الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تكريس الإفلات من العقاب.. لماذا يستميت حزب الله ونخبة لبنان في عرقلة تحقيق مرفأ بيروت

انفجار مرفأ بيروت
انفجار مرفأ بيروت

بعد أكثر قليلًا من شهر على تشكيل الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي، باتت الحكومة معرضة بالفعل لخطر الانهيار. ففي الوقت الذي كان عليها فيه أن تركز على إطلاق الإصلاحات من أجل إخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، يجد مجلس الوزراء نفسه في حالة شلل بسبب التوترات السياسية حول ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت والذي وقع في 4 أغسطس 2020.

وعلى الرغم من خلافاتها حول مواضيع عدة، تتّفق قوى سياسية رئيسية في لبنان على عرقلة التحقيق القضائي في قضية انفجار بيروت المروّع الذي من شأنه أن يعّرضها للمساءلة.

ولا تتردّد بعض هذه القوى في الإقدام على خطوات سياسية وقضائية وحتى استخدام الشارع، لوقف المسار القضائي الحالي الذي يقوده المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، رغم المخاطر التي ينطوي عليها تحريك الشارع على السلم الأهلي، حسبما ذكرت إذاعة مونت كارلو الدولية.

التحقيق محلك سر

ومنذ انفجار المرفأ الذي أودى في 4 أغسطس بحياة 214 شخصاً على الأقل وتسبب بإصابة أكثر من 6500 آخرين ودمار أحياء واسعة من العاصمة، لم يحرز التحقيق المحلي أي تقدّم، بعد أن رفضت السلطات تحقيقاً دولياً.

وعزت السلطات الانفجار عند وقوعه الى تخزين كميات هائلة من نيترات الأمونيوم بلا إجراءات وقاية، وتبين لاحقاً أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر هذا التخزين ولم يتحركوا.

وخلال الأشهر الماضية، اصطدمت محاولات المحقق العدلي طارق بيطار وسلفه فادي صوان لاستجواب مسؤولين سياسيين وأمنيين، بتدخلات سياسية ودعاوى قضائية علقت التحقيق مرتين، ورفض المدعى عليهم المثول أمامه، قبل أن يدعو حزب الله، الرافض الأساسي لعمل بيطار، وحليفته حركة أمل، إلى تظاهرة للمطالبة بتنحي بيطار تطورت الى أعمال شغب وإطلاق نار أوقع سبعة قتلى.

وتقول مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز "تشاتام هاوس" لينا الخطيب لوكالة فرانس برس "تتفق الطبقة الحاكمة في لبنان على الرغبة بالتخلي عن تحقيق المرفأ وستستخدم الوسائل المتاحة كافة لعرقلة مساره".

وإن كانت قوى سياسية رئيسية بينها تجمّع رؤساء الحكومات السابقين تنتقد أيضا عمل بيطار، إلا أن حزب الله، القوة العسكرية والسياسية الأبرز في البلاد، يقود الحملة ضده، متهماً إياه بـ"تسييس" التحقيق و"الاستنسابية" في الادعاء على مسؤولين، مطالباً بقاض "صادق وشفاف" لاستكمال التحقيق.

ومنذ ادعائه على رئيس الحكومة السابق حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين من حلفاء حزب الله، إضافة الى أمنيين، يواجه بيطار ضغوطاً سياسية متزايدة يخشى مراقبون أن تؤدي الى عزله على غرار سلفه فادي صوان الذي نُحي في فبراير بعد ادعائه على مسؤولين سياسيين.

وتندد منظمات حقوقية وذوو الضحايا بالتدخلات السياسية التي تعرقل التحقيق وبتخلّف مسؤولين عن حضور جلسات استجوابهم، مبدين خشيتهم من أن يكّرّس هذا السلوك مبدأ "الإفلات من العقاب" السائد في لبنان.

ويشرح المدير التنفيذي للمبادرة العربية للإصلاح نديم حوري "قررت شريحة من المجتمع أنها تريد المضي قدمًا وطلب الحقيقة"، لكنها تواجه "طبقة سياسية مستعدة لاستخدام التهديدات والعنف وحتى إطلاق حرب أهلية أخرى، للحؤول دون أن يؤدي هذا السعي من أجل الحقيقة الى نتيجة".

سيادة القانون

وتشعر الطبقة السياسية، وفق حوري، بأنها مهددة في ما يصفه بـ"معركة أساسية في لبنان من أجل سيادة القانون". وشكّل إصدار بيطار مذكرة توقيف غيابية بحق وزير المال السابق علي حسن خليل، عضو حركة أمل التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري، بعد تخلفه عن حضور جلسة استجواب، شرارة أثارت غضب الحركة وحزب الله. وأتت مذكرة التوقيف بعد رفض محكمة التمييز كف يد بيطار عن التحقيق.

ولم تثمر ضغوط حزب الله وحلفائه في دفع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الأسبوع الماضي إلى تبني مطلب تنحية بيطار، الأمر الذي أطاح بجلسة للحكومة ويهدد بعرقلة عملها بعد شهر من تشكيلها في خضم انهيار اقتصادي غير مسبوق. فانتقل التوتر الى الشارع.

وشهدت منطقة الطيونة التي تعد من خطوط التماس القديمة خلال الحرب الأهلية (1975-1990)، والتي يقع قربها مكتب بيطار في قصر العدل، تظاهرة احتجاجية الخميس دعا إليها حزب الله وحركة أمل. وأفادت تقارير أمنية وشهود أن متظاهرين استغلوا التحرك لدخول شوارع في المنطقة والقيام بأعمال تحطيم واجهات محال تجارية وسيارات.

وكانت الغالبية العظمى من المشاركين في التظاهرة من الرجال والشبان الذين ارتدى عدد كبير منهم قمصانا سوداء، ووضعوا شارات عليها لحزب الله وحركة أمل. وحصل إطلاق نار كثيف خلال التظاهرة لم يحدد التحقيق بعد أطرافه، لكن الصور والتقارير الإعلامية التي نشرت أظهرت مشاركة عناصر من حزب الله وأمل في إطلاق النار، وانطلاق رصاص من أبنية في منطقة عين الرمانة القريبة المحسوبة في جزء كبير منها على حزب القوات اللبنانية المسيحي. وأودت الاشتباكات بحياة سبعة أشخاص محسوبين على الحزبين الشيعيين.

واتهم حزب الله "قناصة" تابعين لحزب القوات اللبنانية بإطلاق الرصاص، الأمر الذي نفته القوات، مؤكدة أن الاشتباكات اندلعت إثر مرور متظاهرين في حي ذات غالبية مسيحية وقيامهم بتكسير سيارات والاعتداء على ممتلكات خاصة.  كما تمّ التداول على مواقع التواصل الاجتماعي بمقطع فيديو يظهر إطلاق جندي الرصاص على أحد المحتجين.

وفي أول تعليق له على أحداث الخميس، أعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الإثنين أن لدى حزبه مئة ألف مقاتل مدربين ومجهزين في لبنان، موضحاً أنه يذكر هذا الرقم للمرة الأولى "لأمنع الحرب لا لأهدد بحرب أهلية". وأعاد مشهد الخميس إلى أذهان اللبنانيين صور الحرب الأهلية الطائفية التي انتهت باتفاق سياسي وقانون عفو عام، من دون حصول مصالحة حقيقية وتنقية لذاكرة الحرب.

ثمن باهظ للغاية

وتخشى الطبقة السياسية، وفق حوري، من أن يشكل تقدّم التحقيق حول انفجار المرفأ "سابقة" بعد نظام سياسي كرّس "الإفلات من العقاب منذ نهاية الحرب الأهلية". ويرى أن أركانها "بغض النظر عما سيتوصل إليه بيطار، يقاومون احتمال أن يخضع أي منهم للمساءلة". ويعرب حوري عن اعتقاده بأن حزب الله، من خلال قيادته الحملة ضد بيطار، "يتصرّف كما لو أنه الحرس الإمبراطوري للنظام القائم منذ التسعينات".

وتقول الخطيب إن مكونات الطبقة السياسية "قد تتباين في السياسة لكنها تتحد في الاستفادة من النظام.. ومن هنا معارضتها أي خطوات لإصلاحه أو لتكريس المساءلة داخله". وغداة المواجهات في بيروت، أعلن المتحدّث باسم عائلات ضحايا الانفجار إبراهيم حطيط المقيم في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، تخليه عن مهامه، داعياً بيطار الى التنحي. ورجح كثيرون تعرضه لضغوط.

وفضّل لبنانيون كثر شاركوا في التحرّكات الشعبية ضد الطبقة السياسية منذ انطلاقها في 17 أكتوبر 2019 ملازمة منازلهم الأحد في الذكرى الثانية لهذه الاحتجاجات، خشية حصول صدامات. وتعرب الخطيب عن اعتقادها بأن "الطبقة الحاكمة تريد دفع اللبنانيين الى الاستنتاج بأن ثمن المساءلة باهظ للغاية".