الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نهال علام تكتب: مسارات التنمية الحقيقية

نهال علام
نهال علام

إذا أردت تتبُع أداء مؤسسة الرئاسة ونشاط السيد الرئيس، فهذا أمر بالفعل عويص، فكلما بدأت في كتابة بعض السطور في وصف الكثير من الحبور الذي أشعر به ويشعر به كل مصري عندما نجد اسم مصر يعلو بإعزاز أي في محفل إقليمي أو عربي أو دولي ومع كل افتتاح لمشروع قومي، إذ بي أبدأ من جديد، فمع كل جرة قلم يكون الرئيس قد خطا ألف ألف قَدَم.

فلو تحدثنا عن مصر في سبعة أيام نبدأها بالقمة العربية في جدة، شهدنا فيهم الحفاوة العربية بالدولة المصرية، وذلك ما انعكس في الاجتماعات الثنائية على هامش القمة، وجاءت كلمة الرئيس التي لخصت وأوجزت الواقع العربي بوضعه الحقيقي دون تزييف الحقائق أو تغليف الوقائع. 

ومن أبرز ما جاء في الكلمة: "لقد مرت منطقتنا خلال السنوات الأخيرة بظروف استثنائية قاسية هددت على نحو غير مسبوق، أمن وسلامة شعوبنا العربية وأثارت في نفوس ملايين العرب القلق الشديد، على الحاضر.. ومن المستقبل".

وربما كانت كلمة الرئيس هى نقطة الارتكاز الذي خرج منه البيان النهائي للقمة ليؤكد وضوح رؤية الدولة المصرية التي ترفض التصعيد الإسرائيلي والتدخل الدولي في الشأن السوداني وضرورة وحدة الصف العربي، لذا كانت عودة الدولة السورية للجامعة العربية برعاية الدولة المصرية، فكما كان الأمر يوماً بعد العدوان الثلاثي وقصف إذاعة صوت العرب، وأبت الأمة العربية أن تغيب هنا القاهرة من سماواتها، هكذا أبت أيضاً القاهرة اليوم ألا تكون دمشق حاضرة حتى لا تتفاقم الأزمة الراهنة بدولة عربية منبوذة ومزيد من ابناء العروبة في يأس وكرب وعوزة.

ثم جاءت زيارة سلطان عمان الملك المعظم هيثم بن طارق وهي الأولى منذ توليه سُدة الحكم في 2020، وقد سبق الرئيس بالزيارة في يونيو من العام الماضي، وهي زيارة لافتة نتلمس فيها الروابط التاريخية الممتدة ليس فقط على مدار النصف قرن الماضية منذ تولى السلطان قابوس عليه رحمة الله،  والذي تبرع بنصف أجور العاملين في الدولة العمانية للقيادة المصرية كدعم لحرب أكتوبر وتضامنا مع العبور العظيم، ولكن يسبق ذلك آلاف السنوات منذ أن كانت الملكة حتشبسوت ترسل السفن التجارية للأراضي العمانية لجلب الصمغ العربي والبخور لتعطير المعابد والقصور، ولن ننسى دور السلطنة التي كانت داعمة لثورة 30 يونيو وحاضرة في حفل تنصيب الرئيس، وعلى رأس الحضور في حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، واليوم تراهن العلاقات على تناغمها وتكاملها، ففي عام 2022 زادت الاستثمارات العمانية في مصر بنسبة 100%  وعلى صعيد التبادل التجاري فالزيادة 64.4% وتلك الأرقام تعبر على الزيادة عن العام الذي يسبقه.

جاءت زيارة السلطان هيثم محملة بسبعين مذكرة تفاهم في جميع الأصعدة السياسية والتجارية والعسكرية، خاصة في مجال الأمن البحري المتعلق بسواحل البحر الأحمر.

اختتم السلطان زيارته للعاصمة الإدارية الجديدة وذلك أمر هام وله دلالته، فالدولة المصرية تقدم عاصمتها الجديدة التي توضح فيها رؤيتها للجمهورية الجديدة.

ومن القاهرة لشرم الشيخ واستضافة رائدة لاجتماعات بنك التنمية الأفريقي، لتؤكد به مصر خطاها المتسقة في دعم دول القارة الأفريقية لتتجاوز مشكلاتها الجذرية من استغلال مواردها البِكر دون تنمية حقيقية تعود على تلك الدول، كما تؤكد فيها مصر مسيرتها الفاعلة في مجالات الطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر ومواجهة آثار التغيرات المناخية التي دفعت القارة فاتورتها دون أن تشارك في صناعة مغبتها، فحجم الانبعاثات الغازية من دول القارة أجمع لا يتجاوز 6%، وكما جاء في كلمة الرئيس في افتتاح الاجتماع 58 للبنك الأفريقي أن تقديرات المخاطر المرتبطة بالجفاف فقط فى دول القارة الإفريقية، أدت إلى خسائر تجاوزت قيمتها 70 مليار دولار، فضلا عن تسببها فى خفض نمو الإنتاجية الزراعية للقارة بنحو 34% وتقدر الاحتياجات التمويلية لمواجهة الانعكاسات السلبية للتغيرات المناخية فى أفريقيا، بنحو 3 تريليونات دولار، حتى عام 2030.

كما أكد الرئيس حجم بعض الاحتياجات التمويلية لدول القارة الأفريقية طبقاً لتقديرات الأمم المتحدة، وبنك التنمية الأفريقى، ومن أبرزها 200 مليار دولار لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، و144 مليار دولار لمعالجة الآثار السلبية لجائحة "كوفيد-19" ، بالإضافة إلى 108 مليارات دولار لتمويل مشروعات تهيئة ورفع مستوى البنية التحتية، ودعني أوضح لك أن تلك الأرقام هي احتياجات سنوية، وعلى دول القارة بمساعدة بنك التنمية الأفريقي ايجاد التمويل والحلول لتوفيرها، لذا انطلاقاً من كلمة الرئيس كان هذا هو الإطار التوضيحي الذي يفسر لنا ما نحن بصدد تداعياته إن لم نتصدى لتأثيراته.

ومن مدينة السلام لمدينة أخرى بها العمل لا يهدأ ولا ينام، وهي العين السخنة وافتتاح مجمع مصانع انتاج الكوارتز الذي تسبب صرحه في كيد اللئام، وهي نقلة نوعية في استغلال الثروات المعدنية المصرية، فمن تصدير الكوارتز كمادة خام مردودها الاقتصادي لا ليقيم ظهر قاطرة التنمية التي تسعى إليها الدولة، إلى إنشاء أول صرح في الشرق الأوسط وأفريقيا لتصديره في صورته النهائية كمنتج تام الصنع، ما يعني أن حصيلة العملات الأجنبية ستتضاعف عشرات المرات، وهذا تغيير حقيقي تشهده الدولة لأول مرة وهو التنمية التعدينية.  

يتكون الكوارتز  من جزء واحد من السيليكون وجزءين من الأكسجين، ويعد من أكثر المعادن وفرة على الأرض وأيضاً الأعلى طلباً، لأنه يدخل في صناعات عديدة مثل الأجهزة الطبية والبصرية والمجوهرات والزجاج والساعات، أيضاً هو مكون هام في صناعة المواد الحرارية وأسطح المطابخ، كما يعد عنصراً أساسياً في صناعات السكك الحديدية والمواد اللاصقة والسيراميك والإلكترونيات وغيرها وذلك يعني أن الأسواق مستعدة لاستقباله قبل انتاجه، خاصة الكوارتز المصري الذي تتميز به جبال مرسي علم والذي يبلغ نقاؤه 98.8%؜ وهي من أعلى نسب النقاء العالمية.

وليس هذا كل ما في جراب العين السخنة، ففي ذات الوقت وقعت شركة تيدا - مصر لتنمية المنطقة الاقتصادية بالعين السخنة اتفاقيات استثمارية بما يتجاوز النصف مليار دولار في مشروعات البتروكيماويات والصودا الكاوية وغيرها بما يوفر آلافا من فرص العمل المباشرة، وها هو الرئيس يجعلني أضيف لسطور المقال إنجازا جديدا بمشاركته المتميزة عبر تقنية الفيديو كونفرانس، في قمة مجلس السلم والأمن الأفريقي، التي انعقدت لبحث الأزمة الراهنة في السودان، وذلك بحضور عدد من رؤساء الدول والحكومات الأفارقة، مؤكداً فى هذا الإطار الأهمية القصوى للتنسيق الوثيق مع دول الجوار لحلحلة الأزمة بالسودان باعتبارها الأكثر تأثراً بها، والأكثر حرصاً على إنهائها فى أسرع وقت.

وأكد الرئيس أن جهود مصر من أجل إنهاء الأزمة الحالية في السودان تتكامل مع مختلف المسارات الإقليمية ذات الصلة، بما فيها الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، كما أنها تستند إلى عدد من المحددات والثوابت، أبرزها ضرورة التوصل لوقف شامل ومستدام لإطلاق النار؛ ووجوب الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية فى السودان، التي تعد الضمانة الأساسية لحماية الدولة من خطر الانهيار؛ ومن أبرز ما جاء في كلمته تأطير الأزمة في سياقها الطبيعي دون تهوين ولا تهويل، وذلك بوصفه أن النزاع فى السودان يخص الأشقاء السودانيين أنفسهم، وتحديد دور الأطراف الإقليمية إنما هو مساعدتهم على إيقافه، ووضح أهمية التوافق حول حل الأسباب التي أدت إليه فى المقام الأول.

مِصر دولة شابة، ليس فقط لأن أكثر من نصف سكانها في سن الشباب، ولكن أيضاً لأن الله قدّرَ لها ذلك التمييز فحباها ببحرين ونيل وبحيرات وسلاسل جبال ومحميات طبيعية وثروات تعدينية وصحراء غنية ومصادر طاقة متجددة، وحضارة لم تعرف مثيلها البشرية، تحفل بالعقول الواعدة والسواعد العاملة، وكل الإمكانيات التي تؤهلها لأن تحقق المكانة التي تستحقها، إرادة سياسية وأمنيات شعبية، كل ما يتطلبه الأمر هو يقين بأن الغد يحمل الأفضل لأننا اليوم على الطريق الصحيح، وهنا يجب أن انتهى من المقال اليوم وليس غد، فلقد استنفدت عدد السطور المتاحة وعليها الكثير من عشمي في الإتاحة، وليسامحني القارئ الكريم ورئيس التحرير للإطالة، ولكن ذلك ما كان إلا وصف سريع لمصر في 7 أيام، وما لم نحكه من خطوات نحو مستقبل مشرق أكثر بكثير.