الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هكذا قالوا !

د. محمد مبروك
د. محمد مبروك

عندما قام المحققون باستجواب مَنْ حاول قتل الأديب العالمي نجيب محفوظ لمعرفة أسباب تلك المحاولة، كانت المفاجأة أنه لم يقرأ حرفًا له ولا حتى يعرف اسم رواية من رواياته، لأنه لا يعرف القراءة بالأساس، بل إنه كان ينطق اسم نجيب محفوظ بشكلٍ خاطئ!

نفس الأمر، يحدث مع العديد من المواقف في حياتنا اليومية وبشكل متكرر، بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي ساعدت على ترويج الكثير من الأكاذيب عن الأشخاص والأحداث بسوء نية أو عن جهل، بالإضافة إلى الكثير من المعلومات المغلوطة عن بعض الأمور الدينية أو التاريخية في صورة رسائل يتم تمريرها دون تدقيق المعلومات أو مراجعتها. فيزخر تطبيق (واتس آب) بكم هائل من تلك الرسائل المعاد تدويرها بين المجموعات والأشخاص التي تنطوي على مغالطات خطيرة من شأنها أن تخلق حالة من الزيف حول إحدى القضايا أو أحد الأشخاص، وتختلف الرسائل بين الدينية أو الاقتصادية أو السياسية، كما أن الضحايا من الأشخاص غالبًا ما يكونون من أصحاب الفكر أو السياسيين وغيرهم.

ورغم سوء النوايا المبيتة أو الجهل في إعداد مثل هذه الرسائل ونشرها بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إلا أن الخطأ الأكبر يقع على أولئك الذين يعيدون إرسالها للآخرين دون قراءتها بتمعن أو محاولة تدقيق ما بها من معلومات مضللة، فإذا كانت القاعدة الثابتة تقول إن "ناقل الكُفر ليس بكافر"، فالأمر هنا يختلف جملةً وتفصيلًا، فالأول ينقل ما قيل مع علمه بالمخالفة التي فيه بغرض الشهادة أو للدراسة وما إلى ذلك، أما هؤلاء الذين يتم استغلالهم في نشر تلك الأكاذيب هم بلا شك، شركاء في الجريمة ومسؤولون عن نشرها، شأنهم شأن من قام بتزييف الحقائق عن قصد أو عن جهل.

وهنا نتساءل: لماذا لا يحاول البعض الاعتماد على أنفسهم في الوصول إلى حقيقة ما يصلهم أو يشغلهم من معلومات، لا سيّما أن الأمر الآن أصبح أكثر سهولة ويُسرا عن ذي قبل، وبمحاولة بحث صغيرة على أيٍ من محركات البحث المتاحة للجميع، يمكن الوصول لأصل الأمر وكل ما يتعلق به، وهنا يحضرني موقف قد حدث معي منذ فترة، حين قام أحد الأشخاص في إحدى المجموعات التي تم ضمي إليها بإرسال فيديو للسيدة "إيفانكا ترامب" ابنة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" وهي تتحدث بشكل طبيعي في أحد خطاباتها في مناسبة ما، وقد فتحت الفيديو وانشغلت في شيء آخر وتركت التليفون وأنا أستمع لما تقوله إيفانكا بالإنجليزية، حيث كانت تتحدث بشكل طبيعي عن أمور جيدة ليس من بينها ما يسترعي الانتباه حتى انتهى الفيديو، وبعد أن عُدت للتليفون، وجدت الكثير من التعليقات الغريبة وغير المناسبة أبدًا لفحوى ما ذكرته إيفانكا في الفيديو، مما دعاني لمشاهدة الفيديو مرة أخرى، وإذا بي أشاهد ترجمة باللغة العربية على الفيديو مغايرة تمامًا لما تقوله إيفانكا، ويتفاعل الناس مع ما قرأوه من ترجمة دون محاولة سماع صوت السيدة التي تتحدث أو التحقق مما هو مكتوب!

ينساق الكثير من الناس وراء العديد من تلك المنشورات المسمومة دون وعي بدعوى "هكذا قالوا"، في حين أن الأمر غاية في البساطة، لا  تصدق كل ما يصلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي من رسائل مُعاد تدويرها، ودعها تقف عندك، ولا تشارك في إعادة نشرها، فقط اعتمد على عقلك وفهمك ولا تكن "إمعة"، إذا أحسن الناس، أحسنت، وإن أساءوا، أسأت.