الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نهال علام تكتب: العالم علمين

نهال علام
نهال علام

يأتي الصيف محملاً بصباحاته الكسولة، ولفحاته النهارية الحارة ونسائمه الليلية اللطيفة، الليل في مصر طوال العام له طبيعة خاصة وبالأخص في القاهرة الساهرة، التي لا مكان فيها للأرواح الحائرة، فالنهار في كل العالم هو الحياة ولكن في مصر الليل هو جنة تلك الحياة، لذا لا عجب أن تحتل مصر مكانة مميزة لا ينازعها عليها رفاهية أوروبا ولا بذخ الخليج ولا الطبيعة الشرق آسيوية، فمصر في كفة والعالم بجماله الطبيعي والمصنوع في كفة، إنها مصر بلد الكشري أبو دقة والحضارة التي تنطق بالأصالة والرقة والمشي على كورنيش نيلها يستحق النقر على الدفوف وكأنها زفة.

وأجمل ما في مصر تعدد البقاع الموسمية، في الشتاء الاتجاه جنوبا صوب الأقصر وأسوان مرورا بالغردقة ومنها شرقاً لشرم الشيخ وشمالاً لبورسعيد، ثم منها للقاهرة، أما صيفاً لسنوات طويلة لم يكن هناك إلا الإسكندرية ومرسى مطروح ورأس البر وجمصة وبلطيم ومنها للقاهرة أيضاً.

لكن احقاقاً للحق فكفة الشتاء في مصر كوجهة سياحية عالمية ليست متكافئة مع كفتها الصيفية، حتى مع التوسعات التي شهدها الساحل الشمالي على مدى السنوات الماضية، يظل الصيف تجربة محلية يصعب اعتمادها كوجهة عالمية، أساسها العشرة الطويلة والارتباط النفسي بالأرض الأصيلة، وهو ما لا يسهم في صناعة سياحة دائمة، فقط بعض ذكريات نفسية مترسبة في قلوب بذلك متعلقة، تدين بالوفاء والولاء لأيام تتمسك بمطاردتها لاستعادة بعضاً مما كان، وهذا بالطبع رهان لا ينطوي على الاستدامة المتنامية لصناعة متقدمة، وإنما بمفهوم يشبه العمالة اليومية التي تتكل على سياسة الرزق يحب الخفية وذلك منهج يخلق العشوائية.

اشتهرت مصر في التسعينيات وأوائل الالفينات بليالي التلفزيون التي كانت تقام صيفاً على المسرح الروماني في مارينا وقاعة المؤتمرات شتاء، واعتاد أن يستضيف نجوم الفن من مصر والعالم العربي، ولسنوات طويلة أصيبت الفكرة بما أصاب مصر من تأخر وعطب إثر أحداث يناير وما تلاها من فدائح، فتوقف ركاب المدائح، ولأن الأفكار كالفراشات تطير لتتلمس النور والزهرات، ذهبت الفكرة لدول مجاورة، اقامت عليها فكرة سلم الوصول للعالمية وطرق أبواب السياحة الدولية وتخلصت عن طريقها من تهم الجمود والرجعية، ووصم التأثيرات القبلية والصحراوية، وأصبحنا نحن أصحاب الفكرة مجرد ذكرى.

عادت مصر تسابق الزمن لتلحق ما فاتها وتسبق ما يقدر لها، تتعامل مع كل الملفات التي طال إهمالها بفعل الزمن وتلك التي لم يمهلنا الزمن لنواكبها، فمسرح مارينا ومسرح قاعة المؤتمرات لم يعد قبلة جاذبة مهما حاولنا تطويره، والساحل بامتداد قراه وتوسعاتها التي بلغت قرابة محافظة مطروح، وعلى حداثة طرازها المعماري وروعة تصميمها الإنشائي ولكنها حكرًا على أصحابها، ليست بقعة مدروسة يمكن الترويج لها والاعتماد على أثرها كدخل قومي ملموس، فقط تصلح لإدارة مطعم وقهوتين وعلى أقصى تقدير هايبر ماركت وصيدلية.

لذا جاءت فكرة إنشاء مدينة العلمين الجديدة فكرة صائبة تسابق الزمن لنجني خيراتها فنحن لا نملك رفاهية الوقت، من حيث انتهينا انطلق الأخرون بميزانيات ضخمة وإمكانيات مفتوحة، لذا ليس من المقبول أن نقف مكتوفي الأيدي وكان يجب أن يكون هناك تدخل آني وفوري وسيادي لاتمام الأمر.

ففي الأول من مارس عام ٢٠١٨ أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قراراً جمهورياً بإنشاء مدينة العلمين،على مساحة 48 ألف فدان ومُخطط لها أن تستوعب٢ مليون نسمة للإقامة فيها وتستقبل ٤ مليون زائر، بدأت المرحلة الأولى هذا العام بالتخطيط والاستعداد الفعلي لاستقبال مليون سائح.

المدينة مكونة من ثلاث شرائح إسكانية، شريحتين سياحيتين استثماريتين أحدهما تقع على ساحل البحر المتوسط وأخرى جنوب طريق اسكندرية مطروح الدولي أما الشريحة الثالثة فهي المنطقة التاريخية والأثرية بمقابر العلمين، وبدأ اكتمال الوحدات السكنية  واليوم يوجد في منطقة الداون تاون 40 عمارة سكنية بما يتجاوز 1300 وحدة أي قرابة 6الاف فرد نواة تعلن الإذن بجاهزية انطلاق الحلم.

أما الجزء التجاري والسياحي بدأ في استقبال الجمهور من العام الماضي، المطاعم والمول والممشى الذي تم يقدم متنفساً حضارياً لعشاق الساحر الأزرق البحر المتوسط، زواره متعطشين لجمال مكنون وتاريخ مدفون حيث يتجلى في تلك البقعة عبقرية العطايا الجغرافية، بعد سنوات من الإهمال العمراني والتجاهل التاريخي.

انطلق مهرجان العلمين تحت شعار العالم علمين في نسخته الأولى التي ولدت كبيرة، ليكون الحدث الفني والسياحي والرياضي الأكبر في الشرق الأوسط، حفلات غنائية لأشهر نجوم الوطن العربي والغربي، مسابقات رياضية ربما بعضها نسمع عنه بشكل عام للمرة الأولى والبعض الأخر اقامته واستضافة فعالياته كان حلم بعيد الأجل، لذا تنظيم مصر لتلك المسابقات هو أمر جلل.

يضم مهرجان العلمين 12 نشاطًا ما بين الرياضي والترفيهي والفني والثقافي، ومن بينهم عرض أزياء عالمي يضم أفضل 10 مصممي أزياء في الوطن العربي، وتبدأ فعاليات المهرجان ببطولة لكرة القدم الشاطئية يشارك بها أكثر من 40 نجما من نجوم الرياضة على المستوى المحلي والأجنبي، كما سيقام سباق" تراياثلون"، مكون من 3 رياضات "السباحة - ركوب الدراجات - الجري" وجميعها ألعاب أوليمبية، وسيتم تنظيم بطولة دولية للبادل، وعروض للطائرات RC، وبطولة دولية للكرة الشاطئية، وسباق للسيارات، وتحدي جيتس كي، فضلا عن إقامة البطولة العربية  للجودو على هامش أحداث المهرجان.

العالم علمين.. ومصر في معية الله ليوم الدين، وذلك المهرجان الإبداعي الفريد الذي يضع مصر في قلب برامج السياحة العالمية لمدة أربعين ليلة من 13 يوليو وحتى 26 أغسطس في فترة يعلم كل العاملين في السياحة المصرية  أنها تشهد خمولاً نسبيا، حتي لو اشغالات الفنادق في شرم الشيخ والغردقة والإسكندرية عالية لكنها سياحة داخلية ونحن بحاجة للعملة الأجنبية، وذلك لن يأتي إلا بضخ دماء جديدة في خريطة السياحة ووجهات ونشاطات جاذبة وفريدة، فلقد منحنا الله هبة الطقس في تلك المنطقة حتى في أحلك ذروات الشتاء، موعد النوات معروف وباقي السنة الجو يليق بالضيوف.

يحكي أن.. شهادة ميلاد النجوم كانت تمنح عندما يولد جرمه في الدولة المصرية، فهي القبلة الشرعية لمولد النجومية، فلا يليق بمصر الجديدة أن تأتي في آخر الرَكب، وفاتورة العالمية باذخة ويجب دفعها إذا كانت النوايا لتنمية تلك الدولة صادقة، مليارات تم إنفاقها على تلك المدينة الساحرة ولكن مقابلها المادي والمعنوي مضمون، ويشهد على ذلك المبيعات العقارية الشبه نافدة بالرغم من أسعارها الباهظة وذلك بالطبع في المناطق السياحية وليست المناطق السكنية التي راعت الدولة ان تتناسب مع الطبقة المتوسطة، ولا شك أن السعر العقاري هو مؤشر اقتصادي لقيمة المكان الذي أصبح وجهة أجمل مما يمكن أن تتصوره في الأحلام، بعد أن كان مقبرة للألغام صار وجهة للإلهام، أربعون ليلة احتفالية احرص عزيزي القارئ ألا تفوتك تلك اللحظة الغير اعتيادية وهي ميلاد المهرجان في تلك البقعة التي كانت شبه منسية، ولا تتعلل بالأزمة الاقتصادية فالمشي على الممشى لن يكلفك إلا التخلص من الطاقة السلبية.