الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

العنف المجتمعي

نهال علام
نهال علام

أحياناً تهرب الكلمات، وتجف بحيرات الحروف وتمتلئ روافدها بالعَبرات، ويفتك القلب أنه ما كان يوما إلا من متعظى العِبرات، ولكن تلك هى الطامة ومبلغ الأزمات، قلب يتعظ وعقل يحنو للغرائبيات!
أقرأ الحادثة! فتلك العبارة من أقدم العبارات التسويقية التى عرفتها الجينات المصرية لزيادة مبيعات الصحف السياسية بتلك الصِبغة الاجتماعية، وذلك هو الرهان المضمون، فبلا شك وظنون تظل الحادثة هى الأمر المبهوم.

فالسياسة متوقعة والاقتصاد متغير والطقس متقلب والفنون بعض جنون وأخبار العالم تقرأ من باب الفضول، أما الإنسان بطل الزمان والمكان، فهو ذلك الجبان القادر على هز الجبال فتحسبه من الشجعان بينما يخشى حفنة من الجرذان! لذا القصص البشرية التى تتنافى مع فطرة الإنسانية هى الأكثر ألقاً خاصة كلما كانت غير اعتيادية، ولكن قالوا قديماً "كتر البكاء يعلم الأسية" فهل تلك الحكمة أصبحت نسياً منسياً! وهذا يبرر اعتيادنا للصور الدموية والأخبار الكارثية الناتجة من جرائم العُنف المجتمعية!

قديماً كانت الأخبار تُطالعنا يومياً بما يحدث في جنبات رقعة الأرض التى نعيش فيها، أما اليوم فهى تُطلعنا لحظياً على ما يجرى في طيات الكون الذى نحيا عليه، ومع زيادة أرقام البشر ووفرة المعلومة والصور، وتتابع الوقائع وتلاطم الفظائع وتداول الفضائح وتبادل القبائح أصبح الاستقرار النفسى ضائع، وتلك الأخبار الغريبة فقدت مكانتها في الطليعة بل وربما صار تحليلها وقبول وجودها بتلك الصورة الفظيعة آفة الإنسان الجديدة! فلم تعد كلمة الجريمة مرتبطة بتلك الزلزلة التعاطفية الشديدة، حتى أنه لم يخلو الأمر من المجاهرة بالمباركة لتلك الأحداث الجنونية الفريدة، فقد كان الخير فينا حتى صرنا نتعاطف مع قاتلينا!

يتغير الزمان وتتبدل الأحوال، ولكن هناك بعض الثوابت التى لا تقبل الجدال، فالسماء فوق رؤوسنا والأرض تحت أقدامنا ويجب أن يكون السلام محله قلوبنا، ولكن مع التغيرات العالمية زادت ظاهرة العنف المجتمعية، ولا يقتصر الأمر على بلادنا بل إنها سمة المجتمعات البشرية، فالهند تعانى، وسوريا تأن بالقتل تحت ما يسمى بجرائم الحُب، وهو ما شهدناه بحالات فردية في الفترة الأخيرة تشى بحالة العنف التى يجب مواجهتها قبل أن تتفاقم.

منذ عدة أيام صدمتنا الأخبار بالسيدة التى قطعت عضو زوجها الذكرى بمشرط لأنه رفض أن يكتب الشقة باسمها، وقبلها الأب الذى اعتدى على ابنته وبعدها ذلك الذي هتك عرض قريبه والآخر تربص بأخيه  وغرر بصديقه، وهنالك المستريح الذي ما تعامل معه أحد واستريح! ولكن هل ذلك يعنى أننا في خانة الخطر ويجب علينا الحيطة والحذر!


نعم نحن بحاجة لمراجعة العنف المجتمعي والذى يبدأ بالتعنيف اللفظي، ويصل للضرب الجسدي ممزوجاً بالعنف الإلكتروني وعبث محطات الكابل الغير مشفرة والنتيجة أسرة مدججة بالغضب وهى نواة لمجتمع مؤجج بالإحباط!

العالم يعج بالعنف الذى ينعكس بدوره على الأفراد، فتلك بلد الديمقراطية والحياة الأريحية الولايات المتحدة التى فيها يسقط يومياً ٥٩ ضحية جراء العنف المسلح، وفي المكسيك يبلغ عدد القتلى يومياً ٩٥ قتيل معظمهم ضحية النزاع المُسلح في تجارة المخدرات والممنوعات، وبحسب المركز الدولى للسجون فنجد أن أكبر عدد من السجناء في العالم في الولايات المتحدة بإجمالي عدد السجناء 2.2 مليون حيث يبلغ معدل السجناء 698 سجين لكل 100 ألف نسمة من السكان، والصين بها 1.7 مليون سجين بمعدل 119سجين لكل 100 ألف نسمة، بينما بلغ عدد السجناء في روسيا 649.5 ألف، أما مصر فكما أعلنت الهيئة العامة للاستعلامات في 2021 أن عدد السجناء بلغ 120 ألف سجين بما يساوى 36 سجين لكل 100ألف نسمة وهى تحتل المرتبة 127 عالمياً.

ارتبط وجود الإنسان على الأرض بالخير والشر، فهما متلازمان أينما وجد أحدهما ستجد الثانى مصاحباً له، كلاهما فعل خالى من وجود الآخر ومرتبط به، فلولا الأبيض ما فهمنا عتامة الأسود، ولو لم يكن الليل ما أدركنا قيمة النهار، ولكن العنف أخطر من الجريمة، فالأخيرة تظل محدودة أما الأول فينتشر كالنار في الهشيم فهو كالوباء الأثيم، العنف يخلق مجتمع عصبي مضطرب، فهو ينزع جذور السلام ويلقي بذور الغضب  التى تطرح شجرة مورقة الآثام تحرق من يستظل بأوراقها.

بعثت الأديان لتنشر المحبة ووجدت الأخلاق لتخلق التسامح، ووهبنا الله عقلاً لنتمتع بقدر من التجاهل، فلننبذ العنف ونلفظ الحقد لتمر سفينة الأيام ببعض هدوء قدر المستطاع، فكما قال الحق لرسوله الكريم لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فتلك الغلظة والفظاظة مبرر لتلك الجزر المنعزلة التى أصبحنا نعيش فيها في الغرف المغلقة نراقب العالم من خلف الشاشات المسمطة.

لنحارب الخطأ بالخلو منه، ونجتهد في إصلاح المخطئ بأن نكون قدوة له، فالحسنات يطفئن لهيب السيئات، فالعودة للفطرة الإنسانية ومجاهدة شوائب النفس البشرية هي أكبر خدمة يقدمها المرء لنفسه ولمجتمعه وللأجيال القادمة، فكلما كنت هيناً ليناً، رقيقاً راقياً، عفيف اللسان جابر للخواطر ومتقبل للآخر سيكتب الله على الأرض النجاة من ذلك الفخ الذي يهددها، وهو العنف الذي يترصدها ويتربص بإنجازاتها، وتلك دعوة أن نعتنق دين الحب وعقائد السلام ونتخلق بالرحمة التى فجرت الماء من قلب الحجر والمطر من رحم السماء، انبذ العنف من خُلقِك وعد مرة أخرى للأصل في خَلقِك وهو اعمار الأرض بالمحبة والسلام.