الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكاية السهرة.. لماذا أشعلت "يا ناسيني" نار الغيرة في قلب كوكب الشرق؟

صدى البلد

ولدت ليولد معها عصر كامل من الغناء، وتشدو معها الدنيا على أنغام رائعتها أقبل الليل، وأسعدت أم كلثوم جمهورها وأبكتهم فى آن واحد، ولكن وسط كل هذا النجاح، هناك أغنية تمنت أم كلثوم أن تغنيها، وغضبت من موسيقارها الشهير رياض السنباطي حين أهداها لغيرها؟.

الهرم الرابع تنهي موسم غنائي رائع

فى عام 1954، كانت أم كلثوم تتربع على قمة هرم الغناء فى مصر والشرق، بل هى "الهرم الرابع" نفسه، كما درج الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على تسميتها بذلك، وكانت قد أتمت موسمها الغنائى بنجاح، حيث وقفت على مسرح حديقة الأزبكية لتشدو بأغنيات مثل يا ظالمنى، وسهران لوحدى، وذكريات، وجددت حبك ليه، ولكن الأغنيتين الأخيرتين تحديدا تسببتا فى خلاف فنى بين أم كلثوم وملحنها الأول رياض السنباطي، على خلفية تدخل أم كلثوم فى تغيير بعض الجمل اللحنية، وهذا ما كان يرفضه السنباطي بمنطق الكبرياء الموسيقى.

غيوم في سماء كوكب الشرق

السنباطي وأم كلثوم

سرعان ما تلبدت سُحب الخلاف إلى غيوم فى سماء كوكب الشرق، فما عساها أن تصنع وقد وقعت الخصومة الفنية مع السنباطى، وباتت آنذاك بلا ملحن، فالشيخ زكريا أحمد وصلت القطيعة معه إلى ساحات المحاكم بسبب الخلاف حول الحقوق المالية فى أغنيات الحفلات منذ أواخر الأربعينيات، أما محمد القصبجى فقد قنع أخيرا بأن يحجز مقعده عازفا للعود خلف الست، طاويا صفحة التعاون الفنى معها منذ عام 1944 حين شدت له رائعة رق الحبيب، وها هو السنباطي يعلنها صريحة "هجرتك"، ولم يكن أمام أم كلثوم سوى أن تتغنى بما لديها من أرشيفها الذهبى، أما السنباطي فكان عليه أن يتعاون مع مطربات أخريات يأتين فى المرتبة السابعة بعد أم كلثوم؛ لأنه كان يرى أن مراتب الأصوات يجب أن تظل شاغرة لسبع طبقات بعد أم كلثوم.

السنباطي يعثر على ضالته في شهرزاد

شهرزاد

أخيرا عثر السنباطي على ضالته فى صوت المطربة شهرزاد، بما يتمتع من قوة ورخامة بطبقات عريضة قادرة على آداء المقامات والتنقل بينها بسهولة، لقد تبناها منذ أن التمست طريقها نحو الإذاعة بأغنية "أول ما جيت فى الميعاد"، ثم أغنية "حكاية المنديل"، وأراد السنباطي أن يدفع أم كلثوم دفعا للمصالحة، من خلال إشعال نار "الغيرة الفنية"، فكانت أغنية "يا ناسيني" لشهرزاد، حيث كتب الشاعر الغنائي مأمون الشناوي كلمات هذه الأغنية لتغنيها أم كلثوم، لكن القطيعة جعلتها حبيسة أدراج السنباطي، حتى قرر منحها أخيرا لشهرزاد.
بدورها لم تكن شهرزاد تطمع إلى ذلك مطلقا، فصوتها أشبه بزهرية الورد التى ترضى بألحان السنباطي المتناسقة، ولم تكن تستوعب أنها ستغنى أغنية كانت ستغنيها أم كلثوم، بل إنها كانت تستخسرها فى نفسها، وتود لو غنتها أم كلثوم، وهذا ما قالته للموسيقار عمار الشريعي حين استضافها فى برنامجه الشهير "غواص فى بحر النغم".

ومضى السنباطي قدما فى خطته، وإمعانا فى نجاحها، وضع لها مقدمة غنائية بلغت أكثر من 5 دقائق، وهذا ما لم يفعله لأم كلثوم من قبل، والأدهى أنه كان يجلس مع الفرقة الموسيقية لتسجيل الأغنية، ويقود الفرقة بنفسه، وكثيرا ما كانت الفرقة تطلب الراحة لقوة اللحن، وتعدد مقاماته، ولم يقف رياض عند هذا الحد، بل عزف صولوهات العود بنفسه، وهذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها بذلك، وسط دهشة شهرزاد والفرقة.

بروفات السنباطي

إذاعة “يا ناسيني” في موعد حفل أم كلثوم

اكتملت رائعة "يا ناسيني" بلحن وعزف سنباطى الطراز، يمتزج بقوة الكبرياء ومرارة الخصام مع أم كلثوم، وليعلن عن ميلاد مطربة أخرى من العيار الثقيل هى شهرزاد، التى تنتظر انطلاق ليلتها الأولى بأغنية لولا الخصام.
على الجانب الآخر، أم كلثوم ليست فى أفضل حالاتها، لا شك أنها تفكر الآن ماذا بعد الخصام مع الملحنين، لقد اعتذرت عن موعد حفلتها الشهرية بميعادها الثابت فى الخميس الأول من كل شهر، وليس أمام الإذاعة سوى بث بعض من أغنياتها القديمة المسجلة على الجماهير التى تنتظرها من المحيط إلى الخليج، وبينما كانت أم كلثوم تستمع إلى حفلاتها مثل الجماهير، حدث أمر غريب أدهشها وأدهش المستمعين عبر الأثير، لقد تم إذاعة أغنية يا ناسيني لشهرزاد بين أغانى أم كلثوم، حتى إن البعض توهموا لقوة صوت شهرزاد ومسحته الكلثومية أنها أغنية جديدة لأم كلثوم.

 

هل تصمت سيدة الغناء أمام تحدي السنباطي؟

السنباطي مع كوكب الشرق

استمعت أم كلثوم إلى الأغنية حتى النهاية، ميزت عود السنباطي ولمساته، هزتها المقدمة الموسيقية الطويلة فأشعلت غيرتها على أغنيتها القديمة، ولم تستطع الصمت على هذا التحدى من السنباطي، ونسيت القطيعة أو تناستها، وأمسكت بالتليفون وهاتفت السنباطي، استفسرت عن تلك العظمة اللحنية، وعن مشاركتها الموسيقية التى لم يفعلها مع الست منذ أن غنت له أول ألحانه "على بلد المحبوب" عام 1937، لم يكن رد السنباطي سوى أن قال إن هذا اللحن من حظ شهرزاد، وانتهى الاتصال العاصف بالمعاتبة بين سيدة الغناء وإمبراطور القصائد.

 

موسيقار الأجيال يدخل على خط الخلاف

لم يهدأ الأمر حتى تم إشراك الموسيقار محمد عبد الوهاب على الخط الساخن بين أم كلثوم والسنباطي، وعلى الرغم من أن السنباطي لم يكن حتى ذاك الوقت قد تعاون فنيا مع أم كلثوم، لكنه بحس الموسيقى الفذ كان يدرك أن الغناء العربي سيفقد الكثير جراء تلك الخصومة؛ لذا فحينما تحدث معه السنباطي واشتكى له من قوة عتاب أم كلثوم من لحن يا ناسينى، قال له: "بعد ذلك اللحن من حق أم كلثوم أن تضربك، وليس أن تشكو منك".

إحدى حفلات شهرزاد 

وقد عجلت هذه الأغنية بما حملته من عتاب حار، وغيرة فنية بإتمام الصلح بين أم كلثوم والسنباطي، وحينما التقت أم كلثوم بشهرزاد فى زفاف نجل عازف القانون الشهير محمد عبده صالح، طلبت منها أن تستمع إلى أغنية يا ناسيني وسط إحجام وخوف شهرزاد، فكيف لها أن تغنى أمام أم كلثوم؟، وتم الصلح بين أم كلثوم والسنباطي، ليواصلا الإبداع سويًا.
 

أم كلثوم وشهرزاد