الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فضيحة لـ أوروبا.. الباب الخلفي يدمر العقوبات الغربية على النفط الروسي

 الباب الخلفي يدمر
الباب الخلفي يدمر العقوبات الغربية على النفط الروسي

"إنه باب كبير، يشمل لوبي كبير من دول وشركات عالمية، وتجار ومصانع ووسطاء، وفي النهاية أصبحت أوروبا في فضيحة" ... هذا هو وضع أوروبا مع العقوبات  التي تفرضها  على روسيا منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، في ظل الواقع الحالي الذي يثبت أن روسيا لم تتأثر من تلك العقوبات مع استمرارها بفنس معدل الانتاج، ونفس معدل التصدير، والمفاجأة أن غالية تلك التصديرات تذهب إلى أوروبا .. وتلك هي القصة.

حفر الصراصير ليست مغلقة كلها

بعد إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن اعتماد أوروبا على النفط والغاز الروسي اصبح من التاريخ، خرج كبار المسؤولين الأوكرانيين ليهاجموا تلك التصريحات، موجهين حديثهم إلى أعضاء البرلمان الأوروبي والمطلعين على الصناعة، قائلين إن فصل التاريخ لا يزال قيد الكتابة، ولم ينتهى، وذلك في ظل تتدفق كميات كبيرة من الهيدروكربونات الروسية، وخاصة النفط ، إلى السوق الأوروبية، مما يكسب مدفوعات تمول آلة حرب فلاديمير بوتين.

وقال أوليغ أوستينكو، المستشار الاقتصادي للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وفق ما نشرته صحيفة "بولوتيكو" الأمريكية : "كان لدي صديق في نيويورك في التسعينيات من القرن الماضي اشتكى من أن الصراصير ستدخل شقته من خلال أي حفرة متاحة - وهذا ما تفعله روسيا بطاقتها، وعلينا إصلاح هذه الثغرات لمنع روسيا من تلقي هذه الدية التي يستخدمونها لتمويل الآلة العسكرية التي تدمر بلادنا وتقتل شعبنا.

هكذا يصعب تتبع النفط الخام

من المعروف أن النفط الخام يصعب تتبعه في الأسواق العالمية، حيث يمكن خلطه أو مزجه بسهولة مع الشحنات الأخرى في بلدان العبور، مما ينتج عنه بشكل فعال دفعة أكبر من النفط لا يمكن تحديد مصادرها، كما أن عملية التكرير، الضرورية لأي تصنيع عملي، تزيل أيضًا جميع آثار منشأ المواد الخام.

تضيف شبكة معقدة من شركات الشحن، تحمل أعلام ولايات قضائية خارجية غامضة، طبقة أخرى من الغموض، وقد اتُهم البعض بمساعدة روسيا في إخفاء منشأ صادراتها من الخام باستخدام مجموعة متنوعة من الوسائل.

"على عكس الغاز عبر خطوط الأنابيب، فإن سوق النفط عالمي" .. هكذا قال ميخائيل خودوركوفسكي، أحد منتقدي بوتين البارزين والرئيس التنفيذي السابق لشركة النفط والغاز العملاقة يوكوس وأضاف: "نتيجة الحظر هي زيادة كبيرة في تكاليف النقل الروسية، وإعادة توزيع كبيرة للدخل لصالح الوسطاء، وبعض الخصم الإضافي بسبب تضييق سوق المشترين".

الباب الخلفي

ومن المعروف أن الاتحاد الأوروبي حظر الوقود الأحفوري الروسي إلى حد كبير منذ غزو أوكرانيا في فبراير 2022، مع استثناءات لكميات محدودة من النفط الخام في خطوط الأنابيب ، وغاز الأنابيب ، والغاز الطبيعي المسال ، والمنتجات النفطية، لكن كميات كبيرة من النفط الخام الروسي - مصدر دخل أكبر من الغاز - لا يزال يتم شحنها إلى الأسواق العالمية، مما دفع بعض الخبراء إلى الشك في أنهم يجدون طريقهم إلى السوق الأوروبية عبر الباب الخلفي.

وقال سعد رحيم كبير الاقتصاديين في شركة ترافيجورا العالمية لتجارة السلع الأساسية: "منذ فرض العقوبات، ظلت أحجام النفط الخام الذي تصدره روسيا ثابتة إلى حد ما، ومن المحتمل أن النفط الروسي لا يزال يُباع إلى الاتحاد الأوروبي والدول الغربية عبر وسطاء".

بعد الحرب تضاعف النفط المستورد من روسيا 9 مرات

والهند هي ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم بعد الصين وأمريكا، وحتى بعد فرض العديد من الدول الغربية عقوبات اقتصادية على روسيا، فمازالت الهند تشتري النفط الخام من روسيا بكميات ضخمة وبأسعار ميسرة، والملفت للنظر أن الهند تعرضت لانتقادات شديدة في منتصف العام الماضي بعد أن علق العديد من الدول الغربية عن دعمها لروسيا بشكل غير مباشر بشراء نفطها.

وحينها دافع وزير الخارجية الهندي سوبراهمانيام جايشانكار، عن استيراد بلاده النفط من روسيا، قائلا إن "هناك حاجة إلى أن نكون منصفين"، وأضاف جايشانكار، في منتدى جلوبسيك 2022 في براتيسلافا عاصمة سلوفاكيا: "هل شراء الغاز الروسي لا يمول الحرب؟ الأموال والنفط الوحيدان اللذان يأتيان إلى الهند هما اللذان يمولان الحرب ولكن الغاز القادم إلى أوروبا لا يمول الحرب؟" وذلك في إشارة إلى شراء أوروبا الغاز الروسي.

عبر أذربيجان المتاخمة لها

وتقول الصحيفة الأمريكية، أن أحد الطرق المحتملة لوصول النفط إلى أوروبا هو عبر أذربيجان، المتاخمة لروسيا وهي نقطة الانطلاق لخط أنابيب باكو - تبليسي - جيهان (BTC)، الذي تديره شركة بريتيش بتروليوم، حيث يعتبر ميناء جيهان في تركيا مركز إمداد رئيسي يتم من خلاله شحن النفط الخام إلى أوروبا، كما تستقبل كميات كبيرة من العراق عبر خط انابيب كركوك - جيهان.

وقد أثار فرانسوا بيلامي، عضو البرلمان الأوروبي وعضو لجنة البرلمان الأوروبي للصناعة والبحوث والطاقة، شكوكًا حول هذا المسار في سؤال أخير إلى المفوضية، وتشير البيانات إلى أن أذربيجان صدرت 242 ألف برميل يوميًا أكثر مما أنتجت بين أبريل ويوليو من العام الماضي، كما قال إن هذا هامش كبير على الإنتاج المحلي، والذي بلغ 648 ألف برميل يوميًا الشهر الماضي وهو في تراجع طويل الأجل.

وتسائل بيلامي: "كيف يمكن لدولة أن تخفض إنتاجها وتزيد صادراتها في نفس الوقت؟ .. هناك شيء غير متسق تمامًا في الأرقام وهذا التناقض يخلق شكوكًا في أنه يتم الالتفاف على العقوبات".

مبعوث خاص لسد الثغرات

قال متحدث باسم المفوضية الأوروبية، إنها تعمل على تضييق الخناق على الثغرات في أنظمة العقوبات وعينت سفير الاتحاد الأوروبي السابق لدى الولايات المتحدة، ديفيد أوسوليفان، مبعوثًا خاصًا مكلفًا بمعالجة التحايل، وأشار المسؤول أيضًا إلى أن البيانات التي استشهد بها بيلامي بشأن صفقات النفط الأذربيجانية، وهي أحدثها متاحة للجمهور، حدثت قبل دخول العقوبات حيز التنفيذ، لذا لا يوجد أي شك في التهرب من العقوبات هناك".

فيما قال أيخان حاجيزادا، المتحدث باسم وزارة الخارجية في البلاد ، إن أذربيجان لا تصدر النفط الروسي إلى الاتحاد الأوروبي عبر خط أنابيب BTC، مضيفًا أنه بينما تواصل أذربيجان استخدام كل النفط غير الخاضع للعقوبات بغض النظر عن المصدر، فإنها تظل ملتزمة بإجراء عمليات التوريد والتجارة بأقصى قدر من العناية والاجتهاد ، بما يتماشى مع القوانين واللوائح ذات الصلة ".

في الوقت نفسه ، ضاعفت تركيا وارداتها المباشرة من النفط الروسي العام الماضي ورفضت فرض عقوبات على الخام الروسي على الرغم من تقديم الدعم العسكري والإنساني لأوكرانيا في الوقت نفسه.

حذر المركز الفنلندي لأبحاث الطاقة والهواء النظيف (CREA) في أواخر العام الماضي من أن طريقًا جديدًا للنفط الروسي إلى الاتحاد الأوروبي آخذ في الظهور عبر تركيا، وهي وجهة متنامية للنفط الخام الروسي، حيث يتم تكريره إلى منتجات نفطية لا تخضع للعقوبات وبيعها.

تورط شركات عالمية .. قانوني ولكن ليس أخلاقي

وحول تلك الأزمة، قال أوستنكو، مستشار زيلينسكي: "لدينا أدلة كافية على أن بعض الشركات العالمية تشتري منتجات مصفاة مصنوعة من النفط الروسي وتبيعها إلى أوروبا، فإن ما بحدث قانوني تمامًا، لكنه غير أخلاقي تمامًا. لمجرد أنه مسموح به لا يعني أننا لسنا بحاجة إلى فعل أي شيء حيال ذلك ".

وقد أصدرت منظمة غلوبال ويتنس البريطانية غير الحكومية تقريراً أظهر أن النفط الروسي يباع باستمرار بأسعار تتجاوز بكثير الحد الأقصى البالغ 60 دولاراً الذي فرضته دول مجموعة السبع في ديسمبر من العام الماضي، وقالت ماي روزنر الناشطة التي عملت على التقرير: "حقيقة استمرار تدفق النفط الروسي حول العالم هي سمة وليست خطأ من العقوبات الغربية، وقد عرضت الحكومات على صناعة الوقود الأحفوري بابًا خلفيًا مفتوحًا على مصراعيها، ويستغل تجار السلع وشركات النفط الكبرى هذه الثغرات لمواصلة العمل كالمعتاد".