قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

في ذكرى رحيل إحسان عبد القدوس.. وُلِد لأبوين من أهل المسرح ولم يجرؤ على خوض تجربة الكتابه فيه|نوستالجيا

إحسان عبد القدوس
إحسان عبد القدوس

في كتابها «١٣ رجلًا وصحفية» للكاتبة زينب عفيفي، يقول لها إحسان عبد القدوس: «أنا وُلدت وعشت في جو المسرح، لأن أبي وأمي كانا من أهل المسرح وكان أبي الأستاذ محمد عبد القدوس يكتب المسرحيات وله مسرحية بعنوان «إحسان بك» أي على اسمي وقد عُرضت أو تعمد عرضها في عيد ميلادي، وقامت ببطولتها المرحومة عزيزة أمير».

هكذا تحدث إحسان عبد القدوس عن نفسه وعن البيئة التي عاش فيها، لكنه تطرق لأمر ربما لم ينتبه إليه الكثيرون، فعلى الرغم من نشأته داخل عائلة آمنت في المقام الأول بالفن والكتابة باعتبارهما وسيلة لتغيير المجتمع، وبالرغم من اعتزازه بأن والداه كانا من أهل المسرح وأنه ينتمي إلى هذا البيت المسرحي، إلا أنه لم ينتمي أبدًا إلى ما انتمى إليه والداه، فهو لم يترك لنا أي مسرحية مكتوبة بخط يده أو شيء من هذا القبيل.

ربما كان لهذا الأمر أسباب قد يكون أسرّها في نفسه، لكن بالنظر إلى حياته سنجد أنه خرج من عباءة والدته في الكثير من المرات، لكن لقب «ابن الست» ظل يطارده لسنوات طويلة، وقد أوضح أنه لم يرفض أبدًا هذا اللقب بسبب حبه الشديد لوالدته، مؤكدًا: «نعم أنا ابنها وتلميذها، أخذت منها البدايات الجيدة، ولكني بعد ذلك قدمت إضافات لا يستطيع أحد إنكارها»، ربما أجاب إحسان عبد القدوس عن هذا السؤال تحديدًا من خلال هذه العبارة، فهو قد استفاد من والدته طوال حياته، وانتمى للصحافة كما كانت تريد هي، لكنه تفرد في الرواية والقصة، ومن خلالهما استطاع أن يخلع عباءة والدته في النهاية بالرغم من اعتزازه بكونه «ابن الست».

ابن الست

عندما سألتُ ابنه محمد عبد القدوس عن الأمر ذكر لي أن والده إحسان عبد القدوس لم تتح له فرصة دراسة المسرح رغم أنه عاش طفولته داخل هذا البيت المسرحي، كما أن والدته فاطمة يوسف – أيضًا – تركت المسرح بعد ذلك واتجهت للصحافة منذ كان إحسان في عمر الخامسة، يقول محمد: «كانت والدته تعده لكي يصبح صحفيًا وأرادته أن يتفرغ للصحافة، لذا طغا عليه أسلوب الصحافة الذي تماس مع فن القصة والرواية، فوجد نفسه يبدع في هذا الفن ويحبه إلى جانب حبه لمهنة للصحافة، وعندما تأكدت فاطمة يوسف من نجاحه في الصحافة تركت له المجال كي يتخصص في الرواية كما يشاء، لكنه لم يترك لنا أي مسودة مسرح، ربما كانت له بعض المحاولات لكتابة مسرحيات في طفولته لكنه لم يترك لنا أي شيء في النهاية».

جو المسرح

بالرغم من أن ابنه محمد عبد القدوس قد رجح أن السبب في ذلك قد يكون أن إحسان لم يدرس المسرح، أو صغر سنه عندما تركت والدته المسرح، وبالتالي هذه الفترة كان من الصعب أن تؤثر في توجهاته، إلا أنني توقفتُ مرة أخرى أمام الجملة التي ذكرها إحسان «أنا ولدت وعشت في جو المسرح»، فهو ظل يتذكر أن طفولته تأثرت كثيرًا بالمسرح، بل إنه عاش في هذا الجو الذي خلقاه والداه، والذي ربما استمر بعد أن غادرت والدته المسرح، لكن ربما للأمر بُعد آخر كما ذكره الناقد الأدبي الدكتور سيد ضيف اللّٰه، إذ قال: «يبدو أن ميول إحسان عبد القدوس منذ البداية كانت في تقديم فن الرواية والقصة، لكنه لم يكن أبدًا يميل إلى المسرح، فالمسرح قائم على فكرة الصراع وهو لم يكن يميل إلى هذا الأمر بل أراد فقط جذب القراء، وهو بطبعه أقرب إلى الحالة الرومانسية وما تحياه من وصف، وهذا لم يكن متاحًا في فن المسرح الذي يميل للحوار».

واستكمل ضيف الله: «كما أن المسرح في هذه الفترة كان يحمل فكرًا سياسيًا ينتمي إلى اليسار، لكن إحسان عبد القدوس كانت شخصيته تميل إلى دغدغة المشاعر الرومانسية، فلم تكن شخصيته مبنية على هذا الصراع الموجود في المسرح والذي قد يؤدي بدوره إلى إفاقة المجتمع، وهذه لم تكن معركته التي خاضها في حياته، فهو انتمى إلى الجانب الليبرالي الذي سعى من خلاله إعادة تفكيك المجتمع، كما أن هناك جانب آخر وهو أنه أدرك مدى تأثير المسرح على المجتمع ومدى قوته، فلم يرد أن يدخل في صراعات من خلاله، فاختار مسارًا أكثر أمنًا من الذي تبنته والدته، رغم أنه قد اهتم بالكثير من القضايا الاجتماعية والتي رأى من خلالها أن الرواية تستطيع تحقيقها».

ربما كانت المحاولة الوحيدة التي كتبها إحسان عبد القدوس وموجودة بين أيدينا اليوم هي مجموعته القصصية «لا أستطيع أن أفكر وأنا أرقص» وكتب عبد القدوس في مقدمتها: «هذه هي أول قصة في قالب مسرحي أجرؤ على نشرها، ربما لأني وُلدت في المسرح من أم وأب من أهل المسرح، وقضيت طفولتی وصباي بین كواليس المسارح، ونشأت في نفسي نوعًا من الرهبة من الإقدام على أي عمل مسرحي رغم كثرة ما خطر على بالي من عبور مسرحية.

ولا أدري أي نوع من المسرحيات هذه التي أقدمها اليوم، هل هي مسرحية استعراضية، أو فكرية، وهل هي دراما أو کومیدیة مضحكة، كل ما أعلمه أن الذي حرك إحساسي بها ليس وضعًا محددًا نعيش فيه، ولكنها صورة للتاريخ كله كما يمكن أن يوحي به التاريخ، وإذا كان فيما رسمته من مشاهد بعض الغرابة فهي لا تصل إلى غرابة مسرحيات بيكيت أو باقي كتاب المسرح الحديث أو ما يسمى اللا معقول.. بل لا أدري.. هل هذه مسرحية؟»

حرية العقل

من خلال هذه المقدمة التي كتبها؛ ألمح إحسان عبد القدوس إلى أنه كتب بالفعل العديد من المسرحيات التي لم يجرؤ على نشرها سوى في هذا العمل، والذي ظل متشككًا حول ما إذا كان قالبه قصصيًا أم مسرحيًا، فهذه الرهبة التي تولدت بداخله نحو المسرح كان سببها - كما ذكر - أنه عاش كواليس المسرح فتولدت بداخله هذه الرهبة، الشيء الوحيد الذي كان إحسان متأكدًا منه هو أن الذي حركه لكتابة هذا العمل هو أنه أراد كتابة «صورة للتاريخ كله كما يمكن أن يوحي به التاريخ»، فقد قام من خلال هذا النص بمجموعة من الإسقاطات السياسية والتاريخية التي تعرضت لها مصر، من خلال الراقصة ميمي التي ظلت تبحث عن الحرية التي تتمناها وأعني بذلك حرية الجسد وحرية العقل بين رواد هذا الكباريه، وبالرغم من أن رواد هذا المكان كانت تتعدد شخصايتهم، إلا أنهم اتفقوا جميعًا على شيء واحد، فقد حرصوا على احتلال هذا الجسد وسرقة هذه الروح، فهو عن طريق هذه الفتاة المسلوب عقلها وجسدها، أراد أن يعبّر عن مصر وشعبها، الذين اختطفهم المحتل، سواء باحتلال الأرض عندما حدثت الحرب وقطعت ذراع ميمي، وانفصل جزء من الجسد عنها «سيناء»، أو من خلال احتلال الفكر «الشعب».