الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الأستاذ محمد صبحي

نسرين حجاج
نسرين حجاج

الراصد المنصف والناقد الموضوعي لا شك سيعتبر الأستاذ محمد صبحي أحد العلامات البارزة في الفن المصري خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين.. والمحلل الدقيق والباحث المدقق سيعتبره العلامة الأبرز في الفن المصري خلال العقدين الأخيرين.. وعلى مدار خمسة عقود كاملة، كان الأستاذ محمد صبحي مثل شاعر العربية الأعظم "أبي الطيب المتنبي" حين "ملأ الدنيا، وشغل الناس".

ملأ الأستاذ صبحي دنيا الفن بكل ما "فن حقيقي" قائم على عمق الفكرة، وأصالة الموضوع، وجدية التناول، وسخرية الأداء، وعبقرية التوصيل، وسلاسة الانتقال والتواصل بينه وبين الجمهور.. منذ اللحظة الأولى والأستاذ صبحي يضبط بوصلته على اتجاهات الجمهور.. ليس منقاداً، ولكن كقائد رأي.. لم يكن يوماً على "حسب الريح"، أو من ضمن "حزب وداد"، ولكنه كان "الجوكر" الذي يمتطي "جواداً" ويعيش به بين "ملح الأرض" معلماً وشارحاً، وهادياً من خلال الفن.

حمل الأستاذ صبحي "مصباح ديوجين" وسار به بين دروب العالم العربي، كما فعل الفيسلوف ديوجين حين كان يحمل مصباحه في شوارع أثينا القديمة.. مصباح الحكمة دون تقعر، والهداية دون تنطع، والأستاذية دون توجيه.. الأستاذ صبحي هو "كوكتيل" ثقافة "سموزي.. له ألف مذاق ومذاق سائغ شرابه وسهل الهضم والابتلاع.. ووجبة علم وفن متنوعة الأطعمة، تسعد العين، قبل أن تملأ البطن، وتغذي الروح قبل أن تنمي الجسم.

وكما ملأ الدنيا بالفن، فقد شغل الناس بالإبداع.. الأستاذ ذو الألف وجه ووجه.. وصاحب الأقنعة التمثيلية الرائدة.. خلف كل وجه، روح وثابة تترجم مشاعر قطاع كبير من الجمهور.. وخلف كل قناع يتبدى جانب من جوانب الحقيقة المجتمعية.. حمل الأستاذ صبحي سيفه لكي يبدد ظلام الأوهام التي يعيش فيها المجتمع.. كانت "تخاريفه" هي عين الحكمة.. وكانت "ماما أمريكا" هي أصل العداء.. كان "الهمجي" الذي علم الناس التحضر.. والمجنون الذي قال للعالم المتخلف "انتهى الدرس يا غبي"..  "وجهة نظره" كانت واضحة في كل ما قدم.. وكانت شخصياته علامات في تاريخ الفن المصري: "على بيه مظهر"، "سنبل"، "ونيس أبو الفضل"، "عرفة الشواف"، "أدم عبدربه أدم"، "سطوحي"، "عم أيوب"، وغيرها من الشخصيات الحقيقية التي تعيش بيننا، وتتسرب تحت جلودنا.. هو التجسيد الصادق، والضحك الحقيقي، والتمثيل الواقعي.

أرسى الأستاذ محمد صبحي قواعد مدرسة فنية ومسرحية خاصة به، وتعرف باسمه.. هو أستاذ التفاصيل، وسيد الالتزام.. هو الديكتاتور العادل، والمهرج المنضبط، والبوهيمي المنظم.. هو كل شيء وعكسه.. تتلبسه روح الفن فيحلق بها في سماوات الإبداع.. وتتلبسه روح القائد والمدير فتظل قدماه راسختين على خشبة الإبداع.. هو كائن "حائر بين السماء والأرض".. هو مثل "ابن بطوطة" رحالة، يدور على أقطار الإبداع، والفن ضالته، أنى وجده فهو أحق الناس به.. لم يترك مجالا فنيا لم يطرقه.. وكان الألفة في كل درب، والأستاذ في كل تخصص فني طرقه.

ومن معالم أستاذيته البارزة، هو عدد التلاميذ الذين تخرجوا من مدرسته الفنية.. معظم النجوم الذين يضيئون سماء الفن ويزينونه حالياً "مروا من هنا"، وعبروا على الأستاذ، ومنحهم تذكرة العبور.. عشرات من التلاميذ النجوم أصحاب البصمة.. الأستاذ "أسطى" و"صنايعي" يجيد تعليم الصبيان مفهوم الفن، ويسقيه لهم، ويلمع بجواره كل من يعمل معه.. ولهذا، أحبه الجميع، وكرمه الكل.

ومن معالم تفرده، أنه صاحب لكل فئات الجمهور، حتى الأطفال... وهو المجال الأصعب لأي فنان.. ظل الأستاذ صبحي أو بابا ونيس جاذباً للأطفال والآباء على حد سواء لسنوات طويلة... حتى حق أن يسمي بعضهم نفسه: نحن جيل بابا ونيس.. وهو شرف لو تعلمون عظيم.

هناك مثل فرنسي شهير يقول "يا أيها الذي نحب.. شكرا لأنك جعلتنا نحبك" .. شكرا يا أستاذ.