات إنما وردت من باب التقية وموافقة المخالف!، وبعضها يضعف المتأخرون منهم إسناده، لكن الحقيقة أن ترك العمل بهذه الأحاديث عندهم له سبب آخر. وإن هذه الأحاديث منها: ما رواه الطوسي في تهذيب الأحكام والاستبصار، والفيض الكاشاني في الوافي، والحر العاملي في وسائل الشيعة أن علياً عليه السلام قال: صوموا العاشوراء – هكذا - التاسع ، والعاشر ؛ فإنه يكفر ذنوب سنة، وفيها أيضاً عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال : " صام رسول الله صلى عليه وآله يوم عاشوراء " . وفيها كذلك عن جعفر عن أبيه عليه السلام أنه قال: " صيام يوم عاشوراء كفارة سنة"  وكذلك جاء في مستدرك الوسائل وفي جامع أحاديث الشيعة عن علي رضي الله عنه قال : " صوموا يوم عاشوراء التاسع والعاشر احتياطاً ؛ فإنه كفارة السنة التي قبله ، وإن لم يعلم به أحدكم حتى يأكل فليتم صومه " ، وفيهما أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " إذا رأيت هلال المحرم : فاعدد، فإذا أصبحت من تاسعه : فأصبِح صائماً قلت - أي : الراوي : كذلك كان يصوم محمد صلى الله عليه وآله ؟ قال : نعم"  
وقد تركوا العمل بهذه الأحاديث، مع كونها في مجموعها تدل على أن صيام عاشوراء سنة نبوية لا بدعة أموية كما يزعمون، فقد صامه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصامه علي رضي الله عنه، لكنهم تركوا ذلك تشاؤماً، لأنه اليوم الذي قتل فيه الحسين رضي الله عنه، فهو يوم حزن لا فرح، تتشاءم به الشيعة كما يتشاءمون بصوم يوم الاثنين للسبب ذاته، فهو يوم حصلت فيه جريمة مقتل الحسين رضي الله عنه أيضاً. 
سبب صيام عاشوراء:    إذا كان هذا الفضل ثابت لصيام يوم عاشوراء عند جميع المسلمين، على هذا النحو فهو سبب عظيم من أسباب تحري المسلمين له، وحرصهم على صيامه، وقد جاء في فضل صيام يوم عاشوراء، في صحيح مسلم من رواية أبي قتادة  أن رسول الله  قال: (صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ).
فنحن نصومه لسببين: الأول اتباعاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والثاني طلباً لتحصيل ثوابه الذي وعد به رسول الله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.  
أما الحزن على سيدنا الحسين الشهيد رضي الله عنه، فلا علاقة له بالصوم، لسببين، الأول: أنه ليس من عادة الناس أن تصوم في فرحها، إنما الفرح يأتي مع الفطر، ثانياً: إذا كان قد ثبت بالسند الصحيح المتصل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه صام عاشوراء حتى قبيل وفاته، فهذا يدل على إقراره بذلك الصوم وإصراره عليه، رغم علمه بأن حفيده سيقتل من بعده، وعند الشيعة روايات كثيرة في ذلك، فكيف علم بمكان وزمان مقتله رضي الله عنه ـ على حد قولهم ـ ثم هو يصر على صومه، بل ويصومه علي رضي الله عنه أيضاً من بعده، إن ذلك ليدل بلا شك على أنه لا علاقة للصوم بمقتل سيدنا الحسين رضي الله عنه، ولا لفرح ولا حزن البتة. 
فضيلة عظيمة وحرمة قديمة:   فقد قال الحافظ ابن رجب في لطائف المعارف: يوم عاشوراء له فضيلة عظيمة وحرمة قديمة، وصومه لفضله كان معروفا بين الأنبياء عليهم السلام، وقد صامه نوح وموسى عليهما السلام، وروي عن إبراهيم الهجري عن أبي عياض عن أبي هريرة عن النبي  قال: "يوم عاشوراء كانت تصومه الأنبياء؛ فصوموه أنتم" قال خرجه بقي بن مخلد في مسنده. وقد كان أهل الكتاب يصومونه، وكذلك قريش في الجاهلية كانت تصومه قال دُلهم بن صالح: قلت لعكرمة: عاشوراء ما أمره؟ قال: أذنبت قريش في الجاهلية ذنبا فتعاظم في صدورهم فسألوا ما توبتهم؟ قيل: صوم عاشوراء يوم العاشر من المحرم. وقال أيضا ابن رجب صح من حديث ابن إسحاق عن الأسود بن يزيد قال: سألت عبيد بن عمير عن صيام يوم عاشوراء: فقال المحرم شهر الله الأصم: "فيه يوم تيب فيه على آدم؛ فإن استطعت أن لا يمر بك إلا صمته" وعن سعيد عن قتادة قال: "كنا نتحدث أن اليوم الذي تيب فيه على آدم يوم عاشوراء، وهبط فيه آدم إلى الأرض يوم عاشوراء"، وإن هذه الآثار، المروية عن التابعين، لتبين لنا قدر ذلك اليوم، وأن سبب صومه على التحقيق ليس مرتبطاً بنجاة موسى عليه السلام وقومه من بطش فرعون فقط، فالأمر أكبر من ذلك، وإن حصر الفضل على مجرد ذلك قد أحدث لدى العديد من الدعاة المسلمين لبس عظيم، هيأ لشبهات تالفة لا أصل لها ولا فصل. 
صيام عاشوراء قبل الهجرة:   جاء في سنن الترمذي بسند صحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (كان عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة، صامه وأمر الناس بصيامه). وإن هذا يدل على أن صيام يوم عاشوراء لم يأخذه النبي  عن اليهود، فقد كانت العرب تصومه، وصامه  في مكة، وإنما سأل اليهود عنه حين وجدهم في المدينة يصومونه، من باب تأليف قلوبهم له وللإسلام، وتقريرهم بأن ما جاء به هو والنبيون من قبله إنما يخرج من مشكاة واحدة، ولذلك قال القاضي عياض رحمه الله: "إنه لم يحدث بقول اليهود حكم، وإنما هي صفة حال وجواب سؤال"، وقال النووي رحمه الله تعالى: "كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يصومه بمكة، فلما هاجروا وجد اليهود يصومونه فصامه بوحي أو اجتهاد لا بإخبارهم"، ثم إن النبي قبيل وفاته ، قيل له إن اليهود يعني من بقي منهم في المدينة، ليس كل اليهود، ولكن من بقي منهم في المدينة، ولعلهم كانوا يوافقون المسلمين في الصيام على أصل التقويم عندهم، فقد كان قمرياً، ثم تحول إلى قمري في الشهور شمسي في عدد السنين، فلذلك وافق صيامهم صيام المسلمين، لأنهم على الراجح عملوا بالتقويم القمري فقط  فوافق يوم صومهم اليوم الذي عينه النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصوم، وهو يوم العاشر من شهر المحرم، فلذلك صاموا ذلك اليوم، فقال : لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع، ففهم ابن حزم رحمه الله تعالى أن النبي  كان سيصوم التاسع مكان العاشر، لذلك قال: "ونستحب صوم يوم عاشوراء وهو التاسع من المحرم وإن صام العاشر بعده فحسن"، لكن أكثر العلماء على أنه العاشر وقالوا يستحب صيامهما معاً أي التاسع والعاشر، وروي عن ابن سيرين أنه كان يصوم ثلاثة أيام عند الاختلاف في هلال الشهر احتياطا، وتبعه على ذلك ابن القيم رحمهم الله جميعا. 
وأما عدم صيام اليهود لذلك اليوم الآن، فبأسباب لا تعنينا، لأننا لا نصوم عاشوراء لصومهم له، ولم يصمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لذلك، ولا قال بذلك أحد من العلماء، إنما هو فهم قاصر متعجل من بعض الدعاة، والحق أنه يوم قديم، عريق في الفضل، عرفوا له ذلك أو لم يعرفوه.