في مشهد سياسي واقتصادي يعكس حيوية الدولة المصرية وسعيها المتواصل لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، ترأس الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء بمقر الحكومة بالعاصمة الإدارية الجديدة. الاجتماع لم يكن اعتيادياً، بل حمل في طياته العديد من الرسائل السياسية والاقتصادية، بدءاً من تهنئة الرئيس والشعب بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، مروراً باستعراض نشاط الرئيس عبد الفتاح السيسي في لقاءاته المكثفة مع قادة المنطقة، وصولاً إلى مناقشة ملفات محورية تتعلق بالشراكات الاقتصادية الدولية والاستثمارات الأجنبية، وعلى رأسها بدء تفعيل حزمة الاستثمارات القطرية المباشرة بقيمة 7.5 مليار دولار.
تهنئة بالمولد النبوي الشريف
استهل رئيس الوزراء الاجتماع بتهنئة الرئيس عبد الفتاح السيسي والشعب المصري العظيم بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، مؤكداً أن هذه المناسبة العطرة تبعث برسائل الأمل والتفاؤل نحو مستقبل أفضل، داعياً الله أن يعيدها على الأمة العربية والإسلامية بالخير والاستقرار والرخاء.
نشاط مكثف للرئيس وتعزيز العلاقات العربية
لفت الدكتور مدبولي إلى النشاط الدبلوماسي الكثيف للرئيس السيسي في الفترة الأخيرة، حيث عقد عدة لقاءات مع قادة عرب ناقش خلالها التحديات الإقليمية وسبل تعزيز العلاقات الثنائية. ومن بين أبرز هذه اللقاءات استقبال الرئيس لرئيس الوزراء اللبناني الدكتور نواف سلام والوفد المرافق له.
وأكد الرئيس خلال اللقاء ثوابت السياسة المصرية تجاه لبنان، والمتمثلة في دعم سيادته ووحدة أراضيه ومساندة جهوده لاستعادة الاستقرار والانطلاق نحو إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي. هذه المواقف عززت صورة مصر كداعم أساسي لاستقرار المنطقة وركيزة من ركائز العمل العربي المشترك.
حضور مصر في قمة شنغهاي للتعاون
استعرض رئيس الوزراء تفاصيل مشاركته في قمة "منظمة شنغهاي للتعاون بلس" بمدينة تيانجين الصينية، والتي حضرها نيابة عن الرئيس السيسي. وقد حظي باستقبال رسمي من الرئيس الصيني شي جين بينج، وعقد لقاءات موسعة مع شركات صينية كبرى في قطاعات استراتيجية.
وأكد مدبولي أن المباحثات ركزت على توسيع نطاق التعاون الصناعي والاستثماري، خصوصاً في قطاعات السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة وتحلية مياه البحر. وأشار إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد زخماً أكبر في العلاقات المصرية الصينية، مع التركيز على توطين الصناعات الحيوية التي تسهم في دعم خطط التنمية المستدامة لمصر.
تعاون مصري–قطري واستثمارات مباشرة
من المحاور البارزة التي ناقشها الاجتماع، اللقاء الأخير الذي جمع رئيس الوزراء بنظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني. وقد تركز اللقاء حول ملفات اقتصادية وتجارية، وانتهى بإعلان بدء تفعيل حزمة استثمارات قطرية مباشرة في مصر بقيمة 7.5 مليار دولار.
مدبولي شدد على أهمية استمرار التواصل مع مجتمع الأعمال القطري، لعرض الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر والتيسيرات التي تقدمها الدولة لجذب المستثمرين، مؤكداً أن هذه الخطوة تعكس عمق العلاقات الأخوية بين القاهرة والدوحة، وتفتح الباب أمام شراكات استراتيجية طويلة المدى.
رؤية اقتصادية متكاملة حتى 2030
كشف رئيس الوزراء عن رؤية اقتصادية جديدة ستمتد لما بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، أطلق عليها اسم: "السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية: السياسات الداعمة للنمو والتشغيل".
هذه السردية، بحسب مدبولي، ستُطرح للحوار المجتمعي بمشاركة نخبة من الخبراء والمتخصصين، بهدف مناقشة الأهداف والمحاور الرئيسية، وتلقي المقترحات للوصول إلى صيغة متوافق عليها وطنياً.
وتركز الرؤية على البناء على ما تحقق من إصلاحات اقتصادية في السنوات الأخيرة، مع إتاحة فرص أوسع للنمو، وتوسيع قاعدة التشغيل، وتحقيق التنمية الشاملة التي يستفيد منها المواطن بشكل مباشر.
دعم للاحتياطي النقدي واستقرار مالي
أوضح الدكتور هاني الشامي، عميد كلية إدارة الأعمال بجامعة المستقبل، أن هذه الاستثمارات تمثل دفعة قوية لزيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي، الأمر الذي سينعكس على استقرار سعر الصرف وتوفير سيولة دولارية تدعم قدرة الاقتصاد المصري على الوفاء بالتزاماته الدولية. كما أشار إلى أن هذه الخطوة ستسهم في تخفيف الضغوط المالية، وتعزيز قدرة الدولة على تنفيذ مشروعاتها القومية.
فرص عمل جديدة وتنشيط قطاعات حيوية
وأضاف الشامي أن ضخ استثمارات بهذا الحجم سيفتح المجال أمام خلق فرص عمل واسعة للشباب، بالإضافة إلى تحفيز نشاط قطاعات حيوية مثل العقارات، السياحة، الصناعة، والخدمات. ويرى أن هذه الطفرة ستدفع معدلات النمو الاقتصادي إلى الارتفاع، بما ينعكس مباشرة على حياة المواطنين ويحسن من مستوى معيشة الأسر المصرية.
عودة الثقة إلى السوق المصري
واعتبر الشامي أن دخول قطر باستثمارات مباشرة بهذا الحجم هو دليل واضح على عودة الثقة في السوق المصري، كما يعزز من مكانة القاهرة كوجهة مفضلة لرؤوس الأموال العربية والأجنبية. وأكد أن هذه الخطوة ستفتح الباب أمام استثمارات إقليمية ودولية إضافية، خاصة في ظل ما يشهده الاقتصاد المصري من اهتمام متزايد من شركاء التنمية.
توقيت حاسم وحوافز استثمارية
وأشار الشامي إلى أن الاستثمارات القطرية جاءت في توقيت بالغ الأهمية، إذ تعكس نجاح الحكومة المصرية في توفير مناخ استثماري جاذب عبر حوافز وتسهيلات غير مسبوقة، من بينها تبسيط الإجراءات، وتوفير ضمانات قانونية وتشريعية، وهو ما يجعل مصر من أكثر الوجهات الواعدة في المنطقة.
انطلاقة جديدة للاقتصاد المصري
في ختام تصريحاته، أكد الخبير أن هذه الخطوة تمثل انطلاقة جديدة للاقتصاد المصري نحو تحقيق تنمية مستدامة وشاملة. فهي لا تعزز فقط بيئة الأعمال والاستقرار المالي، بل تفتح أيضًا المجال أمام شراكات استراتيجية جديدة، الأمر الذي يعكس نجاح الدولة في السير بخطوات واثقة نحو مستقبل اقتصادي أكثر قوة وتنافسية.مصر بين الحاضر والمستقبل
يُظهر هذا الحراك الحكومي والدبلوماسي والاقتصادي أن مصر تسير بخطوات واثقة نحو تعزيز مكانتها على المستويين الإقليمي والدولي. فبين توطيد العلاقات مع الصين، ودعم الاستقرار في لبنان، وتوسيع الشراكات مع قطر، إضافة إلى إطلاق رؤية اقتصادية وطنية حتى عام 2030، تسعى الدولة إلى بناء قاعدة صلبة للنمو والاستقرار.
الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء لم يكن مجرد استعراض لملفات روتينية، بل كان بمثابة إعلان عن مرحلة جديدة من العمل الحكومي الممنهج، الذي يجمع بين السياسة والدبلوماسية والاقتصاد في رؤية متكاملة. فمصر، وفق ما أكدته هذه التطورات، تمضي قدماً نحو المستقبل برؤية واضحة تقوم على تعزيز التعاون الدولي، وجذب الاستثمارات، وتحقيق تنمية شاملة ومستدامة تعود بالنفع على المواطن أولاً وأخيراً.
وبذلك، يظل التحدي الأكبر أمام الحكومة هو الاستمرار في هذا المسار بثبات، بما يعزز ثقة الشركاء والمستثمرين، ويمكّن الدولة من تحقيق طموحاتها في أن تصبح مركزاً إقليمياً للاستثمار والنمو.