الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الذاكرة والتاريخ

كريمة أبو العينين
كريمة أبو العينين

استوقفتني تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، وهو يتحدث عن رغبة قوية فى ان يقوم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بزيارة هذا العام الى فرنسا . 

ويبدو ان إيمانويل يريد ان يماطل الجزائريين المطالبين باعتذار رسمي من فرنسا على احتلالها للجزائر لعقود عديدة ؛ واغتيال اكثر من مليوني مواطن ، فقد أوضح ماكرون فى تصريحاته ان الاعتذار فى هذه المرحلة يعنى ان نلتقى ويسلم بعضنا على بعض ويذهب كل منا بعدها الى حال سبيله ، وهو أي ماكرون يريد بناء علاقات فرنسية جزائرية لا تلتفت الى الماضي السحيق ولكنها تنظر بحب وتسامح الى المستقبل القادم .

ومن بين ما قاله الرئيس الفرنسي وخاض فيه فى تصريحاته ما أسماه بالذاكرة والتاريخ فقد قال انه لا يطلب من الجزائريين الصفح عن احتلال فرنسا  لبلادهم ؛ ولكنه يتطلع الى قدوم الرئيس تبون الى باريس هذا العام ، وبحث ملف الذاكرة والمصالحة ؛ وبناء جسر جديد من العمل المشترك بين فرنسا والجزائر .

ومضى فى تصريحاته قائلا :ان أسوأ ما يمكن ان يحصل ان نقول (نحن نعتذر ويذهب كل منا فى حال سبيله ) لان عمل الذاكرة والتاريخ ليس مجرد تصفية حسابات ؛ ولكنه عكس ذلك تماما ،  انه اعتراف بأن فى طيات ذلك أموراً لا تفهم ، أموراً لا توصف ، أموراً لا تبرهن ، أموراً ربما لا تغتفر . 

ويبدو ان الرئيس الفرنسي يعلم تمام العلم ان الجزائريين لن يتنازلوا قيد أنملة عن حقهم فى الاعتذار  ؛ وما يتبعه من تعويضات،  وتنازلات فرنسية عما اقترفته قوات الاحتلال الفرنسي فى بلاد المليونى شهيد ، فقد سعى فى تصريحاته الى محاولة استعطاف الجزائر رئيسا وشعبا فقال فى نفس التصريحات ان مسألة الاعتذار الفرنسي عن احتلال الجزائر (١٨٣٠-١٩٦٢) سيظل فى صميم العلاقات الثنائية والتوترات الثابتة بين البلدين .واستشهد ماكرون  على حسن نواياه بزيارته السابقة للجزائر والتى لم يرحب بها المواطنون الجزائريون ونددوا بفرنسا وما فعلته في الشعب الجزائري طوال فترة الاحتلال البغيض .

وفى نهاية تصريحاته أوضح الرئيس الفرنسي انه يتمنى ان تحتفل بلاده هذا العام بزيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ؛ وإجراء محادثات تتركز على ما اسماها إيمانويل بفتح ملف صداقة غير مسبوق . هذه التصريحات جعلتنى أتذكر عندما كنت مدعوة مع مجموعة من الزملاء الإعلاميين من منطقة شمال افريقيا للمشاركة فى دورة إعلامية فى مدينة مارسيليا الفرنسية ؛  وحين وصولنا وكان معى زميلان جزائريان هما عبد الحميد وايمان وصرحا لى بيقين وثقة ان الأعوام القادمة ستشهد ضم مارسيليا الى الجزائر ، وعندما أردت التوضيح مع ما أراه من وجود جزائري كبير بل تكاد تكون ولاية مارسيليا معظمها مواطنين جزائريين يحملون جنسية فرنسية ، كان تأكيد عبد الحميد وايمان ان هذه خطة جزائرية لاحتلال مارسيليا ردا على احتلال فرنسا لبلادهم ، وأكد لى الإعلامي المجتهد عبد الحميد ان بلاده ستطالب بتعويضات عن الاحتلال وعن سرقة موارد الجزائر الطبيعية واهمها الحديد المشيد به برج ايفل الشهير . 

هذه الروح التى عشتها مع هذين الوطنيين شهدتها منذ شهر حينما اتاحت لى ندوة عن الهجرة برعاية أوربية ان يكون من بين الزملاء اعلاميين جزائريين هما سالم وعبد الغنى ؛ وبنفس الروح الوطنية والعزيمة على مواصلة طريق أخذ الحق من المحتل الفرنسي ؛ كان حديث سالم وعبد الغنى اللذين كان كلامهما ممزوج بالوطنية المفرطة والقوة الثابتة . 

أيام قضيتها فى تونس كنت استمع وأراقب كل لفظة يتفوه بها عبد الغنى وسالم عن بلديهما وعن فرنسا ؛ وأدركت ان الجزائريين لم ولن ينسوا عقود الألم ومرارة ان تصبح غريبا فى بلدك ؛ وان ترى خيرات بلادك تنهب امام عينك ؛ وتحرم منها وانت من زرعتها ورؤيتها بدمائك ، لم تكن أيام دورة الهجرة التى احتضنتها دولة تونس وشارك فيها اعلاميين من بلادي مصر ولبنان وتونس والجزائر سوى استكمالا لتأكيدات استبقها اخوة جزائريين خلال دورة مارسيليا بأنهم لم ولن يطووا صفحة الماضي البغيض ؛ الا باعتذار فرنسي وتعويضات وتنازلات يقولون بها للعالم كله ان بلد المليوني شهيد دولة حق ولا يستطيع أيا كان ان يسلبها حقها ، وأيضا لابد ان يسطر القلم ان الاعتذار والتعويض الفرنسي هو حق مشروع لكل جزائري ؛ وليس مجرد ماديات لان الجزائر دولة غنية وبها من الموارد والمزايا ما يجعلها فى غنى عن أية ماديات ؛ ولكن المطالبة بالاعتذار بمثابة  جملة آتية من قلب التاريخ ؛ تمسح دموع وآهات احفاد جميلة بو حريد وبوتفليقة وكتيبة لاتعد  ولا تحصى من أبناء وطن ثار وانتصر ونفض عن ثوبه الأبيض سواد محتل وبقايا ظلم ودولة ظالمة .