الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إبراهيم شعبان يكتب: أحداث فرنسا.. وقفة عاقلة وسط موتورين

صدى البلد

الكتابة عن أعمال الشغب والنهب والعنف في فرنسا عقب مقتل شاب جزائري، هو نائل المرزوقي 17 عاما على يد شرطي فرنسي، بعدما استوقفه في أحد الإشارات المرورية بسبب السرعة الزائدة، وحاول تشغيل السيارة والهروب من الشرطة بعد استيقافه كتابة ممزوجة بالقلق والاتهامات.

 

فلو انتصرت للقانون والدولة الفرنسية، وخصوصا إنها أحالت الشرطي المتسبب في واقعة القتل، ومنذ الأسبوع الماضي للمحاكمة بتهمة القتل العمد وهذه لها عقوبتها في القانون الفرنسي، فإن الاتهامات الجاهزة على الفور، عند الغوغاء إنك تدافع عن الغرب والفرنسيين الذين أساؤوا للمسلمين، وللنبي محمد من قبل عبر رسومات مجلة شارلي ابدو، وإنك تدافع عن الفرنسيين أحفاد المستعمرين القدامى، ومثل هذه الخزعبلات التي لا مناسبتها ولا وقتها ولا حدث يخصها.


ولو انتصرت للاحتجاجات والفوضى التي تضرب فرنسا والضواحي، على مدى عدة أيام، وأدت لنهب عشرات المحلات والمتاجر وحرق مئات السيارات وممتلكات عامة، وأعمال إجرامية واسعة، فإنك ستكسب حتما رضى مواقع التواصل الاجتماعي، الجزائرية والمغاربية بالخصوص، التي تدافع بحرارة وحقد عن حرق فرنسا ومناصرة الاحتجاجات العنيفة في باريس والضواحي.


ولكن لا هذا ولا ذاك، فالانتصار للحق فضيلة ورفض العنف والهمجية وأعمال الغوغاء، سمة المتحضرين سواء كانا يعيشون في فرنسا أو في أفريقيا والبلاد النامية وشمال افريقيا.


وبوضوح تام:- 
-ما يحدث من أعمال نهب وحرق في فرنسا والعديد من مناطق الضواحي والاستغلال الأبشع لمقتل المراهق الجزائري، أعمال إجرامية مقيتة قولا واحدا. وفي الوقت الذي أرفض فيه حرق باريس فأنا أرفض أيضا حرق أي عاصمة عربية، بنيران الفوضى والغوغاء.
-إحالة الشرطي الفرنسي القاتل للمحاكمة، وفتح تحقيق نعرف جميعنا، إنه سكون نزيها في دولة مثل فرنسا تنتصر للقانون. كان كافيا لاطفاء نار الاحتجاجات في مهدها. ثم إنه كان من الممكن استغلال الحادثة، بطريقة أكثر ذكاءا وعبر أليات حزبية وسياسية ونقابية لها مكانها في فرنسا، تفيد عشرات الآلاف من المهاجرين العرب في فرنسا والغرب بصفة عامة، وتعمل على تحسين أحوالهم، والتي هى قطعا أفضل من الظروف في بلادهم والا ما كانوا قاموا بالهجرة لفرنسا أو لرجعوا أدراجهم إلى اوطانهم مرة ثانية.
-لا أعلم سر هذا الخلط والحقد، بين حدث مرفوض وجريمة قتل سافرة، بقيام شرطي فرنسي بقتل شاب ذو أوصول جزائرية، حاول الهرب من الشرطة بعدما استوقفته بسبب سرعته الكبيرة، وخطر ذلك على حياة المارة وفق الشهادات والروايات بالحادث، وبين استرجاع كل مكنون الاستعمار والكراهية ضد فرنسا؟!
-فرنسا دولة متقدمة، والغرب ومنذ عدة قرون استطاع أن يشق طريقا مميزا لحضارته، وأن تتغير فيه السلطة عبر آليات ديمقراطية نزيهة، وأن يكون صوت الناخبين الفرنسيين في كل مكان وزمان، هو من يأتي بنظام سياسي ويزيح آخر، وأي مطلب سياسي يمكن وضعه على هذه الطاولة أو عبر هذه الآليات.
-أعجبني ما قاله الكاتب السعودي الكبير، عبد الرحمن الراشد، أن ضعف السلطة يغري من شاءت له نفسه أن يتجاوز القانون، مهما كان موضوعه أو قضيته أو لونه، أو رغبته سواء في الانتقام أو النهب أو الفوضى. فالسلطات الفرنسية، اعتقلت الشرطي ووُجهت تهمة القتل العمد إليه، لكن مع ذلك فإنها كانت الشرارة التي أشعلت المظاهرات، واستمرت رغم اعتقاله. مضيفا: أن فرنسا لها نظامها وآلياتها، تتيح لمدعي المظلومية أن يترافعوا إليها. وخارج التحكيم، فوق ذلك، فإن بمقدور الفرنسيين دعم مطالبهم عند الانتخابات. وللمهاجرين الشرعيين، مثل بقية الفرنسيين، التعبير بالإضراب عن العمل، والتظاهر السلمي. في حين أن الفوضى والعنف والاقتصاص باليد، عمل إجرامي يرسخ لدائرة من العنف والعنف المضاد، وهو كلام عقلاني ومستنير.
-ما يجري في فرنسا، ليس له علاقة بحق نائل الجزائري، وليس له علاقة بالاحتجاجات رفضا لمقتله ولن أسمع لدعاوى غوغائيين، تنتصر للنهب والسرقة وحرق البيوت والمتاجر والمؤسسات بدعوى التعبير عن الغضب.
لنتعلم آليات الاحتجاج والتعبير السلمي عن مطالبنا، لكن حرق فرنسا أو حرق غيرها من العواصم والمدن تحت دعوى التظاهرات ضد الشرطة، وأكرر والتي بالفعل أحالت عنصرها المدان للمحاكمة "مزايدة رخيصة"، وقد تكون لها تداعيات سياسية فيما بعد، من جانب نواب أو برلمانيين فرنسيين أو غيرهم، قد يرون أن ما حدث تجاوز من جانب المهاجرين في حق وطنهم – وعندهم حق- وقد يدفع ذلك لاتخاذ قرارات صعبة.


وأخيرا.. نحلم بالديمقراطية وبآليات المحاكمة والحساب والعقاب في بلادنا النامية، وحقدنا على تجارب الآخرين وبلادهم وأحوالهم، لن يغير أحوالنا. كما أن استغلال خطأ وجريمة، وإلباسه على كل تاريخ فرنسا قديما وحديثًا عبث حقيقي، وهراء لا يستحق الرد. ولا يجب خلط الحابل بالنابل في قضية واضحة تماما  وجريمة فردية ضد مهاجر جزائري.