قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان التواضع من وضع الشيء أي حطه وخفضه وصيغة تفاعل تدل علي الإظهار كما في تغافل أي أظهر الغفلة وإن لم يكن غافلا في الحقيقة. فالتواضع ضد الكبر، ويعني إظهار البساطة وإنصاف النفس فلا يدعي لها ما ليس لها ولا يخبثها بالمذلة والهوان.
وأضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ان القرآن الكريم يظهر صورة التواضع في نص موعظة لقمان لابنه. قال تعالى: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان:17-19].
وأما عن تواضعه ﷺ فقد كان المثال والقدوة، كان في تواضعه وافر الأدب يبدأ الناس بالسلام، وينصرف إلى متحدثه بكامل هيئته وأحاسيسه صغيرا كان أو كبيرا، ويكون آخر من يسحب يده إذا صافح، وإذا تصدق وضع الصدقة بيده في يد المسكين، وإذا دخل مجلسا جلس حيث ينتهي به المجلس، ولم يأنف يوما من قضاء حاجته بنفسه فيذهب إلى السوق ويحمل بضاعته ويقول: «أنا أولى بحملها» ويجيب دعوة الحر والعبد والفقير، ويقبل عذر المعتذر، ويقضي حاجة الضعيف والبائس، ويتعاون مع أهل بيته في أعمالهم وأعماله، فكان يرقع ثوبه ويخصف نعله بيده، وكان ﷺ يكره الإطراء والألقاب ويقول: «وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه» (أخرجه مسلم).
ومن أهم أركان التواضع احترام العمل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت فقال: نعم. كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة» (أخرجه البخاري) والقراريط: جزء من الدينار أو الدرهم ويقصد به الأجر، وفي ذكر النبي ﷺ ذلك لأصحابه غرس لروح احترام العمل الشريف في نفوسهم وفيه حث على عدم التأفف من الأعمال البسيطة وإيثار العمل على البطالة والتنطع، فالنبي ﷺ يضرب المثل والقدوة من نفسه في العمل والسعي لزيادة الإنتاج فيذكرهم باشتغاله بالرعي والتجارة، ثم ينوه على شرف الحرف واحترامها وكرامة اكتساب العمل بمزاولته على البطالة والكسل وهذا هو أساس التواضع، وهو ما يتمثل في قوله ﷺ فيما رواه عنه أبو هريرة أنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لأن يعدو أحدكم فيحطب على ظهره فيتصدق به ويستغني به من الناس خير له من أن يسأل رجلا أعطاه أو منعه ذلك فإن اليد العليا أفضل من اليد السفلى وابدأ بمن تعول» (صحيح مسلم).
واحترام العمل يشمل مساعدة الرجل أهل بيته في القيام بأعباء المنزل فقد سأل رجل عائشة: هل كان رسول الله ﷺ يعمل في بيته شيئا؟ قالت: نعم، كان رسول الله ﷺ يخصف نعله "أي يخرزها" ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته.
(صحيح البخاري)، وعن عائشة أنها: سئلت ما كان رسول الله ﷺ يعمل في بيته؟ قالت: كان بشرا من البشر يفلي ثوبه "أي يتتبع أي أذى يلحق به" ويحلب شاته ويخدم نفسه (أخرجه أحمد).
إن التواضع ضد الكبر، وقد نهى النبي ﷺ عن الكبر، وشدد النكير على المتكبرين، وأخبر بسوء مآلهم في الدنيا والآخرة فعن عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس» (صحيح مسلم) وبطر الحق أي دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا، والمقصود بغمط الناس احتقارهم وازدراؤهم.