الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصر قلب إفريقيا

نهال علام
نهال علام

إنها حكاية بدأت مع التاريخ، فصول رواية جاءت من أجل التأريخ، أمة غنية حد الاجتهاد في افقارها، وشعوب عفية بالدرجة التي تسيل لعاب مستعمريها لاستغلال تلك القدرة البدنية لأبناء القارة الذهبية.

 

قارة سمراء، لا يكثر فيها وجود الأمراء، فقد خضعت منذ فجر الإنسانية لسطوة وسيطرة البغضاء، سنوات متعاقبة وخيرات إفريقيا متسربة في خطى ثابتة دون مقاومة رادعة إلا في بعض الدول القادرة على استعادة مكانتها واستعارة سلاح مستعمريها لمجابهة ظلاميتهم وأنانيتهم.

 

القارة التابعة، وفي مطامع الغرب والشرق تائهة، لا يقيم صلبها إلا فِتات تُلقى لها وهي في الأصل من خير أرضها، شعوب ساكنة بفعل المرض والجوع والفقر، أقصى طموحها بعد تفريغ أحلامها الحد الأدنى من الدواء والغذاء والكساء، وفي تلك الأثناء تنكب الإمبريالية الاستعمارية على السياسات التي تستكمل مسيرة طموحاتها وثرواتها غير الشرعية.

 

وتلك الحالة العامة لشعوب القارة التي تعاني من الغمة، انعكست بالبعد النفسي على الشركاء في ذات القارة، فلن ننتهج سياسة النعام فلنكاشف ونصارح بما اعتمل في أنفسنا على مدار سنوات، وليغفر الله لنا فنحن أنام، نخطئ ونتوب ولكن حري بنا أن نعترف بالذنوب التي كانت كائنة في عقولنا.

 

نعم عشنا سنوات طويلة نحن المصريون ذوي الحضارة العريقة بداخلنا شعور بالخجل من انتمائنا للقارة الفقيرة، وتبع ذلك تجاهلاً فطرياً أو تغافلاً عمدياً لتلك الهوية التي هي أحد أعمدة الشخصية المصرية القائمة على التعددية والكوزموبولتانية، ولا مجال للشك أن رسم الهوية الوطنية والشخصية المجتمعية به مسؤولية حكومية ووعي يعول عليه للإرادة السياسية، وهو ما كان غائبًا على مدى عقود متتالية ولم يتغير الوضع إلا في الثمان سنوات الأخيرة كرؤية واضحة للقيادة المستنيرة.

 

تلك القيادة السياسية ذات الملامح الشخصية التي انعكست على الكثير من الأمور الحياتية، الإحساس بالمسؤولية المجتمعية فتجسد ذلك في المبادرة الرئاسية لحياة أكثر إنسانية وهي حياة كريمة التي أعادت الحياة لثلثي الشعب المصري، وأيضاً من الملامح الرئيسية في شخصية الرئيس هي سمة جبر الخواطر والتي فاضت على كل من عانى سنوات من التهميش ولم تمكنهم الكثرة العددية من إيجاد إطار لهم خارج خانة الأقلية، نساء وشباب، ذوي الهمم أو الفقراء ذلك عصر رعاية ذهبية أولاها لهم الرئيس من باب الإيمان بحقوقهم والتصديق على حرمانهم من متطلباتهم البديهية.

 

تضافرت تلك الصفات مجتمعة برباط الانتماء للهوية، والانغماس في جذور الشخصية المصرية، ليصب الرئيس اهتمامه على القارة الإفريقية كامتداد طبيعي لرؤيته التنموية وحرصه على الأصول المصرية العِرقية وإيمانه أن الجزء بالكل أقوى، وبالاتحاد قوة لا تُهزم وله إرادة لا تُعصَف.

 

في عام ٢٠١٩ ترأست مصر الاتحاد الإفريقي وجاءت تلك المسؤولية في اطار التكليف المشرف وليس التشريف المزيف، ولم تخذل مصر اشقائها الأفارقة في كل المناحي فعلى مدار سنوات السيسي كان كل عام بمثابة طوبة في حائط العلاقات وخطوة على طريق أهداف القارة الواحدة.

 

ففي عام ٢٠١٤ شارك الرئيس فيفى قمتى الاتحاد الأفريقى بغينيا الاستوائية وأديس أبابا كما شارك فى أعمال الدورة العادية ال٢٣ لقمة الاتحاد الإفريقي، وفي العام التالي كان له اسهامات فاعلة في اجتماعات القمة الأفريقية بدورتها  الرابعة والعشرين، وجاء عام ٢٠١٦ كعام تتويج الثقة في الرؤية السياسية والتي فازت فيه مصر بعضوية مجلس الأمن عن إفريقيا لمدة عامين، وبالفعل في عام ٢٠١٧ تم تفعيل عضوية مصر بمجلس السلم والأمن الإفريقي.

 

أما في عام ٢٠١٩ فازت مصر برئاسة الاتحاد الإفريقي، وفي العام الذي يسبقه شاركت مصر فى الدورة الواحدة والثلاثين لقمة الاتحاد الإفريقي فى العاصمة الموريتانية، مدت مصر يد المساعدة لأشقاء القارة بكل وسيلة ممكنة ففي عام ٢٠٢٠ تم إرسال مساعدات عاجلة إلى ٣٠دولة إفريقية ، أما العام الذي يليه قامت مصر بتوقيع ٤ اتفاقيات تعاون عسكرى ودفاعى مع السودان وبوروندى وأوغندا وكينيا، بالإضافة إلى تدريبات عسكرية مشتركة مع السودان مما أدى لفوز مصر بأغلبية ساحقة بعضوية مجلس الأمن والسلم الإفريقي حتى ٢٠٢٢، العام الذي شهد اهتماماً وتنفيذاً لمشاريع الربط الكهربائى على أولوية الأجندة المصرية فى عدد من الدول الإفريقية.

 

وجاء سد جوليوس نيريري على نهر الروفيجي بتنزانيا، الذي شهدنا افتتاحية ملئه بحضور وزير الخارجية المصري سامح شكري ممثلا عن رئيس الجمهورية والدولة المصرية، التي حملت الأمانة وصدقت العهد مع اشقائها، بتكلفة تقارب ٣ مليارات دولار  في إطار الدعم المصري لدعم الأحلام التنزانية ومساعدتها في مشروعاتها التنموية.

 

ومن المؤكد أن أيضاً القاهرة ستحقق عدة مكاسب منها تعزيز مفهوم التعاون والتنمية بين الدول الإفريقية بشكل عام، وتعزيز التعاون المباشر بين مصر وتنزانيا بشكل خاص في مجالات الطاقة والمياه حيث سيولد السد طاقة تقدر ٢١١٥ ميجاوات بسعة تخزينية تصل ٤٣مليار متر مكعب، مما يبشِر أنها ستكون خطوة واحدة ضمن خطوات أخرى ذات آفاق أرحب.

 

ومن أكبر المكتسبات المحققة هي الخبرة والسمعة الرنانة التي حازت عليها الشركات المصرية في مجال تدشين السدود لتوليد الطاقة، وخاصة أن تنزانيا واحدة من أهم دول حوض نهر النيل حيث تمتلك 49% من بحيرة فيكتوريا. 


المشروع أيضاً سيعود بمصر إلى مكانتها الإفريقية في ظل تسابق العالم للسيطرة على دول إفريقيا، كما جاء أبلغ رد على الأكاذيب المفندة أن مصر لا تريد التنمية للقارة السمراء.

 

دور مصر التاريخي وجذورها الانتمائية للقارة الإفريقية كان واضحاً في طلب الرئيس اسقاط الديون أو مبادلتها لدول القارة أثناء القمة الأمريكية الإفريقية ، وتجلت تلك الرؤية في مؤتمر المناخ والذي تحدثت فيه مصر باسم القارة وكانت خير رسول لأمنياتها العادلة وأحلامها المشروعة، وبالفعل للمرة الأولى يتم النظر لمشاكل القارة بمشاعر حارة وتمويل يفتح الباب لرياح التغيير.

 

ومازال طموح القيادة المصرية وروح الإصرار على ما فيه منفعة للقارة، هو رهان القارة الحقيقي لمستقبل مشرق ولائق بمواردها البكر التي تنبض أراضيها ب٤٠٪؜ من مخزون الذهب العالمي، و٩٠٪؜ من البلاتينيوم، وهي القارة القادرة أن تكون سلة غذاء العالم فبها أكبر بحيرات عذبة في هذا العالم.

 

مليار ونصف شخص على سطحها مما يجعلها سوق واعد أكثر من ٦٠٪؜ من تعدادها من الشباب مما يجعل من المتوقع أن نجمها يجب أن يكون صاعد، في تلك الصفحة الجديدة ذات الرؤية الموحدة أن زمن التبعية قد ولّ ووقت الشراكة قد حلّ، فقط تكلل الأمنيات بالمساعي الدؤوبة والرؤى الثاقبة، وهذا ما تقدمه مصر لإفريقيا على أرض الواقع، ويشهد على ذلك ما اتسعت له السطور وما تحدثت به المشاعِر فالمبادرات الرئاسية الرائدة للدعم الصحي وتمكين المرأة وتغيير الحياة للكريمة، هي اليوم تجارب حقيقية تبثها مصر لأشقائها الأفارقة مكللة بالدعم والنصح والمشورة، ومتوجة بخطوات التنفيذ الواعدة، حتى نحيا جميعاً على متن القارة حياة تليق بها وبنا.