الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فصلت شريعة لأهوائها وأحلت المخدرات.. قصة «طالبان» ما بين الهاوية والمجهول

حركة طالبان
حركة طالبان

نهار خارجي.. المكان مطار العاصمة الأفغانية كابول.. قطع متبادل على شاشات التلفاز التي يحدق فيها ملايين الأفغانيين لمتابعة ما يجري على أرض المطار، حيث يصعد رئيس البلاد «أشرف غني» على متن إحدى الطائرات المدنية للهرب خارج البلاد، وتوقفت عقارب الساعة عند هذا المشهد الذي سيظل عالقا في أذهان الشعب الأفغاني، بعد فرار رئيسه عقب سقوط البلاد في قبضة ميليشيات حركة طالبان الإرهابية، عقب رفض «أمراء الحرب» مساندته، وأمراء الحرب مصطلح يطلق على من يملك سيطرة عسكرية ومدنية على جزء من أراضي الأمة.. لكن دعونا نبدأ الأحداث من بداية تتابع سقوط الولايات، وصولا إلى سقوط عواصم ولايات «باكتيكا وبكتيا وكونار» لتصل عدد العواصم المحتلة من طالبان إلى 21 عاصمة ولاية أفغانية من أصل 34 ولاية.

والسؤال الآن، ما هي طالبان تلك التي يتردد اسمها كحركة ذات سيادة وقوة عسكرية مكنتها من السيطرة على دولة بحجم أفغانستان؟.. وما هي حقيقة علاقتها بالولايات المتحدة التي أنفقت مليارات أو تريليونات ـ وفقا لبعض التقارير الرسمية ـ على حروب طالبان؟

طالبان ما بين تطبيق الشريعة والاتحاد السوفيتي

ظهرت حركة طالبان في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، شمالي باكستان، عقب انسحاب قوات الاتحاد السوفيتي السابق من أفغانستان، والتي تردد أنهم دربوا عناصر قتالية من الباشتون على الكر والفر وسط الطبيعة الجبلية للبلاد، لإستخدامهم في عمليات ضد الولايات المتحدة، قبل أن ينقلب السحر على الساحر وتبدأ العمليات النوعية ضد القوات السوفيتية نفسها.

وبرز نجم طالبان في أفغانستان في خريف عام 1994، ويعتقد على نطاق واسع أن طالبان بدأت في الظهور لأول مرة من خلال المعاهد الدينية، التي تتبنى نهجا دينيا محافظا، ووعدت وقتها الحركة، التي تواجدت في مناطق الباشتون المنتشرة في باكستان وأفغانستان، بإحلال السلام والأمن وتطبيق صارم للشريعة بمجرد وصولها للسلطة.

وفي كلا البلدين، طبقت طالبان عقوبات وفقا للشريعة مثل الإعدام العلني للقتلة ومرتكبي الزنا، كذلك قطع يد السارق، وأمرت الرجال بإطلاق لحاهم والنساء بارتداء النقاب، مع حظر شامل لمشاهدة التلفزيون والاستماع إلى الموسيقى وارتياد دور السينما، ورفضت ذهاب الفتيات من سن العاشرة إلى المدارس.
ورغم نفي باكستان علاقتها بالحركة في البداية، إلا أن عدد كبير من الأفغان الذين انضموا لصفوف الحركة تلقوا تعليما في المعاهد الدينية في باكستان، وتدريبات عسكرية على أيدي السوفيت في باكستان، إضافة إلى إعترافها بطالبان حينما وصلت للسلطة في أفغانستان من منتصف التسعينيات وحتى عام 2001، وكانت آخر دولة تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع طالبان.

ورغم اتخاذ باكستان نهجا أكثر حدة في السنوات الأخيرة ضد مسلحي طالبان الذين ينفذون هجمات على أراضيها، إلا أن الحكومة أكدت أن المفاوضات مع المسلحين تمثل واحدة من أولوياتها.

دخلت حركة طالبان في أفغانستان بؤرة اهتمام العالم عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 على مركز التجارة العالمي بالولايات المتحدة، واتُهمت الحركة بتوفير ملاذ آمن في أفغانستان لزعيم تنظيم القاعدة الراحل «أسامة بن لادن» وأعضاء التنظيم الذين اتهموا بالمسؤولية عن هذه الهجمات، وهو ما كلف التنظيم إطاحة أمريكا به من السلطة في أفغانستان عقب غزو «التحالف الدولي» بقيادة الولايات المتحدة، لكن لم يجر اعتقال زعيم الحركة الملا محمد عمر.

وبزغ نجم طالبان من جديد خلال السنوات القليلة الماضية في أفغانستان، وأصبح أكثر قوة في باكستان، ويقول مراقبون إنه لا يوجد تنسيق محكم بين الفصائل والجماعات المتشددة التابعة لطالبان.
ولا يزال يُعتقد أن طالبان في أفغانستان تدين بالولاء إلى زعيمها الراحل «الملا عمر»، رجل الدين الذي فقد إحدى عينيه أثناء قتال مع قوات الاحتلال التابعة للاتحاد السوفيتي في ثمانينيات القرن الماضي.

أمريكا حائط الصد في طموح التنظيم


سرعان ما امتد نفوذ طالبان جنوب غربي أفغانستان، بعد الإستيلاء على اقليم هرات، الذي يحد إيران في سبتمبر عام 1995، وبعد عام بالتحديد، استولوا على العاصمة الأفغانية كابول بعد الإطاحة بنظام حكم الرئيس برهان الدين رباني ووزير دفاعه أحمد شاه مسعود، لتحقيق حلم «التنظيم».

وفي عام 1998، سيطرت الحركة على نحو 90 % من أفغانستان، ووجهت إليهم تهم ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان والثقافة، وكان أبرز مثال على ذلك في عام 2001 عندما دمرت طالبان تمثالي «بوذا» في باميان وسط أفغانستان على الرغم من موجة الغضب الدولية، وفي 7 أكتوبر 2001، غزت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة أفغانستان، وبحلول الأسبوع الأول من شهر ديسمبر انهار النظام، ولاذ الملا عمر وزملاؤه بالفرار إلى مدينة كويتا الباكستانية، التي كانوا يوجهون منها حركة طالبان.

وعلى الرغم من وجود عدد ضخم من القوات الأجنبية بالبلاد، استطاعت طالبان توسيع نطاق نفوذها والعودة للظهور من جديد في مساحات شاسعة من أفغانستان، وعاد العنف بمستويات لم تشهدها منذ عام 2001، وشنت طالبان عدد كبير من الهجمات على العاصمة كابول، أبرزها في سبتمبر عام 2012، غارة كبيرة على قاعدة كامب باستيون التابعة لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وفي الشهر نفسه سلم الجيش الأمريكي السلطات الأفغانية الاشراف على سجن «باغرام» المثير للجدل الذي يضم ما يزيد على 3 الآف مقاتل من طالبان وإرهابيين مشتبه بهم.

وخلال السنوات القليلة الماضية، زاد اعتماد طالبان كذلك على تفجير عبوات ناسفة على جوانب الطرق كسبيل لمحاربة القوات الأمريكية والأفغانية.

إقتصاد المخدرات بشريعة تفصيل


أعتمدت حركة طالبان على المخدرات بشكل رسمي كمصدر ربح لدعم إقتصادها العسكري بفتاوى زعموا شرعيتها، وسيطرت بشكل واسع على إنتاج الهيروين في أفغانستان، بما يحقق لها عائدات تقدر بمليارات الدولارات، خاصة أن لديهم مصانع خاصة لتحويل نبتة الخشخاش - التي تشكل نصف إجمالي الناتج الزراعي في أفغانستان- إلى مورفين وهيروين ومن ثم تقوم بتصديره.

وفي عام 2016، صنعت أفغانستان التي تنتج 80 % من أفيون العالم نحو 4800 طن من المخدر، محققة بذلك عوائد تقدر بثلاثة مليارات دولار ـ بحسب الأمم المتحدة ـ حيث تشكل نبتة الخشخاش زهيدة الثمن وسهلة الزراعة، نصف إجمالي الناتج الزراعي في أفغانستان، وتتركز في ولاية هلمند الجنوبية.

أمريكا تمنح طالبان قبلة الحياة


في مطلع القرن الحالي، وتحديدا في أكتوبر 2001 شنت أمريكا وبلدان أخرى حربا على أفغانستان، وبعدها بشهر واحد سقطت كابول في يد التحالف، ولم ينته الشهر حتى سيطر التحالف على مدن أفغانستان، ووقع الكثير من عناصر الحركة في الأسر، وبدأت سلسلة من العمليات الإنتحارية التي يجيدها أعضاء الحركة، إلا أن أمريكا منحت الحركة قبلة الحياة في يناير 2015، عندما رفض البيت الأبيض تصنيف طالبان تنظيما «إرهابيا»، وفي نفس الشهر عام 2019 توصلت طالبان والولايات المتحدة إلى مسودة اتفاق بعد انتهاء الجولة الرابعة من محادثات السلام بالدوحة، تضمن انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، وعدم استخدام تنظيمات إرهابية للبلاد كقاعدة.

وفي 14 أبريل من العام الحالي 2021، أعلن الرئيس الأمريكي «جو بايدن» انسحاب قواته من أفغانستان في الأول من مايو، على أن ينتهي في 11 سبتمبر، لينهي بذلك أطول حرب أمريكية بالتاريخ، وبالفعل بدأت الولايات المتحدة وحلف الناتو سحب 9500 جندي بينهم 2500 أمريكي كانوا ما زالوا موجودين بأفغانستان، واندلعت معارك عنيفة بين طالبان والقوات الحكومية في منطقة هلمند الجنوبية، في حين سيطرت الحركة على مقاطعة بوركا بولاية بغلان في الشمال، قبل أن تبدأ قوات طالبان في التوسع وإستعادة السيطرة على الولايات الأفغانية واحدة تلو الأخرى.

تضارب أرقام الإنفاق الأمريكي على التورتة الأفغانية

بقيت تكلفة الحرب في أفغانستان سؤالا بلا إجابة رسمية واضحة في الولايات المتحدة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتكلفة المادية، وتنقسم تكلفة الحرب إلى شق يتعلق بالخسائر البشرية، وآخر يرتبط بالتكلفة المادية.

ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا، كشفت خلاله عن تكلفة الحرب في أفغانستان، التي وصلت إلى تريليوني دولار، في حين أشارت تقارير حكومية وغير حكومية، إلى أن التكلفة المادية للحرب لم تتخطَّ حاجز التريليون دولار، وينبع التناقض لاختلاف طرق الحساب، وتضمين بعض العناصر وتجاهل أخرى، فيما أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" أن عدد الجنود الأمريكيين الذين شاركوا في حرب أفغانستان على مدار الـ20 عاما الماضية بلغ 600 ألف جندي على فترات مختلفة، ولا يوجد منهم في أفغانستان حاليا إلا عدة آلاف يحمون سفارة بلادهم في كابول، وينقلون الدبلوماسيين والمتعاقدين الأمريكيين لخارج أفغانستان.