الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عبد السلام فاروق يكتب: 3 قمم وثلاثة رسائل

عبد السلام فاروق
عبد السلام فاروق

العالم يتغير من حولنا..ونحن أيضاً.. وينبغى لنا أن نتفهم هذا التغير ونستوعب تداعياته..
 ففى تزامن عجيب تنعقد ثلاثة قمم عالمية كل منها له دلالته العميقة وتأثيراته المستقبلية..أولها القمة العربية فى جدة، وثانيها قمة هيروشيما للدول السبع الكبار، وثالثها قمة شيان بالصين التى تجمع التنين الصينى بدول آسيا الوسطى.. وفى كل هذه القمم هناك رسائل وإشارات لا يمكن التغافل عنها..وفى تزامنها دلالة أخرى تجعلنا نفكر فى الخيط الخفى الذى استطاع جمعها معاً فى وقت واحد رغم البون الشاسع بينها وبين مكوناتها وأهدافها.


 وفى خلفية  التغيرات الإقليمية والعالمية، هناك مشهد مصري يتطور هو الآخر وينبئ عن قفزات قادمة سواء فى الشأن الاقتصادى أو السياسي، وليس ما حدث فى الحوار الوطنى والمشروعات المفتتحة وعلى رأسها طفرة القمح وبُشري اتساع الرقعة الزراعية فى موسم الحصاد.


قمم ورسائل


 المفاجأة الكبري التى حدثت فى القمة العربية بدورتها الثانية والثلاثين برعاية المملكة العربية السعودية، هى حضور رئيس أوكرانيا فلوديمير زيلينيسكى لهذه القمة..وما تنطوى عليه تلك الزيارة من دلالات وما تبعثه من رسائل أولها أن السعودية باتت بالفعل ذات دور إقليمى بارز فى حل القضايا والنزاعات العالمية لا العربية فحسب.. ولا يغيب عنا المشهد القريب حينما استطاعت وساطة السعودية بين روسيا وأوكرانيا فى الإفراج عن بعض الأسرى الأجانب من لدن الطرف الروسي، وما فعلته السعودية وتفعله اليوم فى توفيق الأوضاع بين طرفى النزاع فى السودان، وكيف أنها تمكنت من تحقيق هدنة طويلة تمكنت خلالها من إجلاء الآلاف من رعاياها ورعايا دول أخرى عبر ميناء بورتسودان وميناء جدة. ما يعنى أن المملكة العربية السعودية باتت لها يد طولى فى المنطقة، وأنها صارت تحظى بثقة الغرب والعرب معاً!


 رحلة زيلينيسكى سوف تستمر ليلحق بركب قمة مجموعة السبع كمشارك رئيسي فى هذه القمة برعاية أمريكية؛ والسبب أن أوكرانيا تمثل ملفاً أساسياً من ملفات النقاش بقمة هيروشيما..تلك القمة التى تحولت من قمة اقتصادية خالصة إلى قمة متعددة الأهداف السياسية منها والاقتصادية بل والعسكرية! بدليل أن الملف الذى يتربع على قمة أهداف القمة الحالية هو تمدد النفوذ الصينى..


 لهذا السبب جاءت قمة شيان الصينية كقمة مضادة، وكردة فعل فورية تجاه قمة الدول السبع الكبري.. تلك القمة الأخيرة التى انعقدت فى مدينة شيان العاصمة السابقة للإمبراطورية الصينية وأولى محطات طريق الحرير القديم..الغريب فى الأمر أن تلك القمة لم تضم دولاً كبري ولا نصف كبري، بل هى مجموعة دول صغيرة متواضعة التأثير، ورغم ذلك اعتبرت تلك الخطوة من أقوى الردود على قمة الدول السبع الكبري؛ إذ أنها ضمت جميع دول آسيا الوسطى التى كانت يوماً تقع تحت مظلة الاتحاد السوفيتى قبل انهياره، فى رسالة واضحة لأمريكا والغرب أن الصين حاضرة فى المشهد الروسي الأوكرانى بقوة!

التحولات الإقليمية.. وقمة جدة
اختتمت القمة العربية الثانية والثلاثون أعمالها على مستوى القادة أمس الجمعة، وأعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اعتماد القرارات الصادرة عن القمة ومشروع جدول الأعمال و"إعلان جدة".والذى أكد في كلمته أمام القمة، على عدم السماح بأن تتحول المنطقة العربية إلى منطقة صراعات، وشدد على محورية القضية الفلسطينية،كما أعرب عن أمله في أن تسهم عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية في دعم أمنها، مُرحبا بحضور الرئيس السوري بشار الأسد.كما رحب بتوقيع طرفي النزاع في السودان على إعلان جدة، وقال إنه يأمل أن يقود ذلك إلى وقف دائم لإطلاق النار في السودان.


 إنها مجرد سويعات قليلة من اجتماع القادة العرب معاً كانت كافية لتحقيق مكاسب جمة على عدة أصعدة..هناك مكتسبات تحققت للجميع وإن كان بعض القادة فضلوا عدم الحضور ..
الحق أن هذه القمة جاءت فى وقت ضرورى وحيوى لجمع شمل الشأن العربي المشتت والمنقسم..وهو ما يبرز دور المملكة العربية السعودية كرمانة الميزان فى حل المشكلات العربية وجمع الشتات.


 أضف إلى هذا أن حضور الرئيس الفلسطينى فى أعقاب هدنة بين قطاع غزة المكلوم وبين دولة الاحتلال الإسرائيلى، وفى ذكرى مرور 75 عاماً على ذلك الاحتلال الغاشم، كان بمثابة رسالة قوية مفادها أن السعودية تقف فى صف القضية الفلسطينية ضد موجات التطبيع المتزايدة فى المنطقة.. وهو الأمر الذى سيؤسس لقواعد جديدة فى العلاقات العربية الإسرائيلية، والعلاقات العربية العربية..

المشهد المصري.. وقمة جدة


 الأسبوع الماضى شهد عدة أحداث محلية ذات أهمية كبري، وقد اختتمت بمشهد القمة العربية..
وقد جاءت كلمة الرئيس السيسي فى القمة لتعيد التأكيد على أهمية توحيد كلمة العرب ضد كل ما يحاك لها من مكائد، وما يحيط بها من تحديات..وأيضاً على ضرورة التخلص من التبعية والاعتمادية على قوى خارجية لا تهتم بمصالح العرب وإنما مصالحها الخاصة..لهذا ربطت الكلمة بين تحولات المشهد العربي وبين الموقف العالمى تجاهها، وكيف أن المؤسسات الدولية وفى قمتها مؤسسات التمويل لم يعد لها ذات الاهتمام بواقع العالم العربي والنامى..وأن حالة الاستقطاب الدولى باتت تهدد منظومة العولمة وتكرس لتطبيق المعايير المزدوجة فى تطبيق القانون .


 إنه حوار عربي مشترك جدير بالاحترام، جاء فى أعقاب حوار آخر سبقه فى الداخل بين مكونات المجتمع المصرى فيما سمى بالحوار الوطنى..ذلك الحوار الذى يشبه إلى حد كبير فى جوهره ومغزاه ما حدث بالأمس فى القمة العربية؛ إذ أنه بات يمثل أداة لجمع الشتات الحزبى والقومى فى بوتقة واحدة، ونافذة مفتوحة يمكن من خلالها حل مشكلات ومعضلات مزمنة قائمة تمس الحالة المصرية بشتى قضاياها متعددة الاتجاهات..الاجتماعى منها والاقتصادى والسياسي.