الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ذكرى ميلاده.. جمال الغيطاني صانع السجاد.. فاضح البصاصين في الزيني بركات

جمال الغيطاني
جمال الغيطاني

يمثل الكاتب الكبير جمال الغيطاني الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده، تيارًا فريدًا في كتابة الرواية العربية، حيث يجمع بين التراث والمعاصرة، ويتميز بالأصالة، لهذا كان من الطبيعي أن يكون لرواياته صدى كبير في العالم كله، بدليل ترجمة أعماله المختلفة إلى كثيـر من اللغات، وشارك في صناعة عصر الكتب والصحافة والمجلة بشكل إيجابي متطور وفاعل، فعندما أصدر أخبار الأدب عادت مصر لتكون مركز إشعاع في الوطن العربي.

 

 

جمال الغيطاني وطريق النجاح من سوهاج إلى العالمية

شق جمال الغيطاني، المولود في جهينة إحدى مراكز محافظة سوهاج بصعيد مصر، طريقه الأدبي في ظروف صعبة، معتمدا على موهبته وكفاحه، لذلك أخذ مكانة مرموقة ونادرة في الأدب العربي الحديث، وترك وراءه تلاميذ وأصدقاء كثيرين تأثروا به وأحبوه وسيظلون يذكرونه إلى الأبد.

 

وساهم جمال الغيطاني، بشكل كبير في الحياة الثقافية في مصر وتأثر كثيرا في أسلوبه بصديقه وأستاذه نجيب محفوظ وترك وراءه العديد من الروايات الهامة والنصوص الأدبية واتجه في السنوات الأخيرة على العمل التلفزيوني مع المحافظة على نفس ملامح رواياته، ووصف بأنه "صاحب مشروع روائي فريد استلهم فيه التراث المصري ليخلق عالمًا روائيًا عجيبًا يعد اليوم من أكثر التجارب الروائية نضجًا"، ولعب تأثره بأديب نوبل، دورا أساسيًا لبلوغه هذه المرحلة مع اطلاعه الموسوعي على الأدب القديم.

 

وساهم الغيطاني في إحياء الكثير من النصوص العربية المنسية وإعادة اكتشاف الأدب العربي القديم بنظرة معاصرة جادة، وانفتحت تجربته الفنية في السنوات الأخيرة على العمل التلفزيوني مع المحافظة على نفس ملامح رواياته، إذ كشف النقاب عن عالم آخر يعيش بيننا من المعمار والناس، ويعتبر  جمال الغيطاني من أكثر الكتاب العرب شهرة على شبكة الإنترنت إذ أن أغلب رواياته ومجموعاته القصصية متوفرة في نسخات رقمية يسهل تبادلها أضافت بعدا جديدا لهذا الكاتب الذي جمع بين الأصالة العميقة والحداثة الواعية.

 

 

جمال الغيطاني المفتش صانع السجاد

جمال الغيطاني تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة عبد الرحمن كتخدا، وأكمله في مدرسة الجمالية الابتدائية، في عام 1959 أنهى الإعدادية من مدرسة محمد علي الإعدادية، ثم التحق بمدرسة الفنون والصنائع بالعباسية، وقد ولد الغيطاني لأسرة فقيرة وعمل وهو طفل كصانع سجاد ثم عمل بأحد مصانع خان الخليلي وعمل سكرتيرا للجمعية التعاونية المصرية لصناع وفناني خان الخليلي، وقال جمال الغيطاني إنه تعلم من دراسته لصناعة السجاد، التي أكملها بعامين في الصباغة والطباعة بكلية الفنون التطبيقية الإتقان والصبر الشديد، وأشار إلى أن «للسجاد كفن علاقة بالتاريخ والرمزية»، كما عمل الغيطاني مفتشا حينها على بعض مصانع السجاد الصغيرة ثم مشرفا على مصانع السجاد بمحافظة المنيا، ويعتقد أن هذا العمل كان له تأثير كبير على طريقة تفكيره وأسلوبه الروائي، و«بدا في رواياته كمن يعيد نسج وقائع التاريخ القديمة في أعمال إبداعية بطرق جديدة، وبطريقة محكمة».

 

جمال الغيطاني الرسام.. مراسلا حربيًا

في عام 1963 استطاع الغيطاني أن يعمل كرسام في المؤسسة المصرية العامة للتعاون الإنتاجي حيث استمر بالعمل مع المؤسسة إلى عام 1965، وتم اعتقاله في أكتوبر 1966 على خلفيات سياسية، وأطلق سراحه في مارس 1967، حيث عمل سكرتيرا للجمعية التعاونية المصرية لصناع وفناني خان الخليلي وذلك إلى عام 1969م، وقيل أن اعتقاله كان بسبب انتمائه لتنظيم شيوعي، وقد قال الغيطاني عن فترة الاعتقال: «حتي عندما لم يكن لدي أوراق وأقلام أدون بها حكاياتي، كنت أكتب في مخيلتي .. فالحكي والقصص لم تفارقني حتي في أصعب أيام حياتي»، وعقب خروجه من المعتقل؛ «تبلورت لديه رؤية خاصة تقوم على إعادة النظر في التراث الإبداعي العالمي كله، ليكون مجدداً وليس ناسخاً»، واعتقد الغيطاني حينها أن ذروة البلاغة المصرية قد كانت في العهد المملوكي، خلافاً للرؤية الأكاديمية التي تراه عصراً للانحطاط الأدبي.

 

وفي عام 1969، مرة أخرى استبدل الغيطاني عمله ليصبح مراسلا حربيا في جبهات القتال وذلك لحساب مؤسسة أخبار اليوم، وفي عام 1974 انتقل للعمل في قسم التحقيقات الصحفية، وبعد إحدى عشر عاما في 1985 تمت ترقيته ليصبح رئيسا للقسم الأدبي بأخبار اليوم، وكان الغيطانى أحد مؤسسى الجريدة الأدبية «معرض 68»، والتي سرعان ما أصبحت اللسان الناطق باسم جيله من الكتاب، في عام 1993، أسس الغيطاني صحيفة أخبار الأدب الصادرة عن أخبار اليوم، والتي باتت منذ صدور عددها الأول من بين أهم الصحف الثقافية في مصر والعالم العربي، وشغل الغيطاني منصب رئيس تحرير الجريدة.

 

جمال الغيطاني صاحب الزيني بركات المعماري الصوفي

كان جمال الغيطاني صاحب "الزيني بركات" من «خبراء العمارة المعدودين ليس بالمعنى الأثري أو التاريخي ولكن بالمعنى الفلسفي والصوفي»، وقام بجولات وشارك في برامج تلفزيونية وقراءات ثقافية عميقة في شارع المعز والجوامع «والبيمارستانات»، والمدارس القديمة، واعتبر الغيطاني أن «العمارة أقرب الفنون للرواية»، وقال أنه استلهم منها كل طريقته في التفكير، حتى أنه ذكر عند تسلمه وسام العلوم والآداب الفرنسي من درجة فارس: «اهتمامي بالعمارة هو لأن الرواية بنيان وعشقي للموسيقى لأن الرواية إيقاع».

 

جمال الغيطاني أديبًا عالميا

قدم جمال الغيطانى خلال مسيرته ما يشبه "كشف هوية" للبلاد، إذ تجول بين الحاضر والماضى، لعقد مقارنات فكرية وثقافية وحضارية، مستنهضاً كل ما يدل على عبقرية مصر، ومن ثم كان التاريخ هاجساً وملاذاً وحقل اكتشافات مثيراً للغاية، وجاءت مجموعته القصصية الأولى "أوراق شاب عاش منذ ألف عام"، لتكون بروفة أولى على هيئة "ماكيت" لجميع النصوص السردية التى أتت بعد ذلك، وعلى وجه الخصوص روايته الحدث: "الزينى بركات"، تلك الرواية التى صارت علامة على التطور النوعى فى الرواية التاريخية.

 

من بين أبرز روايات جمال الغيطاني رواية "الزينى بركات" الصادرة عام 1974، والتي تعد أحد أهم الروايات البارزة في الروايات العربية، وجسدت الرواية تجربة "معاناة القهر البوليسى في مصر"، وكانت تدور حول شخصية تدعى "الزيني" والذي كان يعمل كبيرا "للبصاصين"، أى رئيسا للمخبرين، في عهد السلطان الغورى أوائل القرن العاشر الهجرى، وتصور الرواية معاناة الشعب من سطوة السلطان وصراع الأمراء واحتكار التجار وعيون البصاصين، ووصفت الرواية بأنها «نموذج من نماذج القهر والاستبداد التي تعرض له المصريين في هذه الفترة»، وترجمت الرواية إلى الألمانية والفرنسية عام 1985 بعد أن حققت صدى طيباً في وسط الدوريات الثقافية في العالم، كما تحولت إلى مسلسل مصرى تاريخى من إخراج يحيى العلمي وبطولة أحمد بدير ونبيل الحلفاوي.

 

ويرى السيد ياسين أن تلك الرواية ترقى إلى مستوى الرواية الشهيرة "لكافكا" "القضية"، التي تعكس الكوابيس الفظيعة لممارسات النظم السلطوية، وتقترب كثيرا من رواية 1984 التي أبرز فيها الروائى البريطانى الشهير "جورج أورويل" معالم النظام السلطوى.

 

كما صدر له رواية "الزويل"، وهي رواية غرائبية عن زمن سحري، وتدور حول قبيلة "الزويل" التي تعيش بين مصر والسودان، والتي تخطط لحكم العالم،  وصدر له أيضا رواية "البصائر والمصائر" والتي وصفت بأنها "واحدة من أخصب المحاولات الأدبية التي قام بها"، وصدرت عام 1988، وأبرزت الرواية التحولات الكبرى في المجتمع المصرى نتيجة الانفتاح الاقتصادي في عهد السادات، وتعبر عما جرى للمصريين اللذين حاربوا والذين خرجوا من الوطن وتغربوا في بلاد النفط، وترجمت الرواية إلى الألمانية عام 2001، ووصفها المفكر السيد يس بأنها "المغامرة الإبداعية الأهم لجمال الغيطاني".