الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بوجي وطمطم

نهال علام
نهال علام

آفة الحب التعلق…
ورفيق التعلق الحنين هذا السِحر المُبين الذي يشبه الخنجر في الوجدان فيتسبب بألم عظيم، وكلما تعلقنا بافراط زدنا سوءًا باطراد!
أحببت طفولتي وتعلقت بتفاصيلها حَدّ المَرض، فأحياناً أشعر أن اليوم هو حلم سأفيق منه على تفاصيل الأمس المبهجة، فلازلت عالقة هناك، مهما تدور الدوائر وتتغير الخلائق ويمضي الكون في هذا الفراغ الخانق ولكن مع ذلك لازلت  بذكرياتي متشبثة وبتفاصيلى متمسكة.

نوبات الحنين عصية ولكنها ممتلئة بالحنية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالمظاهر الرمضانية، الذي تبدأ بشائره عندما يأتي شعبان محملاً بعلامات رمضان، تُعلق الفوانيس وتُولد الزينة من رحم الفرح لتتمدد على صفحة السماء لتضفي على البيوت والشوارع هذا البهاء.
فيحتل عبد المطلب الأذان برمضان جانا ويفترش أحمد عبدالقادر القلوب بوحوي يا وحوي، ويحل المَرح مع ثلاثي المرح بسبحة رمضان الذي تفرط اللولي والمرجان.

آذان محمد رفعت ومصطفى إسماعيل والقرآن بصوت المنشاوي يصنع تلك الحالة الروحانية، تواشيح الفجر وابتهالات المغرب وأصوات التراويح كلها من ملكات شخصية رمضان العبقرية التي حَفرت على جدار الذاكرة نكهة بطعم التمر والكركديه وقمر الدين والدراما التلفزيونية أحد أركان رمضان الاجتماعية.

فلكل قومٍ عادات تميزهم وهوية تُبرزهم، ونحن من الشعوب التي أجادت استخدام الدراما لتُبروز مصريتنا وتُصدِر عَبق تقاليدنا وشكل حياتنا، ولأن رمضان شهر مميز باللمة على السفرة الرمضانية التى تحتوى على أشهى الأصناف الغذائية ولا تكتمل إلا بالأعمال الدرامية، ذلك ما يجعل من الضروري الشعور بالواجب والمسؤولية مِن قِبل صُناع الدراما لتقديم وجبة تمثيلية راقية وشهية.

ليالي الحلمية، رأفت الهجان، المال والبنون، عائلة الحاج متولي، ضمير أبلة حكمت، بوابة الحلواني، ذئاب الجبل، بكيزة وزغلول، ألف ليلة وليلة، فوازير رمضان، نصف ربيع الآخر، أرابيسك، الشهد والدموع، زيزينيا، أنت عامل إيه ويوميات ونيس وغيرها من البصمات التي شكلت هوية أجيال، وساهمت في غرس بذور القيم داخلهم بسلاسة شديدة وبساطة مفرطة، فأين ذهبت تلك المَلكة وأين نحن من ما يُقدم اليوم هل يُمثلنا، وهل المجتمع المصري هو تلك الشرذمة من الجهلاء والدهماء والغوغاء التي تُقدمها دراما اليوم؟ أم هذا ما يطلبه الجمهور؟

الجمهور ذاته ضحد ذلك الاتهام بأن هذا الذوق المتدني هو ما له الأفضلية، فلنتذكر الطوابير الطويلة على تذاكر فيلم الممر، وتفاعل المشاهدين مع مسلسل الاختيار بجزئيه، وشغف المشاهد بأبو العروسة واستقبال المواطن البسيط لاحتفالية المومياوات وطريق الكباش الذي انعكس على أن تكون أنشودة ايزيس الجنائزية وترنيمة آمون الأعلى مشاهدةً وتحميلاً.

لا يوجد مبرر لتلك المسوخ الدرامية والفنية والغنائية إلا فقر خيال صُناع تلك القوالب العبثية التى شملت البرامج الفضائحية والشرشحة الإعلامية، أفكار مُعلبة لا تشبه جمهورها تؤثر فيهم دون أن تتأثر بهم، فمن مِنا لم يلعب في طفولته بدون كلام ولم يتابع الكاميرا الخفية التي تعتمد على الخِفة وليس الاستخفاف! كنا نتابع حوار صريح دون أن نسمع كلام قبيح، فلم يكن هناك الترند الذي يسيل اللعاب ويجعل ما يعرض بدون مونتاج هو الأساس وليس برنامج تَرَك أثرًا بعد كل تلك السنوات.

من الطبيعي أن تتطور الدراما مع تغير الزمان لتواكب العصر الذي تأتي منه وتتحدث عنه، لكن سيظل لأبد الآبدين العالِم الضالِع والعامِل الماهِر والأم المُكافحة والشاب الشجاع والفتاة المقاتلة وذوى الهمم هم أبطال عالمنا الحقيقي فأين هم من عالم الشاشات! 
ألا يُدرك صُناع الدراما أن "أنسنة" العمل سر نجاحه، فأين نحن من تلك النماذج التي تحيط بها ونتعامل معها وكأنها من المسلمات كالأرض والسماوات! على سبيل المثال لا الحصر في احتفالية الأم المثالية الأخيرة هناك نماذج تصنع عشرات الأفكار لدراما حقيقية فأين الحاجة مكة والحاجة بثينة من المسلسلات التلفزيونية؟ نحن بحاجة للعودة بالزمن للوراء لنستقي الأفكار مادمنا غير قادرين على إيجادها ولنكتفى بالحداثة بما تقدمه الآلات من تصوير وإخراج!

صناعة الدراما قادرة أن تحدث ثورة ثقافية وثروة قومية إذا ما أُحسن استغلالها دون استسهال واستهبال، ومع ميزة المنصات التلفزيونية فنحن لدينا كنوز لم يُحسن استخدامها بعد!
ومن جانبي كمشاهدة تحمل في قلبها الحنين لما سَبق وعاصرت التطور الذي لَحق، ولديها الشغف لمتابعة التغير والتطور في الذوق العام لمزاج المتلقي، فهذا يمنحني حق أن أدلو بملاحظاتي التي تنبع من محبتي وحرصي على ريادة بلادي فنياً  كما اعتدتها وجاء الآوان لنواجه أنفسنا بأن البساط يهتز تحت أقدامنا.

فالدراما العربية تنافس بقوة والدراما المشتركة تجعلنا ضيف مُشارك ولسنا بصناع حدث، لذا علينا المبادرة بتغيير جذري لنستعيد دورنا الريادي، فلنكتفي بالمسلسلات القصيرة التي لا تتجاوز الـ 15 حلقة لنتفادى المط والتطويل فما عاد المشاهد يتحمل هذا الملل فالريموت بيد والتليفون بيده الأخرى، فإذا لم تضمن تشويقه فقدته، كما أن الحلقة نفسها يفضل ألا تزيد عن ٢٠ دقيقة ودون فواصل إعلانية ولكن يمكن أن يتم وضع الإعلان داخل إطار جانبي على الشاشة أو على شريط مثل الأخبار لثواني دون تشتيت للمشاهد ويكتفي بعرض الإعلانات قبل وبعد الحلقات وإلا سيخرج المشاهد ولن يعود، وسيخسر المنتج والمعلن والمشاهد نفسه لأننا استهنا برغباته التي يجب أن تأتي في المقام الأول.

كل عام وأنتم طيبين، وعلى سفرة رمضان متجمعين، وبالدراما الرمضانية مستفيدين، و وفي رحماته غارقين، ولكني لازلت أشعر بالحنين لبوجي وطمطم وطماطم وبكار وسلاحف النينجا أصدقاء طفولتي المخلصين، وأطمئنهم أنني لازلت أبحث عنهم على قنوات ماسبيرو المختلفة إلى أن أجدهم فاستعيد الذكرى وأجدد فروض المحبة وأحيي سنة التعلق ولكن حتى الذكرى نفحة من نفحات رمضان الكريم.