الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لغة الجسد

د. هادي التونسي
د. هادي التونسي

راقصون مختلفو الجنسيات ، مدربون على الرقص المعاصر والبالية والفلامنجو والتانجو والجاز والعزف بدقات الأقدام، تجمعوا في عرض واحد بألوان من الموسيقى  الكلاسيكية والشعبية ، تلهب المشاعر ، وتأخذ الألباب، فتشعل القاعة بالتصفيق، دون أن يدرك غالب الحاضرين لماذا انطلقت عواطفهم ؟ وماالذى شحن دوافعهم على نحو الدقة؟ وكيف يحركهم اللاوعي _ هذا المخزون النفسي الغامض الغالب  الكامن _ بهذا الاندفاع والجموح؟ .

أجساد الراقصين مرسومة الجمال، دون عضلات مفتولة، أو ملابس زخرفية، فليست إذن هي القوة والثراء الذي يثير الإعجاب؛ لكنها الرشاقة ومرونة الحركة والإتقان. 

ووراء ذلك قدرة النفس على تطويع الأبدان، ودقة الإحساس التي تشكل حركة الجسم  تجاوباً مع الموسيقى والإيقاع. هي شدة الانفعال البادية في قوة وإتقان التعبير الحركي، وقدرة الفنان على تقمص الأدوار  والشخصيات؛ من قائد منتصر إلى عاشق مفتون، من عابد ممتثل إلى محب مخدوع، من فارس نبيل إلى شيطان مريد، من بطل منقذ إلى فتى نقى وديع جميعهم يرسمون لوحة رمزية  للحياة  وخليطها الرائع من الخير  والشرور حتى وإن تباينت المواقف وأساليب التعبير  .

 لكن ماذا يمثل الرقص لهؤلاء المؤديين؟ مجرد الأداء والشهرة أو الهواية والكسب المادي ؟ ربما  . إنما كم هو الجهد في ممارسة التمرين والأداء والالتزام  بالتغذية السليمة ؟ ما نوع الشعور المتولد لديه عن جمال الأجساد ورشاقة التعبير ودقة التجاوب وشدة التأثير والإبهار؟ . 

هل تتمازج لدى الراقص مشاعر القدرة والحرية والانطلاق ؟ هل دربه الأداء على الحياة من خلال الآخرين بتقمصه للأدوار ، وعلى التواصل من خلال لغة الجسد ، فيتسلل مفعولها  إلى لاوعى المشاهدين ليفقدوا مؤقتاً بعضاً من سيطرة المنطق على الفهم والانفعال والتعبير ؟ هل يمثل الرقص متنفساً للمشاعر وتفريغاً للتوترات  ؟ هل يمارس الراقص تمرده أم يدرك مكنون نفسه حينما تتقمص مختلف الأدوار ؟ وما هو المعنى الخفي لشكل وقوة حركة كل أجزاء الجسم  ، بسيطة كانت أم مركبة ؟ . 

نميل على مدار أعمارنا إلى التعبير بالكلمات  . نجتهد في اختيارها ونطقها بنغمات وأصوات تتباين في النوع والعمق والقوة  والسرعة ،دون أن نتمكن  أحياناً من التأثير على السامع  بمثل ما حققه  هؤلاء الراقصين دون كلمة واحدة ، فلماذا لانعى  ونتقن التعبير بلغة الجسد ؟ وهل نستطيع  أن نتصور قدرتنا على الفهم والتواصل  والتأثير إذا علمناها ومارسناها في حياتنا اليومية ؟