الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نضج فن القصة خلال عهد الدولة الوسطى الفرعونية.. حكاية الملك خوفو والسحرة

بردية الملك خوفو
بردية الملك خوفو والسحرة

تدل القصص التي وصلت إلينا من عهد الدولة الوسطى على نضج فن القصة المصري وبلوغه ذروته في عهد هذه الدولة، وإن كان قد أخذ في الهبوط بعد ذلك، كما أن سائر ألوان الأدب التي تُنسب إلى هذه الدولة كاملة النمو أيضًا،  فأدب الدولة الوسطى جاءنا كالشعر الجاهلي محكم النسج راقي المعنى، تام النمو؛ فلا بد أنه بدأ مثله بمحاولات ناقصة أخذت ترقى وتتم على مر الزمان.

والمتتبع لتاريخ القصة في الأدب المصري القديم لا يرى أمامه أي مثال للقصة في الدولة القديمة ولا ما سبقها من العهود، وإن كانت ظواهر الأحوال وإشارات «متون الأهرام» تدلنا على أنه كانت هناك أساطير وأقاصيص عن الآلهة يرجع عهدها إلى ما قبل التاريخ، وإذا عرفنا أن عهد الدولة القديمة بين الأسرة الرابعة والسادسة عهد ازدهار في العلم والفن من رياضة وطب، وعمارة، ونحت وتلوين ما ترددنا في أن نقطع بأنه كان للأدب أيضًا في عهد الدولة القديمة  شأن كبير، ونتاول خلال الأسطر التالية نموذج لإحدى هذه القصص في عهد الدولة الوسطى.

 

قصة الملك خوفو والسحرة 

 

عندما تقرأ هذه القصة تلمس في أسلوبها والغرض منها روح قصص «ألف ليلة وليلة»، فهي سلسلة من القصص تُعتبر الأولى من نوعها، قد صيغت باللغة المصرية الحديثة التي ساد استعمالها في عهد الدولة الحديثة، وبقيت اللغة الرسمية للبلاد إلى أمد بعيد من ألف السنة الأولى قبل الميلاد، وأظهر مميزات هذه اللغة الجديدة اختفاء الضمير المتصل الذي كنَّا نجده في اللغة القديمة يحتل آخر الكلمة، فمثلا كلمة «بيتي» كانت تُكتب في اللغة القديمة كلمة واحدة ولكنها في اللغة الحديثة أصبحت تُكتب كلمتين: الضمير ويُوضع في أول الكلمة، والكلمة نفسها وتأتي بعد ذلك، كما في اللغات الأوروبية. يضاف إلى ذلك اختفاء بعض صيغ قديمة، واستحداث عدد عظيم من الأدوات لم تكن موجودة من قبل، ولا يفوتنا أن هذه اللغة الحديثة لم تصر اللغة الرسمية للبلاد إلا بعد مائتي سنة على ظهور قصتنا، وذلك في عهد الفرعون «إخناتون»؛ حيث أخذت اللغة القديمة تتوارى وتختفي. 

تلخيص أحداث قصة خوفو والسحرة

 

جمع خوفو باني الهرم الأكبر  أولاده يومًا، وطلب أن يقص عليه كلٌّ منهم قصة غريبة تتناول السحر ومعجزاته فيما مضى من الدهور، فأخذوا يتناولون الحديث، إلى أن قام أحدهم وذكر قصة عن ساحر مازال  على قيد الحياة يأتي بخوارق الأمور، وأحضره فعلا أمام الملك، فبعث الحياة مرة ثانية إلى حيوانات فصلت رءوسها عن أجسادها، فلما رأى الملك قدرته على إحياء الموتى طلب أن يعرف منه عدد أقفال معبد الإله «تحوت»، فاعتذر بأنه لا يعرف عددها، وإن كان يعرف مكانها، وأن رجلا واحدا هو الذي يستطيع الإتيان بها للملك، وهذا الرجل لم يُولد بعد، ولا يزال مع أخويه في بطن أمه، و وقد قدر لأولادها الثلاثة أن يحكموا ثلاثة أجيال فهلع قلب الملك خوفو» لما سمع من كلام الساحر؛ خشيةً على ملكه أن يتوارثه غير أبنائه، فسأل الساحر مرة أخرى عن موعد ولادة هؤلاء الإخوة الثلاثة، فأجابه الساحر، ومن ثُمَّ شغل بأمر الكاهنة وأخذ يترقب ولادتها، وظهر أثناء ذلك بعض المعجزات السحرية سيراها القارئ في متن القصة. كاهنة وهي «رع». 

 

تناول القصة 

 

تتميز في هذه القصة مرحلتان متباينتان:

الأولى ما سرده أولاد الملك من قصص السحرة، والثانية ما حكت أمر الأطفال الثلاثة الذين سينتقل إليهم زمام الأمر في البلاد.

ووصل المؤلف بين المرحلتين بإقحام البحث عن مفاتيح الإله «تحوت» رب العلم والسحر ليخلق بذلك مناسبة لذكر الأطفال الثلاثة الذين أسسوا - بعد أن شبوا  - الأسرة الخامسة.

وتُعبر  هذه القصة عن  وحدة متماسكة الأجزاء، كان الغرض منها أولا تسلية الملك وإدخال السرور على قلبه، وانتهت في مرحلتها الأخيرة بالدعاية لملوك الأسرة الجديدة وأنهم من نسل «رع»، ولذلك أسَّسَ كلٌّ منهم معبدا للشمس قائما بذاته، وهي في جملتها تمجيد لفن السحر، وحرب على الرذائل الخلقية، فالزانية فيها قد أُحرقت، والزاني أُلقي طعامًا للتمساح ويمكننا أن نلقي ضوءاً على نهاية القصة الغامضة، فنقول بأغلب الظن: إن مساعي الملك لقتل هؤلاء الأطفال لم تنجح، فشبوا وترعرعوا ونصبوا ملوكا متتابعين.