كشفت دراسة أعدتها النقابة العامة للعلاج الطبيعي، برئاسة الدكتور سامي سعد، عن أزمة تتعلق بزيادة أعداد الخريجين، وتضخم الكليات، وتدني جودة التعليم، مقابل سوق عمل عاجز عن الاستيعاب.
وأكدت نقابة العلاج الطبيعي، أن الدراسة ترسم ملامح أزمة حقيقية تهدد مستقبل المهنة، وتعرض بالأرقام والبيانات كيف يمكن أن يتحول الحلم بمستقبل مهني إلى كابوس بطالة وفوضى علاجية ما لم يتم التدخل العاجل من الجهات المعنية.
وأشارت نقابة العلاج الطبيعي، إلى أن جوهر الأزمة يكمن كما تفصله الدراسة، في الزيادة الهائلة والمفرطة في أعداد الكليات، فبوجود 85 كلية (28 حكومية و57 خاصة وأهلية)، بطاقة استيعابية تقديرية تصل إلى 32 ألف طالب جديد سنويا، يتحول الحلم بالتعليم إلى تهديد لسوق العمل، فيما تتوقع الدراسة أن يقفز العدد التراكمي لأخصائيي العلاج الطبيعي إلى 215,000 أخصائي بحلول عام 2030.
وأوضحت النقابة العامة، أن الوضع الصحي في مصر قد تغير، حيث بدأت الأمراض غير السارية والمزمنة في الانتشار بشكل كبير، وتستشهد الدراسة بتصنيف منظمة الصحة العالمية لعام 2000، الذي وضع النظام الصحي المصري في المركز 63 من أصل 191 دولة.
سوق العلاج الطبيعي
كما ذكرت أن إنفاق مصر على الرعاية الصحية يتجاوز 10% من الميزانية، لكنه يظل أقل من العديد من دول العالم، مما يضع ضغطا على النظام الصحي.
وأكدت أنه لتحقيق أهداف رؤية 2030 في قطاع العلاج الطبيعي، تعدد الدراسة مجموعة من الأهداف الفرعية الضرورية، مثل زيادة أعداد الكوادر الطبية والتمريضية والفنية لتصل إلى معيار موحد لكل 1000 نسمة، وتطبيق قانون التأمين الصحي الشامل، وتفعيل التحول الرقمي، لافتة إلى أنه بينما كان المعدل في مصر أقل من واحد أخصائي لكل 10 آلاف مواطن في 2015، وصل الآن إلى 8.5 لكل 10 آلاف مواطن، ومع تخريج كل الدفعات في جميع الكليات الجديدة وتراكم الأعداد سيصبح 16 لكل 10 آلاف مواطن، وفى عام 2030، سيصبح حوالى 28 أخصائي لكل 10 آلاف مواطن في 2035، أخذا في الاعتبار الزيادة المتوقعة للسكان في 2030 والتي ستصل إلى 120 مليون نسمة، وفى 2035 ستصبح 130 مليون نسمة.
ولتوضيح حجم الأزمة، تضع الدراسة هذا الرقم في مقابل المعايير العالمية التي تطلب من 6 إلى 8 أخصائيين لكل 10,000 نسمة في الدول المتقدمة، ما يعني أن مصر ستتجاوز احتياجات الدول الأكثر ثراء بأكثر من 3.5 أضعاف المعدل العالمي، في تناقض صارخ مع البنية التحتية الصحية الفعلية التي لا يتجاوز معدل الأسرة فيها 11.8 سرير لكل 10,000 نسمة، هذه التوقعات مبنية على العدد التراكمي المتوقع للخريجين الذي سيصل إلى 215,000 أخصائي بحلول عام 2030، وعلى الزيادة السكانية المتوقعة التي ستصل إلى 120 مليون نسمة في 2030 و 130 مليون نسمة في 2035.
وأوضحت أنه في الدول عالية الدخل مثل أمريكا وكندا، يتراوح المعدل المطلوب بين 6 إلى 8 أخصائيين لكل 10,000 نسمة، وفي الدول متوسطة الدخل كتركيا والبرازيل، يتراوح المعدل بين 3 إلى 5 أخصائيين، أما الدول منخفضة الدخل مثل نيجيريا والهند، فيقل المعدل عن أخصائي واحد، أى أن مصر ستتجاوز بحلول 2030 احتياجات الدول الأكثر تقدما بأكثر من الضعف، مما يؤكد وجود فائض هائل وغير مبرر.
كما لفتت الدراسة إلى أعداد المستشفيات والأسرة في القطاعين الحكومي والخاص بين عامي 2012 و2021، موضحة أن عدد أسرة القطاع الحكومي شهد تذبذبا، حيث بلغ 98,291 سريرا في 2013 ثم انخفض إلى 83,034 في 2021.
في المقابل، شهد القطاع الخاص نموا من 25,447 سريرا إلى 34,470 في نفس الفترة، ورغم هذا النمو في القطاع الخاص، فإن إجمالي عدد الأسرة المتاحة في مصر انخفض من ذروته عند 132,092 سريرا في 2018 إلى 117,504 في 2021.
وأضافت نقابة العلاج الطبيعي في دراستها، أن الأزمة لم تقف عند حدود الكم، بل امتدت لجودة التعليم، حيث إن الانتشار الهائل للكليات، خاصة الخاصة، لم يواكبه زيادة في أعداد أعضاء هيئة التدريس المؤهلين، ما أدى إلى تفاوت صارخ في جودة التعليم، وتشير الدراسة إلى أن نسبة الطلاب إلى أعضاء هيئة التدريس وصلت في بعض الكليات إلى 60 طالبا لكل عضو هيئة تدريس، وهو رقم كارثي ينسف أي فرصة لتقديم تعليم عالي الجودة، مؤكدة أن هذا الضعف في المخرجات التعليمية، مع غياب التمويل الكافي والمناهج الضعيفة، ينتج عنه خريجون غير مؤهلين للمنافسة، ويواجهون صعوبة في الحصول على فرص عمل لائقة، مما يؤدي حتما إلى تدني مستوى الرواتب وتشويه سمعة المهنة بأكملها.
وتابعت: تزداد الصورة قتامة مع إغلاق أبواب التكليف أمام الخريجين، فقد أعلنت وزارة الصحة والسكان، في قرار حاسم، وقف التكليف الحكومي الإلزامي لخريجي العلاج الطبيعي منذ عام 2023، مؤكدة أن القطاع الحكومي يعاني بالفعل من تضخم وظيفي يتجاوز 110% من احتياجه التشغيلي، ومن ناحية أخرى، لا وجود لإمكانية تصدير الفائض من الخريجين إلى خارج مصر، حيث إن أهم سوقين محتملين للعلاج الطبيعي، هما المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، ولم يعودا متاحين كما في السابق، فالسعودية تتجه نحو الاكتفاء الذاتي، والولايات المتحدة لديها تحدياتها الخاصة في العرض والطلب، مما يعني أن فكرة حل الأزمة عبر الهجرة لم تعد خيارا واقعيا، بخلاف وجود منافسة شرسة من خريجي الدول الآسيوية والإفريقية، وعلى رأسها نيجيريا.
وقدمت خطة عمل متكاملة ومفصلة لإنقاذ الموقف، وتتضمن الخطة توصيات حاسمة وموزعة على مراحل، تبدأ بإجراءات عاجلة خلال 12 شهرا، أهمها التجميد الفوري لقبول أي دفعات جديدة في الكليات غير المستوفية للمعايير، وإنشاء سجل وطني موحد لضبط الممارسة، تليها إجراءات متوسطة المدى (خلال 3 سنوات)، تركز على تخفيض أعداد المقبولين في الكليات القائمة بنسبة 30%، وتحديث 40% من المناهج لتواكب التخصصات المطلوبة، وأخيرا، توصيات استراتيجية (خلال 5 سنوات)، تهدف إلى تحويل مسارات الفائض من الخريجين إلى تخصصات نادرة وتطبيق نظام إلزامي للتطوير المهني المستمر.
وشددت على أن معدل أخصائيي العلاج الطبيعي في مصر سيقفز لكل 10,000 نسمة من 8.5 في عام 2025 إلى 18.3 في عام 2030، وهو ما يمثل 3.5 أضعاف المعدل العالمي، مؤكدة مجددا أن قرارات وزارة الصحة بوقف التكليف جاءت نتيجة لوجود فائض في القوى العاملة بالقطاع الحكومي يتجاوز 110% من الاحتياج الفعلي، مما يغلق الباب نهائيا أمام الخريجين الجدد في هذا القطاع.
وأكدت أن النمو غير المنضبط قد يمتد أثره من التعليم إلى ممارسة قد تضر المرضى، مثل خلال إنشاء مراكز غير مرخصة يمارس فيها أفراد غير مؤهلين أو من تخصصات غير علاجية، وزيادة إصابات أو نتائج علاجية دون المستوى نتيجة ممارسات غير مراقبة، ما يؤدى إلى تشويه سمعة المهنة لدى الجمهور مع انتشار شكاوى وتجارب سلبية، والتي تتطلب تنفيذ عدة إجراءات حيوية كتفعيل تفتيش دوري إلزام التراخيص، ورفع الوعي العام بالتمييز بين الأخصائي المرخص ومقدم الخدمة غير المؤهل، والتي تبذل النقابة العامة للعلاج الطبيعي حيالها الكثير من الجهد لمواجهة الكثير من الدخلاء مع تزايد أعدادهم يوما بعد يوم في مختلف أنحاء المحافظات.