الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

على منازل الحجاج.. فن شعبي يجسد الرحلة إلى الأراضى المقدسة

رسومات الحج
رسومات الحج

قبل أعوام لا تتجاوز عقدين من الزمن، كانت حوائط منازل المسافرين لأداء فريضة الحج بالأراضى الحجازية، بمحافظات الصعيد ومن بينهم قنا ، تتزين خلال أيام عيد الأضحى المبارك بأشكال و رسومات متنوعة للكعبة المشرفة والمسجد النبوى، وبعض المزارات الشهيرة فى مكة المكرمة و المدينة المنورة، لتوثيق هذه الرحلة المباركة التى قد لا تتكرر مرة أخرى فى العمر، والتى تعتبر بمثابة وثيقة رسمية تعطى صاحب المنزل لقب حاج.


الرسومات والأيقونات الفنية ليست وحدها من تزين جدران المنازل، فبجانبها وحولها آيات قرآنية وأحاديث نبوية ترتبط وجودها على الحوائط برسومات الحج، من أشهرها قول المولى عز وجل فى سورة الحج "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ"، والحديث الشريف:"مَا بَيْنَ بَيْتِى وَمِنْبَرِى رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ"رواه البخاري"ومسلم، وبعض الأقوال مثل" من زار قبرى وجبت له شفاعتى".

 


رسومات الحج تعد بمثابة فن فطري خالص تميزت به مصر، دوناً عن أى مكان آخر فى الوطن العربى، وكان لصعيد مصر اهتمام خاص بهذه النقوش والرسومات التى تجسد مراسم أداء فريضة الحج، وتجسد فى نفس الوقت عشق الشعب المصرى للأراضي المقدسة بمكة المكرمة والمدينة المنورة، وقد كان للرسومات التصويرية التي ينقشونها على جدران منازلهم بعد عودتهم سالمين إلى ديارهم و أهلهم من رحلة الحج أبلغ دليل على هذا العشق الذي لا ينافسهم فيه أحد، فهم يقومون برسم ونقش الأماكن المقدسة لكي تظل أمام أعينهم يتذكرون من خلالها رحلتهم الروحانية المقدسة إلى بيت الله الحرام و مسجد وقبر النبي صلى الله عليه.


لم ينس الرسامين أو الفنانين، أن يضيفوا رسومات و أشكال لوسيلة المواصلات التى استخدمها الحاج فى رحلته إلى الأراضى الحجازية، فمن يستقبل الطائرة فى رحله المقدمة، ترسم له طائرة ، و آخر ترسم له باخرة، وقديماً كان الجمل، كل ذلك بجانب الرسومات الشهيرة للكعبة المشرفة ومقام سيدنا ابراهيم، والحجر الأسود، والروضة الشريفة، وصورة تخيلية للبراق.


تبدأ عملية رسم الحوائط وتزيينها، قبل عودة الحاج بأيام قليلة من فريضة الحج، حيث يتولى أبنائه و أقاربه مهمة التعاقد مع "رسام محترف"لكى يرسم وينقش تفاصيل الرحلة المقدسة التى قضاها الحاج فى بيت الله الحرام على جدران المنزل، و كان لكل قرية أو منطقة فنانيها المعدودين الذين يجيدون رسم وتصوير هذه النقوش، ولكل منهم أسلوبه الخاص المتفرد به عن غيره فى هذا الفن، فمنهم من كان يكثر كتابة بعض الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية أو الأقوال المأثورة باستخدام الخطوط المختلفة ومنهم من يكثر استخدام الرسومات والمناظر على حساب الكلمات.


الاهتمام بهذا الفن، لم يقتصر على المصريين فى الفترة الأخيرة، فقد أبدى الباحثين الأجانب اهتمام كبير بهذا الفن الفطري الذي اشتهرت به مصر عن سائر البلدان العربية، فخلال جولاتهم بصعيد مصر لفتت أنظارهم الرسومات المنقوشة على معظم البيوت الصعيدية، حتى أن بعضهم قام بتأليف كتب عن رحلة الحج المصرية منها كتاب يحمل عنوان"لوحات الحج"صدر للكاتبة آفون نيل و المصور آن باركر"Ann Parker؛ Avon Neal"2009، وكتاب آخر للمستشرق الانجليزي إدوارد لين"Edward lane" يحمل عنوان"المصريون المحدثون" ذكر فيه أنّ المصريين كانوا يقومون بتزيين بيوتهم برسومات الحج  فى القرن الثامن عشر.


قال الدكتور حسن حمدى"مدرس المناهج والتدريس بكلية التربية"، إن رسومات الحج تندرج تحت الفن الشعبى، وهو فن أصيل متعارف عليه عالميًا يقوم منه خلاله الفنان بإبراز قيم الجمال فى ضوء القيم و المعتقدات على سطح المنازل، و يرتبط الفن الشعبى بالقيمة الحضارية للمكان، حيث تأثر بكل الحضارات وقد ظهر جليًا فى المعابد والكنائس والمساجد.


و تابع حمدى، كما ارتبطت رسومات الحج باحتراف الفنان أو الرسام للخط العربى، فضلاً عن ارتباطها بالبيوت القديمة، حيث ساهمت طبيعة المبانى القديمة المبنية بالطوب الطينى والجير، فى انتشار هذا الفن على الكثير من المبانى القديمة التى ذهب أصحابها لأداء فريضة الحج، وشعارات مثل"حج مبرور و ذنب مغفور"و"من زار قبرى و جبت له شفاعتى".