في ظل تصاعد التوترات الأمنية في العاصمة الليبية طرابلس، وتزايد المخاوف الدولية من تداعيات الاشتباكات المسلحة على المدنيين، تتكثف المساعي الأممية بالتعاون مع الأطراف الليبية لاحتواء الأزمة وتثبيت الاستقرار.
وفي هذا الصدد، أعلنت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، الأحد، عن تشكيل لجنة هدنة بالتعاون مع المجلس الرئاسي الليبي، تهدف إلى تيسير وقف إطلاق النار في طرابلس.
وذكرت البعثة أن اللجنة ستعمل على حماية المدنيين ووضع ترتيبات أمنية دائمة للعاصمة، مشيدة بدور المجلس الرئاسي والتزامه بتهدئة الأوضاع ودعم جهود السلام.
وفي سياق متصل، أعرب أعضاء مجلس الأمن الدولي عن قلقهم العميق إزاء تصاعد العنف خلال الأيام الأخيرة في طرابلس، خاصة في ظل التقارير التي أشارت إلى سقوط ضحايا من المدنيين جراء الاشتباكات.
ودعا مجلس الأمن، في بيان صادر عن المكتب الإعلامي للبعثة الأممية، إلى التحرك العاجل لحماية المدنيين، والتأكيد على ضرورة محاسبة المسؤولين عن أي هجمات أو انتهاكات تمس حقوقهم وسلامتهم.
وفي هذا الصدد، يقول عبداللة نعمة، محلل سياسي لبناني، إن ما شهدته العاصمة الليبية طرابلس مؤخرا بعد سلسلة من الاشتباكات خلال الأسبوع الماضي، عقب مقتل عبد الغني الككلي قائد جهاز دعم الإستقرار، وصدور قرار من رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة بحل وإعادة هيكلة أجهزة أمنية.
وأضاف نعمة- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أنه هذا الصراع في طرابلس عكس نفوذ أمني وسياسي وسط مساعي حكومة الدبيبة لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية بدعم خطة اميريكية ومخاوف من انزلاق البلد لحرب أهلية جديدة، رغم عودة الهدوء إلى العاصمة الليبية طرابلس عقب اشتباكات عنيفة بين مجموعات مسلحة استمرت أياما.
وتابع: "وتم فتح مطار ها الدولي المنفذ الجوي الوحيد في العاصمة،كما يجب أن نعلم أن المشير خليفة حفتر لم يعد مكتفيا بالتحالف مع موسكو لتحقيق أهدافه في ليبيا، بل بات يناور بين روسيا وتركيا والولايات المتحدة ويخلق توازنا في منطقة مضطربة".
واختتم: "كما أن الانقسام السياسي بين حكومتين غربية وشرقية هو سبب
التوترات الأمنية، والحل الوحيد لتجنب البلاد ويلات هذا الصراع هو حوار سلمي شامل يضم كافة الأطراف".
والجدير بالذكر، أن تعكس هذه الخطوة الأممية الجديدة حرص المجتمع الدولي على إعادة الاستقرار إلى العاصمة الليبية، ومنع انزلاق الوضع إلى مزيد من العنف، وسط تطلعات الشعب الليبي إلى سلام دائم يضمن الأمن والعدالة لجميع المواطنين، وتبقى المسؤولية مشتركة بين الأطراف المحلية والدولية لإنجاح هذه المساعي وتحقيق مستقبل أكثر أمانا لليبيا.
ومن جانبه، أعلن المجلس الرئاسي الليبي، بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عن تشكيل لجنة هدنة جديدة بهدف ترسيخ حالة التهدئة "الهشة" التي تم التوصل إليها في العاصمة طرابلس الأسبوع الماضي. وتهدف هذه اللجنة إلى تيسير التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، مع التركيز على حماية المدنيين ووضع ترتيبات أمنية واضحة ومستقرة داخل العاصمة.
وعقدت اللجنة اجتماعها الأول اليوم، في خطوة تمثل انعكاسًا لرغبة المجلس الرئاسي في ضبط الأوضاع الميدانية والحيلولة دون تجدد المواجهات.
وتضم اللجنة في قيادتها رئيس الأركان العامة للجيش الليبي، اللواء محمد الحداد، ما يعكس مشاركة مؤسسات عسكرية عليا في جهود التهدئة، وتأكيد التزام مختلف الأطراف باحترام المبادئ القانونية والإنسانية الدولية.
من جانبها، رحبت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بتشكيل لجنة الهدنة ووصفتها بأنها "خطوة بالغة الأهمية"، مثنية على ما اعتبرته دورًا قياديًا للمجلس الرئاسي في نزع فتيل الأزمة.
كما جددت البعثة دعمها لجهود المجلس في التهدئة، مشيدة بالتزامه بإعادة الاستقرار وتجنب الانزلاق نحو تصعيد جديد، في وقت تشهد فيه العاصمة حالة توتر حذر منذ اشتباكات الأسبوع الماضي.
وأعادت البعثة الأممية التذكير بالمخاوف التي أبدها مجلس الأمن الدولي بشأن التقارير التي تحدثت عن سقوط ضحايا مدنيين خلال الاشتباكات الأخيرة، داعية إلى وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار. كما شددت على ضرورة محاسبة كل من تورط في الانتهاكات، سواء بعدم الالتزام بالهدنة أو بمخالفة القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.
في السياق ذاته، أكدت البعثة أنها تدعم كل الجهود المبذولة من الأطراف السياسية والعسكرية والاجتماعية من أجل الحفاظ على الهدنة واستمرار الحوار، محذّرة من مغبة العودة إلى العنف في العاصمة، لما له من تداعيات خطيرة على السلم الاجتماعي في ليبيا.