الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ذكرى وفاة إيفان بونين.. الشاعر الروسي الذي فضل الكتابة عن العزلة|نوستالجيا

صدى البلد

تحل اليوم ذكرى وفاة الشاعر والأديب الروسي إيفان بونين، الذي حصل على جائزة نوبل في الآداب سنة 1933 لقاء روايته "حياة ارسينييف" بجانب أعماله الأخرى، ويعد بونين هو أول كاتب روسي يحصل على جائزة نوبل في الآداب.


وفي سنة 1934 كتب الشاعر المصري محمد أمين حسونة مقالا عن بونين في مجلة الرسالة، وذلك بعد حصوله على جائزة نوبل في الآداب وقال فيها: "لم يكن بونين بالكاتب المغمور الذي ذاع صيته بعد نبأ حصوله على جازة نوبل بل هو من أقدم الأدباء الروس المعاصريين وهو يمثل تلك العبقرية المثالية التي نعرفها في تولستوي وديستوفيسكي.


وتجلت هذه العبقرية في سمو تفكيره وفي نزعته العاتية بالحياة، وإذا كان مكسيم جوركى يتزعم اليوم الحركة الأدبية داخل روسيا، فإن إيفان بونين بتزعمها في خارجها، وتدل على ذلك مؤلفاته القصصية التي نقلت إلى معظم اللغات الحية، ومركزه الأدبي الممتاز الذي يحسده عليه حتى مواطنوه. 


مثل أعلى


ويعد بونين ضمن طليعة كتاب القصة في العالم، ويقوم فنه ـ كما يصفه جيروم تاردو ـ على الابتكار والافتنان في الصور التي بمخيلتنا، وبالأصوات والكلمات التي تطرق آذاننا، والإشادة بتلك العاطفة أو التي يبررها السرور المنبعث من القلب، وحيث لا تتجاوز أهمية الخير والشر غيرهما مما يحدث في الحياة وقد جاء بونين بفكرة كانت تعد غريبة من قبل، وهي أن الفنان يجب أن يكون إلها، لا تحاسبه إلا نفسه، فحياة الفن تتجاذبها عوامل شتى، يتحارب فيها الجميل والدميم، وليس للفنان الا أن يسمو بفنه فوق هذه العوامل دون أن ينقاد إلى إحدى الطريقتين، وعليه أن يجعل حياته سعيدة طافية.


 وتكاد هذه الفكرة التي يدين بها بونين، تبرز من خلال فنه الرائع الذي يبدو قويا في أشكال واضحة بديعة، كما أنها خلاصة أفكاره التي يطالعنا بها في مولفاته الخالدة، وقد كتب الجزء الأكبر من هذه المؤلفات بعيدا عن بلاده، وهي تحمل إلى جانب عاطفته وحبه لوطنه، طابع الإنسانية وتحقيق المثل الأعلى، وفى هذا دلالة واضحة على الحيوية الكامنة في ذهنه.


وقد اعترفت بهذا الأكاديمية السويدية وقدرت هذه العبقرية الحية فذهبت تجوس خلال العالم وتفتش في قرية صغيرة فى جنوب فرنسا لتخرج منها إلى الناس الفنان الذي عرف كيف يواجه ويصمد زمنا في وجه العاصفة.


حياة العزلة
 

ظهرت أول أعمال بونين الأدبية في روسيا، عام 1901 - وهي عبارة عن مجموعة أشعار نال عنها جائزة بوشكين الأدبية - وانتخب بعد ذلك بأربعة أعوام عضوا، بالأكاديمية الروسية، حيث جلس مكان تولستوى وجورکی ودستويفسكي وغيرهم من أعلام الأدب الروسي. وهو يجيد الإنجليزية إجادة تامة، وقد تعلق بدراسة الأدب الانجليزى منذ حداثته، وترجم إلى الروسية أشعار كبلنج وتينسون وغيرهما من الشعراء الانجليز وقد فر على أثر قيام الثورة البلشفية وتسجيل اسمه في القائمة السوداء إلى فرنسا حيث يقيم منذ ذلك الوقت في قرية، جراس، التي يخلص لها الحب برغم انتفاء المشابهة بينها وبين مسقط رأسه كما يقول! ولإيفان بونين مسحة ارستقراطية في كتابته، ويستوى في أسلوبه الغموض والابهام أحيانا، ويتسم أدبه بدقة الملاحظة واستقصاء الفكرة، وانسجام الخيال، والنواء التعبير، وإسهاب الوصف مما قد يضجر القاريء. ويدفعه إلى الملل والتبرم، وإلى جانب هذا؛ واقعي، كثير التهكم خاصة عندما يتعرض لوصف وغباء الفلاحين. من أبناء وطنه كما في روايته، القرية، وأكثر ما نلاحظه في فنه؛ هو ترديده ذكر الموت، ووصف الموت وحياة العزلة وروح التصوف التي يطالعنا بها بين سطور رواياته. 


حب مقدس
 

وإيفان بونين أقرب إلى بوشكين في آدابه منه إلى تولستوى أو ديستويفسكي، ولذا يترسم خطى بوشكين ويعده أستاذه ونراه يعترف بهذا فيضع مثاله الهاديء المفكر على عتبة روايته الجميلة وسر الحب المقدس، وقد أشار إلى هذا الناقد الفرنسي جيروم تاردو في خطابه عن، علاقة الأدب الروسي بالأدب الفرنسي المعاصر، وذلك في الحفلة التي أقامتها اخيرا الجالية الروسية في باريس لتكريم إيفان بونين بمناسبة فوزه بجائزة نوبل فقال: "منذ أن أصدر مليتور دى فوجويه كتابه عن الفن الروائي الروسي، تجلت أمام أعيننا ـ نحن الفرنسيين ـ آدابكم الخالدة، وكنا قبل ذلك في حالة جهل ساذج لا نعرف ماذا يكتبون وكيف يفكرون في بلادكم، لانعلم بوجود تلك العبقرية النادرة التي يمثلها في بطرسبرج وفي موسكو كتاب ومؤلفون ألموا بمختلف نواحي الأدب، وكان من جراء هذا الحدث التاريخي أن تطور الادب الفرنسي وانتحى ناحية جديدة، فهل هناك روائي فرنسي يستطيع أن يؤكد لنا أنه لم يتأثر بهؤلاء العباقرة في دائرة قوته وذوقه الأدبى، لقد جاءنا تولستوى بأشياء كانت مجهولة عند أمثال موباسان وفلوبير وستندال، وهي أنه من المستطاع تشييد عمل فني حول مشكلة أخلاقية، وعلمنا دستويفسكي أن في الإنسان شيئاً آخر غير الشعور العام الذي أوضحه الأدب الفرنسي في القرن السابع عشر، بل إنه يوجد في كل فرد منا عالم خاص من الشعور الغامض المظلم وقد دفعنا دستويفسكي إلى أن نستكشفه ونتبينه، أما دروس تور جنيف فلم تكن ثمينة إلى هذا الحد، لأنه كما يظهر تتلمذ على الأدب الفرنسي ولكن فنه الرائع كشف لنا عن عقليتكم وشعوركم وطبيعتكم، وإلى جانب هذه الأسماء العظيمة، يجب أن أضيف اسما آخر، فليس کتاب دی فوجويه وحده هو واسطة التعارف التي بيننا وبين هؤلاء الكتاب، فهناك بريميه الذي يحدثنا عن بوشكين ذلك الفنان الملهم والشاعر الروسي المحبوب، الذي اتضح لى بعد قراءته أن هناك صلة وثيقة بين فنه وأدب إيفان بونين: ذلك الفن الذي يذكرنا ـ نحن الذين تسممنا بافكار علماء النفس و علماء الوعظ ـ بأنه لا حاجة بنا مطلقا إلى خلط الخير بالشر.

كتب بونين نحو عشر روايات كلها تفيض بالنزعة الإنسانية وتحقيق المثل الأعلى، منها: كأس الحياة، والليل ورجل من سان فرنسسكو، وسر الحب المقدس، ثم «القرية» التي يقول عنها مكسيم جوركي أنها «خير ما كتبه الروائيون عن الفلاح الروسي، والتي أنصف فيها بونين هـذا الفلاح – الذي لم تغيره النظم الحالية ـ خير إنصاف، لأنه إذا كانت القيصرية قد ظلمته، فإن البلشفية غطت حقه وازدرته في الوقت الذي شادت فيـه ورفعت من شأن العامل هناك. وقد أخرجت المطابع في الفترة الاخيرة، رواية يونين الخالدة حياة أرسنيف، ومن المؤكد أنه نال بها وحدها، جائزة نوبل، فقد وصفها أحد النقاد بأنها عبارة عن حياة بونين نفسه، ولكن بونين يدفع هذا ويقول: إن «حياة أرسنيف » تشبه إلى حد ما تاريخ حياتي، ولكنها في نظري أقرب إلى الرواية الحقيقية.