الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. هادي التونسي يكتب: ميلان.. حكاية خارج روتين الحياة

هادي التونسي - طبيب
هادي التونسي - طبيب وسفير سابق

كانت الحرارة حول الصفر في كروماو في جمهورية التشكيك. بعد جولة في المدينة, ذهبت لتناول الغذاء في مطعم بجوار الجسر لأستمتع بمشهد النهر وخرير المياه. ثم جلست في التراس ملتحفا بعدة طبقات من الملابس الثقيلة تغطي كل جسمي ما عدا اليدين والوجه؛ لكني شعرت بالبرد يتسلل إلي جسمي ومفاصلي.

 

ميلان كان واقفا بجواري بملابس اقل سمكا يبيع الشوكولاته الساخنة و النبيذ الساخن, و ينادي علي السياح المارين بلغاتهم الألمانية والروسية والإنجليزية. كان مجرد وقوفه يجعلني اشعر بقشعريرة البرد. تجاذبنا اطراف الحديث. ميلان يعمل واقفا 12 ساعة يوميا 4 ايام في الأسبوع. من العاشرة صباحا حتي العاشرة مساء بما في ذلك الشتاء الذي تتراوح حرارته في كروماو بين 10 الي 20 تحت الصفر, و تصل الي ناقص 30 في التلال الاعلي حيث يقطن في قرية تبعد نصف ساعة بالمواصلات. اغلب الوقت هو في التراس المكشوف خارج المطعم. متزوج من ناظرة مدرسة تسافر يوميا  الي براج التي تبعد ساعتين و نصف في كل من رحلتي الذهاب و العودة تستيقظ في الرابعة صباحا و تعود للمنزل بين السادسة مساء و الحادية عشرة . ميلان عمره 52عاما , . له بنت تعمل في مكتبة ببراج و تذاكر لشهادة الدكتوراه بالاضافة لتعلم الإنجليزية.


السؤال هو كم منا واسرته مستعد للعمل طوال تلك الساعات سواء كان رجلا ام امرأة؟ كم منا مستعد لتحمل درجات البرودة القاسية واقفا ام مسافرا؟ كم منا مستعد للعيش و العمل في تلك الظروف؟.. لكن السؤال لا يحتاج اجابة, فالاجابة هي الفرق بين مدننا و مدنهم, بين دخولنا و دخولهم, بين مستوي الخدمات و السلع عندنا و عندهم, بين تعليم و تدريب الفرد عندنا و عندهم. ميلان بروحه الايجابية و ابتسامته الودودة في الصقيع درس لي قبل ان ان يكون درسا لاخرين... بعضنا ثائر علي أحواله، و ربما يتصور الهجرة حلا، لكن الثورة لا تكتمل دون عمل.