تنعقد القمة العربية في الدوحة وسط أجواء إقليمية شديدة التعقيد، حيث تتزامن مع تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على أكثر من ساحة عربية، بدءًا من غزة مرورًا بسوريا والعراق واليمن وصولًا إلى العدوان الأخير على قطر، بما يحمله من رسائل تهديد تتجاوز الدولة المستهدفة لتطال الأمن القومي العربي برمته.
وتزداد أهمية القمة في ظل التحولات الدولية الأخيرة، وعلى رأسها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعم لحل الدولتين، وهو ما يضع على عاتق القادة العرب والإسلاميين مسؤولية اظهار موقف جماعي يواجه هذه التحديات ويعيد التأكيد على الحقوق الفلسطينية المشروعة.
إكرام بدر الدين: القمة تمثل لحظة فارقة لتوحيد المواقف العربية والإسلامية في مواجهة الخطر الإسرائيلي
قال الدكتور إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية، في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد إن القمة العربية التي تعقد اليوم في الدوحة تكتسب أهمية خاصة من حيث التوقيت والظروف التي سبقتها، مشيرًا إلى أن انعقادها يأتي بعد أيام قليلة من التطورات المتلاحقة في المنطقة، وفي مقدمتها اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأغلبية 142 دولة، قرارًا يدعم حل الدولتين، وهو ما يعكس دلالة واضحة على الموقف الدولي تجاه القضية الفلسطينية، رغم معارضة 10 دول وامتناع 12 أخرى.
وأضاف أن أهمية القمة تزداد بالنظر إلى وقوعها عقب العدوان الإسرائيلي على قطر، وهو اعتداء غير مسبوق على سيادة دولة عربية شقيقة، خاصة أن الدوحة لم يكن لها عداء مباشر مع إسرائيل، بل لعبت دورًا مهمًا في جهود الوساطة، إلى جانب مصر والولايات المتحدة، للتوصل إلى تسوية، وبالتالي فإن إسرائيل لم تستهدف فقط قطر أو الوفد الفلسطيني، وإنما حاولت عرقلة مسار الوساطة برمته.
وأوضح بدر الدين أن هذا العدوان يأتي في سياق سلسلة من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على غزة وسوريا والعراق واليمن وإيران، فضلًا عن التهديدات الصريحة التي يطلقها قادة إسرائيل بشأن إعادة تشكيل خريطة المنطقة والحديث عن “إسرائيل الكبرى”، الأمر الذي يجعل القمة تنعقد في ظل تحديات خطيرة تهدد الأمن القومي العربي والإقليمي على حد سواء.
وأكد أن القمة، باعتبارها قمة عربية ـ إسلامية تضم أكثر من خمسين دولة، تمثل لحظة فارقة لتوحيد المواقف في مواجهة الخطر الإسرائيلي المشترك، مشيرًا إلى أن الكلمات التي ألقاها القادة، وفي مقدمتها كلمة الرئيس، شددت على أن السلام لن يتحقق بالقوة وإنما عبر العدالة، وأن الممارسات الإسرائيلية الراهنة تهدد اتفاقات السلام السابقة وتعرقل أي فرص لاتفاقات مستقبلية.
وتابع أستاذ العلوم السياسية أن السيناريوهات المطروحة خلال الفترة المقبلة قد تشمل مزيدًا من التنسيق والتعاون العربي ـ الإسلامي في مختلف المجالات، وتبني إجراءات عملية ضد إسرائيل، سواء على المستويات الاقتصادية أو التجارية أو الدبلوماسية، مثل تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي أو فرض قيود اقتصادية يمكن أن تُلحق ضررًا ملموسًا بها، وهو ما قد يشكل عامل ردع حقيقي في ظل عجز المجتمع الدولي عن اتخاذ خطوات حاسمة.
كما رجح بدر الدين أن يضطر المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية إلى اتخاذ مواقف أكثر جدية إزاء إسرائيل، نظرًا لما تسببه ممارساتها من انعكاسات سلبية على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، بل وعلى الاقتصاد العالمي كما ظهر من تداعيات التوترات في البحر الأحمر.
وشدد على أن استمرار عجز الأمم المتحدة ومجلس الأمن عن محاسبة إسرائيل يضعف من هيبة النظام الدولي برمته، الذي تأسس أساسًا عام 1945 للحفاظ على السلم والأمن الدوليين.
واختتم مؤكدًا أن المطلوب في هذه المرحلة هو ألا تقتصر ردود الفعل على العبارات الدبلوماسية، بل أن تتحول إلى إجراءات عملية على الأرض، سواء اقتصادية أو تجارية أو مالية، بما يحفظ هيبة المجتمع الدولي ويضمن تطبيق قواعد القانون الدولي على الجميع دون استثناء.