لا تزال أزمة سد النهضة الإثيوبي تتصدر المشهد السياسي والدبلوماسي في المنطقة، باعتبارها واحدة من أكثر القضايا حساسية وارتباطًا بمصير الشعوب. وبينما تواصل إثيوبيا خطواتها الأحادية في تشغيل السد وتقديمه كأمر واقع، تتحرك القاهرة بخطوات محسوبة، تجمع بين الدبلوماسية والحزم، لتؤكد أن نهر النيل خط أحمر لا يمكن تجاوزه. وفي أحدث تحرك لها، وجهت مصر خطابًا رسميًا إلى مجلس الأمن الدولي، لتضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليته في مواجهة الانتهاكات الإثيوبية المتكررة للقانون الدولي.
إثيوبيا ومحاولة منح السد شرعية شكلية
بدت فعاليات الاحتفال التي نظمتها أديس أبابا لتشغيل السد محاولة لإضفاء غطاء سياسي وإعلامي على مشروع يخالف الأعراف الدولية. ورغم هذه المحاولات، شددت القاهرة على أن السد يظل "إجراءً أحاديًا باطلًا" لا يترتب عليه أي أثر قانوني. فالمياه العابرة للحدود، وفقًا للقانون الدولي، ملكية مشتركة بين الدول المتشاطئة، وأي محاولة للاستحواذ عليها أو فرض السيطرة عليها بشكل منفرد تُعد تجاوزًا مرفوضًا.
الموقف المصري
منذ انطلاق المشروع بشكل أحادي، تبنت مصر سياسة ضبط النفس، فاختارت الحوار الدبلوماسي واللجوء إلى المنظمات الدولية، ليس ضعفًا أو عجزًا، بل إيمانًا بأهمية التعاون المشترك. وعلى الرغم من التعنت الإثيوبي والتسويف المتواصل، بقيت القاهرة متمسكة بمسار القانون الدولي، لتكشف أمام العالم أن الأزمة لم تعد مجرد مشروع تنموي، بل ورقة سياسية توظفها أديس أبابا لحشد الداخل على حساب استقرار المنطقة.
وشدّد اللواء محمد حمد، الخبير الاستراتيجي، على أن مصر ترسل رسائل واضحة عبر تحركاتها الأخيرة في مجلس الأمن، مفادها أن الحقوق التاريخية في نهر النيل خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
إثيوبيا ومحاولات فرض الأمر الواقع
يرى الخبير أن تنظيم إثيوبيا فعاليات للترويج لانتهاء وتشغيل السد ما هو إلا محاولة لإضفاء شرعية شكلية على مشروع يخالف القانون الدولي والأعراف المتعارف عليها. وأوضح أن هذه الخطوات لن تغيّر من واقع أن السد ما يزال يفتقر إلى أي سند قانوني، وأنها مجرد محاولة سياسية لفرض الأمر الواقع على حساب حقوق مصر والسودان.
ضبط النفس المصري واستراتيجية كسب الدعم الدولي
وأشار حمد إلى أن القاهرة، رغم ما تواجهه من استفزازات، ما زالت تضبط النفس وتطرق أبواب المؤسسات الدولية، وهو ما يعكس فهمًا عميقًا لأهمية كسب المواقف العالمية. فمصر، بحسب تعبيره، نجحت في وضع إثيوبيا في صورة الدولة المتمردة على الشرعية الدولية، مما يزيد من عزلتها ويكشف أن الأزمة ليست مجرد مشروع تنموي، بل قضية سياسية ذات دوافع داخلية لدى أديس أبابا.
رسائل مصر وخطوطها الحمراء
أكد الخبير أن القاهرة بعثت برسالة مفادها أن الأمن المائي لمصر ليس موضع مساومة. وأضاف أن أي تصور بقبول مصر بالأمر الواقع هو "وهم سياسي"، فتمسكها بالمسار القانوني لا يعني التخلي عن حقها في اتخاذ إجراءات أخرى يقرها ميثاق الأمم المتحدة إذا لزم الأمر.
خطوة محسوبة بين الدبلوماسية والحزم
أوضح حمد أن خطاب مصر لمجلس الأمن جاء مدروسًا، إذ جمع بين إبداء حسن النية والالتزام بالدبلوماسية، وبين رسم حدود واضحة لا يمكن تجاوزها. فهي تبقي باب التعاون مفتوحًا، لكنها في الوقت نفسه تضع قيودًا صريحة على أي استمرار للنهج الأحادي الإثيوبي.
نهر النيل ليس ورقة مساومة
تثبت القاهرة، من خلال خطواتها المتعاقبة، أنها قادرة على الجمع بين الحكمة الدبلوماسية والصلابة الاستراتيجية. فهي لا ترفض التنمية في إثيوبيا ولا تعارض حقها في الاستفادة من مواردها، لكنها ترفض أن يكون ذلك على حساب حياة أكثر من مئة مليون مصري يعتمدون على النيل كمصدر وحيد للمياه. ومع استمرار الأزمة، يبقى الموقف المصري ثابتًا: لا مساومة على الحقوق التاريخية، ولا قبول بمحاولات الهيمنة الأحادية، فالنيل بالنسبة لمصر ليس مجرد نهر، بل شريان حياة ووجود.