يثير الهجوم الإسرائيلي الأخير على العاصمة القطرية الدوحة، والذي استهدف كبار قادة حركة حماس في محاولة لتصفيتهم بالكامل، تساؤلات حادة حول إستراتيجية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحدود الانفلات الذي يمكن أن يصل إليه. فالهجوم لم يقتصر على ضرب أهداف محددة في قطاع غزة أو لبنان، كما اعتاد الاحتلال، بل شمل عاصمة عربية سيادية، الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول المدى الذي قد تصل إليه السياسات الإسرائيلية في المنطقة.
يتضح من تصريحات نتنياهو الصادمة، بأنه لا يقتصر على استهداف قادة حماس في أي مكان، بل أعلن صراحةً أنه "لا مكان آمن لهم". وهذا التصريح يعكس عقلية انتقامية تتسم بالتصعيد المفرط والعدوانية غير المحدودة، وهو ما يشي بخطر استراتيجي كبير على الأمن الإقليمي والعربي. الغريب أن هذا الانفلات الإسرائيلي يقابله موقف أمريكي يبدو متساهلاً للغاية ومتواطئاً تماماً، حيث يرى البعض أن الرئيس الأمريكي ترامب يمنح إسرائيل فرصة العمر، التي لن تتكرر، لتجاوز أي قيود، على حساب علاقات واشنطن ذاتها مع الدول العربية والإسلامية والخليجية.
في الوقت ذاته، وقع نتنياهو على خطة E1 لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، ما يهدد بخلق تقسيم جغرافي واضح بين شمال الضفة وغربها، ويعطل أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية متواصلة، فهذه الخطة تهدد فرص حل الدولتين وتضعف أي مسعى لتحقيق السلام.
أما على صعيد الموقف المصري، ففي اتصال هاتفي بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء المملكة المتحدة، كير ستارمر، تم التأكيد على ضرورة وقف إطلاق النار فوراً في غزة وضمان وصول المساعدات الإنسانية ورفع القيود الإسرائيلية على عبورها، بالإضافة إلى الإفراج عن الرهائن والأسرى.
وشدد الرئيس السيسي في حسم على رفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم، محذراً من أن أي خطوة في هذا الاتجاه قد تؤدي إلى موجات نزوح غير مسبوقة نحو أوروبا، وهو ما يمثل تهديداً مباشراً لاستقرار المنطقة برمتها.
ومن جانبها، أكدت قطر على موقفها الصارم تجاه سياسات إسرائيل، بعد الغارة التي أودت بحياة نجل خليل الحية ومدير مكتبه وثلاثة من مرافقيه، بالإضافة إلى رجل أمن قطري.
وصف رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، الهجوم بأنه "اعتداء غادر", مشيراً إلى أن إسرائيل تتجاوز أي قيود أخلاقية أو قانونية، وأن بلاده ستتخذ كل الإجراءات القانونية اللازمة للرد على هذا العدوان.
كما أكد وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري، سلطان بن سعد المريخي، أن الدوحة لن تتهاون في الدفاع عن سيادتها وسلامة أراضيها، وأنها ستواصل جهودها السياسية والإنسانية بالتعاون مع شركائها للتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار وتحقيق حل الدولتين.
ولا أحد يعلم، وسط هذا له هل يكرر نتنياهو عمليته الإجرامية تجاه الدوحة طالما بقي فيها قادة حماس؟ وهل يفعلها تجاه أي عاصمة عربية أو أفريقية يتواجد بها قادة الحركة؟! لا أحد يمكنه الجزم بما سيفعله نتنياهو خلال الشهور القليلة القادمة، فهو يريد وضع خط النهاية لحرب غزة بأي ثمن، حتى ولو أشعل حرباً إقليمية كبرى، وذلك بوحشية وغباء منقطع النظير.
الهجوم على الدوحة وخطط التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية يمثلان اختباراً صعباً لاستقرار المنطقة، ويطرحان سؤالاً محورياً: إلى أين يريد نتنياهو أن يصل؟ فاستمرار هذه السياسات قد يؤدي إلى صراعات غير متوقعة، كما أن العمل العدواني لتهجير الفلسطينيين من غزة سيخلق موجات نزوح هائلة، مع تقويض كل مساعي السلام والاستقرار الإقليمي، وسيضعنا جميعاً أمام اختبار هائل: إما إسرائيل أو استقرار كل الدول العربية.
وهذا ما يجب أن تدركه القمة العربية والإسلامية الطارئة في الدوحة، فالقضية ليست بحاجة إلى مجرد تنديد وشجب، بل إلى قطع العلاقات، وإغلاق السفارات، وإرسال رسالة حاسمة للولايات المتحدة لكبح يد نتنياهو عن الفوضى في المنطقة.