الاقتصاديون يُحدّدون ثالوث التحديات بعد عام من الثورة: تقليل عجز الموازنة.. ترشيد الدعم.. وامتصاص البطالة

عامٌ كامل مضى على الثورة غابت فيه للأسف الرؤية الاقتصادية فى عهد حكومتى الفريق أحمد شفيق والدكتور عصام شرف، وكان طبيعًا أن تتفاقم الأوضاع الاقتصادية سواء على مدى 10 أشهر كاملة وإن كان جزء من المسئولية يرجع إلى سوء إدارة المرحلة الانتقالية وعدم الإعلان والالتزام بخارطة طريق واضحة ومحددة، كان من شأنها أن تضع حدًا لحالة الترقب والقلق التى انتابت دوائر الاستثمار، فى هذا الإطار يرصد الاقتصاديون أبرز التحديات التى تواجه الاقتصاد والتى يمثل تراجع الاحتياطى الأجنبى لدى البنك المركزى أبرز مظاهرها بعد أن سجّل انخفاضًا بنحو 50 % بنهاية ديسمبر الماضى مقارنة بنفس الشهر من العام 2010.
الدكتورة ماجدة قنديل مستشار رئيس صندوق النقد الدولى السابق لمنطقة الشرق الاوسط ، والمدير التنفيذى للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية تحدد 4محاور اساسية لوقف تفاقم الاوضاع الاقتصادية والخروج من عنق الزجاجة خلال المرحلة الراهنة وحتى تولى الحكومة المنتخبة عقب انتخاب رئيس الجمهورية التى من اختصاصها وضع الخطة والسياسات متوسطة وطويلة الاجل .
ويأتى فى مقدمة هذه الاجراءات العاجلة اتخاذ التدابير والقرارات التى من شانها تقليل عجز الموازنة العامة الذى تزايد بشكل مخيف عن المستهدف والذى كان يدور حول 134 مليار بنسبة عجز 8.6 % ليصل مع بداية تولة حكومة الجنزوى الى نحو 182 مليار اى بلوغ نسبة العجز 11 % ، وبالتالى من المهم اتخاذ خطوات عاجلة لتقليل هذا العجز بما يسهم فى استعادة الثقة فى مؤشرات الاتصنيف الائتمانى الذى شهد تراجعا ملحوظا خلال الاشهرالثلاث الماضية ، من خلال استكمال ترشيد دعم الطاقة والاقدام على خطوة اخرى تستهدف ترشيد دعم الوقود بما لا يؤثر على محدودى الدخل بشكل تدريجى ، وذلك بعد القرار الذى بدأت الحكومة تنفيذه مع بداية العام بالغاء دعم الطاقة للصناعات كثيفة استخدام الطاقة.
توجيه جانب من هذا الاموال التى سيتم توفيرها لصالح سياسات التشغيل والتوظيف سواء من خلال دعوم انتاجية او حوافز للمشروعات الاستثمارية الجديدة فى بعض المناطق مثل الصعيد او سيناء ، الى جانب ضغط الانفاق الحكومى ، مع تعظيم الايرادات عن طريق زيادة الضريبة على السجائر ، وضرورة زيادة الرسوم الجمركية على السلع الترفيهية ، وكذا على السلع التى تنافس المنتج المحلى فى اطار ما تسمح به اتفاقية التجارة الدولية فى مثل هذه الظروف .
وترى قنديل انه لابد ان يتم اعادة النظرفى قضية الدعم بالكامل مع تولى حكومة منتخبة فى ظل المؤشرات الحالية التى تؤكد انه لاتحقق الغرض الاجتماعى او الاقتصادى حيث قفز رقم الدعم الى 157 مليار جنيه فى صورة دعوم استهلاكية تغذى انماط استهلاكية لصالح السلع المستوردة من جانب حيث تصل الدعوم السعرية الى 133 مليار جنيه ، ويذهب معظم الدعم لصالح الفئات الغنية فعلى سبيل المثال ان نصيب دعم الغذاء لا يتجاوز 18 مليار مقابل 100 مليار للطاقة والوقود ، وتشير الدراسات الى ان 75 % من دعم الطاقة يذهب لمى لا يستحقون الدعم ،
وان اغنى 20 % فى المجتمع يستحوذون على ثلث دعم الطاقة اى ان 33 مليار جنيه من دعم الطاقة تذهب لجيوب الاغنياء وهو مايزيد على اجمالى دعم السلع التموينية والصادرات وتنمية الصناعة واسكان محدودى الدخل ونقل الركاب والادوية والأمين الصحى ، حيث يصل اجمالى دعم القروض الميسرة 97 مليون جنيه ، ودعم الانتاج الصناعى لايتجاوز 400 مليون ، ودعم التأمين الصحى 422 مليون ، ودعم تنمية الصعيد 200 مليون ، ودعم اسكان محدودى الدخل 1.5 مليار جنيه ، ودعم نقل الركاب النقل العام 850 مليون ، ودعم الصادرات 2.5 مليار جنيه
وتتساءل : هل يحقق هذا الامر العدالة الاجتماعية ؟ او يسهم فى تحقيق طفرة اقتصادية ؟ بالتأكيد الامر يحتاج الى قرار سيادى كان النظام السابق غير قادر عليها ، ولكن الان بعد الثورة والانتخابات النزيهة اصبح واجبا لفك قيود الاقتصاد وتهيئة المناخ للانطلاق وتحقيق العدالة الاجتماعية التى قانت من اجلها الثورة .
المحور الثانى من وجهة نظر الدكتورة ماجدة قنديل ضمن الاجراءات العاجلة لوقف تفاقم الاوضاع الاقتصادية التجاه الى الاقتراض طويل الاجل وبتسهيلات من المؤسسات الدولية وتفعيل المساعدات والمنح التى اعلنت عنها الجهات والدول المانحة لمساندة مصر خلال المرحلة الانتقالية خاصة وان الفجوة التمويلية تصل الى 12 مليار دولار ، بما يسهم بقليل الاقتراض من الجهاز المصرفى فى ظل ارتفاع الدين المحلى العام بشكل كبير ، وكونه يحول دون اقراض المشروعات الاستثمارية ، حيث ان هذا الاقتراض لايسحب فقط من السيولة المحلية ، ولكن يعطى البنوك مبرر لعدم المخاطرة واقراض القطاع الخاص ، والدليل ان الائتمان المصرفى لم يشهد زيادة ، ونصف الودائع المصرفية تقريبا غير موظفة فى حين ان المعدل العالمى يصل الى 70 % ، والجزء الموظف من هذه الودائع مكدس فى السندات الحكومية واذون الخزانة ، ولعل هذا هوالسبب فى تخفيض التصنيف الائتمانى لبعض البنوك المصرية من جانب مؤسسات التصنيف الدولية .
المحور الثالث يتعلق بتعزيز الاستقرار الامنى وتهيئة المناخ السياسى والاقتصادجى من خلال الالتزام بالشفافية فى خطوات بناء المؤسسات الديمقراطية وخاصة انتخابات الرئاسة والدستور ، مع وضوح رؤية خطاب التيار الاسلامى فيما يتعلق ببعض القضايا الاقتصادية ، وخاصة السياحة ، ولعل من المناسب ان تحدد هذه القوى خاصة بعد ان فازت باغلبية مقاعد مجلس الشعب وترقب دوائر الاستثمار لرؤيتها ، تحدد مسئولين رسمييين متخصصيين للحديث فى الامور الاقتصادية ، بما يمنع اللبث ويتلاشى التأويلات التى قد يستخدمها البعض فى الخارج لمنع استقطاب الاستثمار الخارجى الى مصر خاصة وانه يمثل اهمية قوية لتحقيق معدلات التمنية المستهدفة لاستيعاب الداخلين الجدد الى سوق العمل سنويا الى جانب امتصاص جزء من مخزون البطالة التى وصلت الى حد خطير الان يزيد على 3.5 ملايين ، يستوجب الانتباه والحذر وسرعة اتخاذ التدابير للتعامل مع هذ الظاهرة ، الى جانب ضرورة تنشيط السياحة التى تمتلك فيها مصر مقومات كبيرة وهى التى تعتبر احد ان لم يكن اهم مصادر النقد الاجنبى ، الى جانب مولد مهم للوظائف .
المحور الرابع وفقا للدكتورة ماجدة قنديل يتمثل فى ضرورة اعطاء اولوية لتمنية المشروعات الصغيرة ، من خلال توفير التمويل عن طريق المساعدات والمنح الخارجية خاصة وان البنك الاوربى للتنمية والاعمار كان قد عرض تقديم 2 مليار يورو لمساندة مصر فى هذه المرحلة مليار منها لتنمية المشروعات الصغيرة واكد استعداده لتقديمها بشكل فورى ولكن بشرط وجود اطار مؤسسى فعال ويمتلك افعالية لسرعة توظيف هذا المبلغ ، بما يساعد هذه المشروعات على التواصل مع السوق وزيادة تنافسيتها الانتاجية وتاهيل العمالة والادارة على التسويق ، وتشير الى قدرة مصر على جذب مزيد من الاموال والمساعدات لهذا الغرض خاصة ان دول الاتحاد الاوروبى تدرك اهمية توفير فرص عمل لمواجهة البطالة ومعالجة الهجرة غير الشرعية ، ولكن بعد توفير الكيان المؤسسى المؤهل لاستخدام هذه الاموال بشكل يطمئن الجهات المانحة ، فضلا عن امكانية توظيف جزء من المدخرات المصرفية المكدسة لدى البنوك فى تمويل المشروعات الصغيرة .
على ان وطأة وتفاقم الاوضاع الاقتصادية لم يمنع قنديل من الكشف عن تفاؤلها بمستقبل مصر الاقتصادى ، وتستند لاشك وهى اقتصادية تتعامل مع الارقام ، الى مؤشرات واقعية ـ فى مقدمتها النتهاء من الانتخابات البرلمانية بشكل نزيه يؤشر الى بداية جيدة للبناء الديمقراطى ، وثانيا تحديد نهاية يونيو كحد اقصى لتسليم السلطة الى رئيس منتخب ، مجمل تصريحات القوى الاسلامية يعطى رسالة طمأنة للسوق والمؤسسات الاستثمارية فى الخارج ، وخاصة التاكيد على تبنى اقتصاد السوق الحر بما لا يجور على العدالة الاجتماعية ، ويحقق الشفافية ، واعطاء اولوية للقضاء على الفساد ، والاهم ايضا هو تواصل القوى الاسلامية مع القوى الليبرالية والتوافق على اعداد الدستور الذى سيمثل ذروة التفاؤل والرسالة القوية لدوائر الاستثمار .