الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أسباب حصول معية الله الخاصة لأوليائه.. خطيب المسجد الحرام: 3 طاعات

خطيب المسجد الحرام
خطيب المسجد الحرام

 قال الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي، إمام وخطيب المسجد الحرام،  إن تقوى الله في السر والعلن وفي الخلوة والجلوة، هي وصية للأولين والآخرين.

المقصود من إيجاد الخلق 

 وأوضح “ المعقيلي” خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة،  أن  المقصود من إيجاد الخلق، عبادة الخالق، ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله وكلما زادت معرفة العبد بربه، زاد إيمانه، وأحبه وأطاعه، وابتعد عن معصيته ومخالفة أمره، ومن أسماء الله تعالى الحسنى، وصفاته العلى: المتعال العلي الْأَعلى.

وأشار إلى أنه قال جل جلاله عن نفسه ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾، وقال سبحانه: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ وقال جلّ في علاه: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾.

المعية العامة لجميع الخلق 

وأضاف أن هذه هي المعية العامة، لجميع الخلق، وأما المعية الخاصة، فهي معيَّته تعالى لرسله وأنبيائه، والصالحين من عباده، بالنصر والتأييد، والمحبة والتوفيق، والهداية والإرشاد، والحفظ والرعاية، والتسديد والإعانة.

وتابع:  فموسى وهارون عليهما السلام، لما أمرهما الله تعالى بدعوة فرعون، ﴿قَالَا رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَى، قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾، أي: إنني معكما بحفظي، ونصري وتأييدي، فاطمأنت قلوبهما، بوعد ربهما، ولما حاصر فرعون وجنوده، موسى عليه السلام وقومه.

ظن أصحاب موسى 

وواصل:  ظن أصحاب موسى عليه السلام، أن السبل قد انقطعت بهم، فقالوا: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾، قال موسى عليه السلام، بكل صدق ويقين، وحسن ظن برب العالمين: ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾.

ونبه إلى أن من كان الله معه، كان معه النصر والتأييد، والقوة والتسديد، وقال سبحانه لنبينا صلى الله عليه وسلم: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾، أي: أنت بمرأى ومنظر منا، وفي حفظنا وحمايتنا، ونحن نرعاك، ونحوطك ونحرسك، فأنت بأعيننا.

وأفاد بأنه كان صلى الله عليه وسلم، مستشعرًا معية الله له، وحفظه ونصره، وعنايته ورعايته، ولما كان في الغار يوم الهجرة، وقد وقف المشركون على شفير الغار، حتى قال أبو بكر رضي الله عنه: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ، اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ؟))، رواه البخاري.

مستشعرًا معية الله له 

واستند في حكاية تلك الحادثة، لما نزل من قول الرب جل جلاله: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾، ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾، ينجينا من كل كرب وبلاء، ومشقة وعناء، ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾، بحفظه ورعايته، وقوته وجبروته، وكفايته وعنايته.

ولفت إلى أن حقيقة الحزن يا عباد الله، ألا يكون المرء في معية الله، فيبقى وحيدًا يكابد أحزانه، فاستشعار معية الله، يورث السكينة والطمأنينة، ويجلو عن القلب همومه وأحزانه، قال ابن القيم رحمه الله: "فإن من عرف الله أحبه ولا بد، ومن أحبه، انقشعت عنه سحائب الظلمات، وانكشفت عن قلبه، الهموم والغموم والأحزان، وعمر قلبه بالسرور والأفراح، وأقبلت إليه، وفود التهاني والبشائر من كل جانب، فإنه لا حزن مع الله أبداً... وأن من كان الله معه، فما له وللحزن؟ وإنما الحزن كل الحزن لمن فاته الله، فمن حصل الله له، فعلى أي شيء يحزن؟ ومن فاته الله، فبأَي شيء يفرح؟".

معية الله الخاصة  

وبين أنه قد أدركت معية الله الخاصة، إبراهيم الخليل عليه السلام، حين ألقي في النار، فقال الله تعالى: ﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾، وأدركت يونس عليه السلام، حين كان في ظلمات ثلاث: ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾، فكما نصر الله تعالى أنبيائه ورسله، وأيَّدهم وأعانهم، فكذلك ينصر ويؤيد أتباعهم، ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾.

وأكد أن دأب الصالحون من المؤمنين والمؤمنات، على الالتجاء إلى الله، وتفويض الأمور إليه، واستشعار قربه، واصطحاب الأنس بلطفه ورحمته، ففي صحيح البخاري، في قصة هاجر زوج إبراهيم عليه السلام، عندما وضعها الخليل في صحراء جرداء، لا زرع فيها ولا ماء، ولا أنيس ولا جليس، فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الموضع، ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا، وهو لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذا لا يضيعنا، ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾.

وأوضح أن المؤمن يستشعر معية الله تعالى له، في نومه واستيقاظه، وصبحه ومسائه، ففي الصحيحين، لما توفي إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم، دمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبَّنَا، وَاللهِ يَا إِبْرَاهِيمُ، إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ)).

أسباب حصول معية الله 

وأشار إلى أن من أسباب حصول معية الله تعالى الخاصة لأوليائه، الإيمان به، والتزام فرائضه، والتقرب إليه بنوافله، قال عز وجل: ﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾، وفي صحيح البخاري: يقول الله في الحديث القدسي: ((وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ)).

وأكد أن للصبر شأن عظيم، ومنزلة رفيعة، أمر الله عباده أن يكونوا من الصابرين، ونوّه بمعيته لهم،﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾، فبالصبر يقوم العبد بالطاعة، ويجتنب المعصية، ويُعَانُ على الأقدار المؤلمة، ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: "وَجَدْنَا خَيْرَ عَيْشِنَا بِالصَّبْرِ"، ويوم القيامة، تحيي الملائكة المؤمنين الصابرين في الجنة، فيقولون: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾.

ذكر الله يورث معيته

وأفاد أن الله سبحانه مع الصابرين، والمتقين المحسنين، الذين أحسنوا في عبادتهم للخالق، بتوحيده وإخلاص العبادة له، وأحسنوا في معاملتهم للمخلوقين، فأحب الناس إلى الله، أنفعهم لعباده، فمن جمع بين هاتين الحسنيين، فليبشر بمعية الله له، ونصره وتأييده، والتوفيق له في الدنيا، والنعيم المقيم في الأخرى، ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾.

واستطرد: ذكر الله يورث معيته، والقرب منه ومحبته، فمن أكثر من ذكر الله تعالى، أكثر الله من ذكره في الملأ الأعلى، ففي الصحيحين، ((يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، في الحديث القدسي: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُ)).