يسوّق رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، مجموعة من الأكاذيب الجديدة حول الوضع في غزة، زاعمًا أنهم لا يسعون إلى السيطرة عليه ككيان حاكم هناك، بل يريدون "تسليمها إلى قوات عربية" تضمن أمن إسرائيل، وتدير القطاع بشكل "صحيح"، وتوفر "حياة كريمة" لسكانه!
ما يقوله نتنياهو، لا يتعدى كونه طُعمًا يحاول تمريره إلى دول العالم، وحتى إلى الرأي العام الإسرائيلي، الذي يرفض فكرة احتلال غزة بالكامل، رغم أن الاحتلال يسيطر فعليًا حاليًا على نحو 75% من القطاع المحاصر. لذلك، يكذب نتنياهو مدّعيًا أن قواته ستدخل غزة لتحتلها مؤقتًا، بهدف إخراج حركة حماس وضمان هزيمتها، ثم الانسحاب بعد ذلك!
وهى كذبة لا تنطلي على طفل، هل يُعقل أن نتنياهو سيُسلّم غزة بعد إحكام السيطرة عليها؟ ولمن؟ لقوات عربية؟! لم يُحدد من هي تلك القوات، ولا توجد أي مؤشرات فعلية أو اتفاقات معلنة بشأن هويتها أو عددها. أي جيوش عربية ستقبل التورط في القطاع لتحرسه "خدمةً" لإسرائيل وضمانًا لأمنها؟!
تصريحات نتنياهو، تبدو كذبة مكشوفة حقيرة، هدفها تمرير خطة الاحتلال الكامل لغزة، والتضحية بمن تبقى من الرهائن الإسرائيليين لدى حماس، واستمرار الحرب لأطول فترة ممكنة، لتأجيل الانتخابات الإسرائيلية المقررة في 2026، وبقائه على رأس حكومة الاحتلال.
وعلى الرغم من التسليم الكامل بحق المقاومة الفلسطينية في التصدي للاحتلال وضربه وإيلامه، فإن الرد السياسي لحركة حماس حتى الآن يبدو مشجعًا لنتنياهو على مواصلة جرائمه. فالحركة، التي تؤكد تمسكها بالبقاء، لم تُظهر أي نية للخروج من المشهد. صحيح أنها أمّنت كوادرها داخل الأنفاق، لكنها فشلت تمامًا في تأمين حياة أكثر من 2 مليون فلسطيني، تُركوا فريسة للقتل والدمار والتجويع والانتقام الإسرائيلي بعد عملية 7 أكتوبر 2023.
ويبدو أن، قطاع غزة مقبل على جحيم أكبر، قد لا يتبقى منه شيء. كارثة الاحتلال الكامل ستكون وبالًا على الشعب الفلسطيني، كما ستكون وبالًا أيضًا على جنود الاحتلال، وهو ما حذر منه رئيس أركان جيش الاحتلال، إيال زامير بنفسه، ويرفض علنا حتى اللحظة فكرة الاحتلال الكامل للقطاع.
لكن الشعب الفلسطيني، وهو ما يهمّنا، سيدفع الثمن الأفدح، خصوصًا أن الاحتلال الكامل يبدو كمرحلة تمهيدية لما أعلنه نتنياهو صراحة: عن بدء عملية تهجير الفلسطينيين من القطاع خلال أسابيع، دون الإفصاح عن وجهتهم، أو الدول التي ستشارك في هذه الجريمة.
ويبقى الموقف المصري هو الأوضح والأقوى عربيًا. فمصر ترفض الإبادة، ومصر ترفض التهجير القسري للفلسطينيين، وترفض استمرار الحرب، وتواصل أداء دورها المحوري في جهود الوساطة. أما بقية الدول العربية، فقد اختفى بعضها من المشهد تمامًا، في حين البعض الآخر باع القضية.
جحيم غزة لا يعني أهلها فقط، بل هو قضية أمن قومي عربي يجري سحقه على يد الاحتلال، الذي ينفذ مشاريعه بلا رادع. كل ذلك يحدث دون أن تهتز جفون كثير من العواصم العربية، وكأن غزة تقع في كوكب آخر.
المطلوب اليوم.. ليس الدفاع عن أهالي غزة فقط، بل إفشال كل مشاريع الهيمنة الإسرائيلية – المدعومة بصمت وتواطؤ من إدارة ترامب – قبل أن نصل إلى لحظة الندم الجماعي، ونردد المقولة الشهيرة: "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض".
إبراهيم شعبان يكتب: جحيم احتلال غزة بالكامل يلوح في الأفق.. هذه أخطاره
