الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حوار السيسي.. بعث جديد

احمد النومي
احمد النومي

الحوار السياسى مظهر على حيوية الدولة وقوتها ونضجها بل وتجددها، و من هنا  تعد دعوة الرئيس السيسي إلى إجراء حوار سياسى شامل،  بمثابة الحلم الذى طال انتظاره.  


لقد تأخرت مصر طويلا عن إجراء إصلاح سياسى جاد وأكرر كلمة جاد لأن أغلب ما دار فى عصور مضت كانت مسرحيات هزلية لإرضاء الخارج والتمثيل على الداخل. 


الصراحة تقتضى القول أن مصر لم تشهد حياة سياسية مستقرة وسليمة منذ عام 1952، رغم أن إقامة حياة ديمقراطية سليمة كانت المبدأ السادس من مبادى ثورة 23 يوليو، لكنها للأسف دهست فى الطريق ، وكان الجمود السياسى  هو عنوان المرحلة ، والحجج فى كل حقبه جاهزة ،فالأقطاع وحاشية العصر الملكى  والفساد السياسى  والحروب  العسكرية كانت شماعة الناصريين ، فصدر قانون حل الاحزاب السياسية بعد 4 شهور من قيام الثورة  واستبدالها بسياسة التنظيم الواحد بداية من هيئة التحرير إلي الاتحاد القومي إلي الاتحاد الاشتراكي والتى تعد من خطايا الثورة وأضرت الحياة السياسية وصادرت علي آراء الآخرين.

الأسباب وراء انتهاج  فكرة التنظيم السياسي الواحد متعددة لكنها وجدت أرضيه لها بسبب تأثر عبدالناصر بنظام "تيتو" في يوغوسلافيا و"فرانكو" في إسبانيا، فضلا عن تخوف النظام الناصرى من تاثر الاحزاب بنظيرتها فى امريكا "راس مالى " او الاتحاد السويفيتى " شيوعى، فضلا عن معاداة المقربين من عبدالناصر لفكرة الحركة السياسية، بخلاف  قناعة "ناصر" بفساد تجربة الأحزاب السياسية ومطالبته لقادتها بالتطهر لاسيما "الوفد "،  وعاشت مصر منذ عام 1953 حتي عام 1976 أي ما يقرب من 23 عاماً في ظل نظام الحزب الواحد.

 

الحقيقة أن أزمة مارس 1954 الشهيرة  بين نجيب وناصر ورفاقه والتى حسمت فى دقائق الا أن تأثيراتها ظلت مستمرة لعقود، وهنا  يتبادر إلى الأذهان السؤال ماذا لو انتصرت وجهة نظر مؤيدى إقامة حياة سياسية ديمقراطية  من ابطال هذة الازمة الشهيرة بين الضباط الأحرار، أعتقد أن  الإجابة تقول إن مصر كانت  ستحلق  "فى حتة تانية".

 

السادات لم تكن لديه حجة فى إقامة حياة سياسية سليمة لاسيما بعد نصر أكتوبر، لكن الخطأ أنه شكل  الحياة السياسية بنظام "الريموت كنترول"، فالسلطة هى التى تصنع الأحزاب، والقاعدة تقول أن  من يمنح يمنع!


فكانت التجربة السايسية هشه ومصطنعة ومقيدة وفوقية من خلال  وجود ثلاثة أحزاب هى "مصر العربى الاشتراكى" ويمثل "الوسط" ، و"الأحرار الاشتراكيين" ويمثل "اليمين" ، وحزب التجمع، ويمثل "اليسار".


وفى عصر مبارك كانت الظاهرة الأسوأ وهى تزاوج السلطة بالمال، وتوحش حزب واحد وسيطرته على الحياة السياسية، ونجح فى تكفينها إلى مثواها الأخير من خلال الحزب الوطنى والذى كان سببا رئيسا فى الثورة على نظام مبارك. 


الآمال عانقت السحاب بعد ثورة 25 يناير فى إقامة حياة سياسية صحية ، لكن جاء ت الرياح بما لا تشتهى السفن، ودخلنا فى  تجاذبات سياسية وتناحر بين القوى الوطنية أوصلتنا الى طريق مسدود، فكانت 30 يونيو تصحيح للمسار، وبعدها شهدت مصر تقلبات سياسية وأمنية واقتصادية حادة ، كادت أن تعصف بوجودها أساسا، فكانت مواجهة  التحديات الأمنية والاقتصادية أولوية.


 مصر تقف على أعتاب مرحلة سياسية جديدة، والحوار الشامل والجامع  والمنفتح  على جميع الأطياف والجماعات والأحزاب والتيارات الفكرية  ومتضمنا كافة القضايا الوطنية  مطلوب ، بشرط أن يكون على أرضية وطنية لا  غالب  فيها ولا مغلوب لأنها ليست مفاوضات  ، شعاره الخلاف فى الرأى  لا يفسد للوطن قضية كما قال الرئيس ، والايمان  بأن  المعارضة هى وجهة النظر المقابلة لوجهة نظر النظام الحاكم من خلال رؤية ومنهج سياسى وحزبى.

 

 أعتقد أن هناك عددا من الإشكاليات التى تحتل أولوية فى أجندة هذا الحوار المنشود، منها  رؤيتنا إلى المستقبل وكيف ننجح  فى خلق آلية تضمن تداول سلمى للسلطة، بدون حدوث هزات  مثلما حدثت فى عهودنا الماضية، وكيف يكون لدينا أحزاب سياسية فاعلة ومؤثرة ومشتبكة مع كافة القضايا وليست مجرد رقم  أو  يافطة  على بلكونة شقة، الإشكالية الأخرى  متعلقة بالحريات وكيف نضمن وجود هامش أوسع لضمان حرية التعبير، وأن  تون الحرية مسئولة حتى لا تنقلب الى فوضى هدامة ، وهنا يصبح وجود قانون يتيح  حرية تداول المعلومات للقضاء على الشائعات ضرورى مع التركيز على تشجيع إقامة  مجتمع مدني حر.
المقصد أن يكون هناك جدول أعمال  متفق عليه ،يحدد الأولويات للمرحلة المقبلة ويخرج بنتائج وتوصيات ملزمة ،ويكون  هذا الحوار مستمر وغير متوقف ، وهنا تبرز أهمية وجود هيئة مستقلة للحوار الوطنى مشكلة من عدد من الخبرات الوطنية فى كافة التخصصات ومن جميع الاتجاهات الفكرية والسياسية.

 

الانصاف يقتضى القول أن  دولة 30 يونيو قطعت شوطا كبيرا فى الاستثمار فى الحجر والبشر، وأن الإصلاح السياسى لا بد وأن يتوج معالم الجمهورية الجديدة، ودعوة الرئيس السيسى خطوة جريئة وشجاعة، تؤكد  ايمان القيادة السياسية بأهمية المشاركة فى اتخاذ القرار السياسى، وحاجتها الى  حوار مختلف يناقش جميع التحديات والقضايا برؤى وأفكار مختلفة، فالدولة القوية هي التي تؤمن بتعدد الآراء، فالمبادرة بمثابة بعث جديد للحياة السياسية المصرية.