الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بعد رحيله.. كيف أنقذ يوسف زيدان بهاء طاهر من الموت في تركيا؟|تفاصيل

بهاء طاهر
بهاء طاهر

رحل عن عالمنا يوم الخميس الماضي الأديب الكاتب والروائي الكبير بهاء طاهر، بعد صراع مع المرض عن عمر يناهز 87 عامًا.

الدكتور يوسف زيدان حكى على صفحته الشخصية فيسبوك تفاصيل كثيرة جمعته بالكاتب الراحل بهاء طاهر وكتب:

عن "بهاء طاهر" الذي رحل عنا مساءَ أمس.. جزء من حوار صحفي نشرته قبل شهور جريدة الشروق، وأضفتُ الآن إليه فقرات لم تُنشر سابقًا:

بدأت معرفتى بالأستاذ "بهاء طاهر" أثناء وجوده فى أوروبا حيث استقر هناك سنوات طويلة، لكن أعماله كانت تطبع فى مصر، أعطانى انطباعًا عنه كمؤلف تم اضطهاده فى مصر، فهاجر منها. وتوهمتُ أنه مثل معظم جيل الستينيات تعرّض للاعتقال فى زمن حكم جمال عبدالناصر.

حزن بهاء طاهر 

وفى بداية التسعينيات، قلتُ ذلك لصديقى الناقد "سامى خشبة" فأجابنى ضاحكًا: بهاء طاهر لم يتم اعتقاله قط، فأثار ذلك استغرابى وسألته: لماذا يظهر هذا الحزن والأسى البالغ فى كتاباته؟

فقال لي ما معناه: لعلها صفة شخصية فيه.

بعد ذلك بسنوات، عاد بهاء طاهر من سويسرا ليستقر فى مصر من جديد، فحكيت له ما دار عنه من كلام مع سامي خشبة، فضحك.. سألته يومها: ما دمت لم تُعتقل، فلماذا تركت مصر؟ فقال بالعامية المصرية وهو لا يزال يضحك: مكنتش لاقى آكل.. ثم أضاف: مكنتش لاقي آكل، حرفيًا.

 

وتوطدت صلتى ببهاء طاهر وبأعماله عندما حصلنا فى عاميين متتاليين على جائزة البوكر (الجائزة العالمية للرواية العربية) حيث حصل عليها فى العام 2008 عن روايته «واحة الغروب»، وحصلت فى السنة التالية على الجائزة برواية «عزازيل».. وكانت هذه هى المرة الأخيرة التى يفوز بالجائزة، كاتب مصرى.

وهذه الصورة التى تجمعنا معًا، كانت يوم حصولى على الجائزة حيث أصر أن تكون الرواية بين يدى، ونحن نلتقط الصورة على منصة استلام الجائزة.

 

وفى طريق رجوعنا إلى مصر، بعد استلامي الجائزة، قلت لبهاء طاهر: إننى أريد منزلًا بالقاهرة لأن التردد عليها باستمرار دون وجود منزل، هو أمر مزعج ومتعب، فاقترح علىّ أن أسكن بعمارةٍ مجاورة لبيته فى حى الزمالك، فكان ذلك سببا فى أننا صرنا جيرانًا لسنواتٍ طويلة تزيد عن العشرة أعوام، كنا نلتقى خلالها كل مساء بمقهى صغير مجاور.

بهاء طاهر

وأثناء تلك السنوات جرت بيننا ذكريات جميلة، كان من بينها أننى عندما تم ترجمة "عزازيل" و"النبطى" إلى اللغة التركية، دعانى الناشر التركى إلى معرض أسطنبول للكتاب وطلبت مني إدارة المعرض هناك إلقاء المحاضرة الافتتاحية للمعرض في يومه الأول. وكان الأستاذ بهاء طاهر مدعوًّا للمناسبة ذاتها، من سفارتنا هناك. لكنه ظل طيلة اليوم الأول مقيما بالفندق القريب من ميدان «تقسيم» الشهير بأسطنبول.

إنقاذ بهاء طاهر من الموت في تركيا 

وفى اليوم الثالث للمعرض نزلتُ من الفندق صباحا، فوجدته واقفًا عند الباب، فطلبتُ منه أن يأتى معى للمعرض. قال: إنه غير متحمس لذلك، فهو لا يعرف اللغة التركية، وليست له أعمال مترجمة إليها، والطريق إلى المعرض بعيد.

سألته فماذا ستفعل إذن؟ قال سأذهب إلى قلب الميدان، وأجلس هناك مستمتعا بالشمس.. قلت له: سأقترح عليك أمرًا، الناشرُ التركى خصَّص لى خلال زيارتي، سيارة، فتعال معى وألق نظرة على المعرض، ووقتما تريد العودة للجلوس في شمس الميدان، فالسيارة ستكون معك.. تردد قليلا، فألححتُ عليه، فركب معى.

وبعد دقائق معدودات ما كادت السيارة خلالها تخرج من ميدان "تقسيم" منطلقة إلى المعرض، حتى وقع انفجار شديد، فى المكان الذى كان ذاهبًا ليجلس فيه فأصابه الذهول، وظل لعدة سنوات من بعدها، يقول مُمازحًا : يوسف زيدان أنقذنى من الموت.

مناقشات فردية

 

عشتُ مع بهاء طاهر ومؤلفاته زمنا طويلا مليئا باللحظات والساعات الجميلة، وطالما انهمكنا فى مناقشات فردية، تحاورنا خلالها فى الأدب والفلسفة والتاريخ .. ولم نختلف إلا فى أمر وحيد، كنا نتناقش فيه بمودة ومحبة. وهذا الاختلاف يتلخص فى أنه (ناصرى) وعاشق لجمال عبدالناصر، وأنا على العكس منه.

حكيتُ له مرةً، أنني سألتُ الأستاذ "نجيب محفوظ" عما بقي بذاكرته من الفلاسفة، بعد خمسين سنة من دراسته للفلسفة في جامعة القاهرة، فقال: ديكارت، ثم استدرك على نفسه وقال: لا، كانط .

فقال لي بهاء طاهر، بعدما ابتسم : طبعًا، وأنا كثيرًا ما أُفكر في العبارة التي وضعها "كانط" على شاهد قبره من قبل أن يُدفن فيه.. كان بهاء طاهر يقصد عبارة: السماء المزدانة بالنجوم فوقي، والقانون الأخلاقي في باطني

بهاء طاهر

وذات مرة، اتصل بي من المقهى عصرًا ليدعوني للجلوس معه، فقلت له: بعد ساعة ريثما انتهي من كتابة مقالتي الأسبوعية بجريدة المصري اليوم، وبعد دقيقتين من المكالمة، اتصلت بي صديقة لي وسألتني عن بهاء طاهر لأنها تحب أن تقابله، وهي الآن بالزمالك. فقلتُ لها إنه جالس الآن على المقهى، فمرّت عليه والتقطت معه صورة وأرسلتها إليَّ، وهي امرأة جميلة وأنيقة ..فلما نزلتُ إليه، قال لي ممازحًا ما نصُّه: كنت تيجي من ربع ساعة تشوف الجميلة اللي اتصوّرت معايا.. فأخرجت له الصورة من تليفوني، وقلتُ: تقصد هذه، فظلَّ مندهشًا حتى أشفقتُ عليه من الحيرة، وحكيتُ له عما جرى.

وفى العامين الأخيرين اشتد المرض على الأستاذ بهاء طاهر فكان يأتى إلى منزلي المجاور لمنزله، بمشقة، وكنت أزوره كثيرا حتى اشتد عليه المرض بالشهور الأخيرة، فانقطعت تماما جلساتنا الجميلة.

ومساء أمس، رحل..