أثارت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، جدلاً كبيرًا، التي زعم فيها أن «العرب أخرجوا اليهود من أرض إسرائيل وطردوهم منذ آلاف السنين»، وردًا على هذه المزاعم المغلوطة والأباطيل التى يروجها مرارًا وتكرارًا الكيان الصهيونى حول القدس وعروبتها، نستند في هذا التقرير إلى «وثيقة الأزهر عن القدس الشريف» التي أصدرها الأزهر الشريف في عام 2011.
القدس بناها العرب اليبوسيون
وأكد الأزهر الشريف في الوثيقة، على عروبة القدس، والتي تضرب في أعماق التاريخ لأكثر من ستين قرنًا، حيث بناها العرب اليبوسيون في الألف الرابع قبل الميلاد، أي قبل عصر أبي الأنبياء إبراهيم -عليه السلام- بواحد وعشرين قرنًا، وقبل ظهور اليهودية التي هي شريعة موسى -عليه السلام- بسبعة وعشرين قرنًا.
وشدد الوثيقة على أن احتكار القدس وتهويدها - في الهجمة المعاصرة- إنما يمثل خرقًا للاتفاقيات والقوانين والأعراف الدولية التي تحرِّم وتجرِّم أي تغيير لطبيعة الأرض والسكان والهوية في الأراضي المحتلة، ومن ثمَّ فإن تهويد القدس فاقدٌ للشرعية القانونية، فضلا عن مخاصمته لحقائق التاريخ التي تعلن عروبة القدس منذ بناهها العرب اليبوسيون قبل أكثر من ستين قرنًا من الزمان.
الوجود العبراني في مدينة القدس
ولفتت الوثيقة إلى أن الوجود العبراني في مدينة القدس لم يتعد 415 عامًا بعد ذلك، على عهد داود وسليمان -عليهما السلام- في القرن العاشر قبل الميلاد، وهو وجود طارئ وعابر حدث بعد أن تأسست القدس العربية ومضى عليه ثلاثون قرنا من التاريخ.
وأشارت الوثيقة إلى أنه إذا كان تاريخ القدس قد شهد العديد من الغزوات والغزاة، فإن عبرة التاريخ تؤكد دائمًا أن كل الغزاة قد عملوا على احتكار هذه المدينة ونسبتها لأنفسهم دون الآخرين، صنع ذلك البابليون والإغريق والرومان وكذلك الصليبيون، ثم الصهاينة الذين يسيرون على طريق هؤلاء الغزاة، ويعملون الآن على تهويدها واحتكارها والإجهاز على الوجود العربي فيها.
شيخ الأزهر يفضح كذب الصهاينة
وفي حلقة سابقة من برنامجه الرمضاني، فضح الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في حلقة برنامجه «حديث شيخ الأزهر» في عام 2017م، كذب الصهاينة في أحقية اليهود في القدس، مشددًا على أنها عربية فلسطينية وتُعد مدينة مُقدسة لدى المُسلمين والمسيحيين.
وأوضح «الإمام الأكبر» خلال لقائه ببرنامج «حديث شيخ الأزهر»، أن القدس توصف بالنسبة للمسلمين بأوصاف ثلاثة: «أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رحلة الإسراء والمعراج»، مشيرًا إلى أن البعض يحفظ هذه العبارات الثلاث ولا يقف عند معناها.
وبيّن الإمام الأكبر أن المقصود بـ«مسرى رسول الله»، أي أن القدس كانت شاهدة على معجزة الإسراء والمعراج التي حدثت للرسول -صلى الله عليه وسلم- وصلى في المسجد الأقصى مع الأنبياء، مستشهدًا بقول الله تعالى: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» (سورة الإسراء: 1).
المقصود بـ«أولى القبلتين»:
وأشار إلى أن المقصود بـ«أولى القبلتين» أن المسلمين صلّوا أثناء وجودهم في مكة نحو بيت المقدس، وكما صلوا بعد الهجرة النّبويّة الشّريفة نحو ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا قبل أن تحوّل القبلة إلى مكّة بأمر إلهي، كما ورد في قوله تعالى: «قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ» (سورة البقرة: 144)، منبهًا على أن أي مساس بالقبلة الأولى للمسلمين هو مساس بالقبلة الثانية على وجه المساواة، مؤكدًا أن الأقصى مقدس لنا كالمسجد الحرام.
معنى ثالث الحرمين:
وتابع: أما المقصود بثالث الحرمين: أي «الحرم المكي والحرم المدني والحرم القدسي»، وورد في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِد: المَسْجِدِ الحَرَام وَمَسْجِدِي هَذَا وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى».
تاريخ إنشاء القدس:
وعلق الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، على مزاعم اليهود بأنهم الأحق والأجدر بالقدس لأنهم سبقوا المسيحيين والمسلمين في هذا الوطن، مشددًا على أن هذا كلام غير صحيح ويدل على مَهْزَلَة في الفهم وتَنكُّر للتاريخ والواقع، وتزييف للحقائق دون مستند لهم ودعمته سياسات خارجية من أجل المصالح الخاصة.
وتابع: إن قصة العرب مع مدينة القدس وفلسطين ترجع إلى آلاف السنين، قبل نشأة الدين اليهودي أصلًا وقبل ميلاد سيدنا موسى -عليه السلام-، وهذا الكلام استنادًا إلى مصادر غربية مُترجمة إلى اللغة العربية، وأيضًا مصادر عربية لـمؤرخين عرب ومسلمين.
وأشار شيخ الأزهر، إلى أن علماء الآثار قدر أن تاريخ مدينة القدس يرجع إلى حوالي ستة آلاف سنة، ونشأت على يد «اليبوسيين» «بناة القدس الأولون» قبل الميلاد بـ4 آلاف سنة، واليبوسيون هم بطن من بطون العرب الأوائل، نشأوا في قلب الجزيرة العربية، ثم نزحوا عنها مع من نزح من القبائل الكنعانية التي ينتمون إليها، وقد حطت هذه الجماعات في أماكن مختلفة من فلسطين، منوهًا بأن مدينة القدس كان اسمها «يبوس» نسبة إلى اليبوسيين».
وسرد شيخ الأزهر قصة مدينة القدس مع الأنبياء، مشددًا على أن العرب كانوا موجودين في القدس قبل تاريخ ميلاد سيدنا إبراهيم -عليه السلام- بنحو 1900 سنة، الذي دخل فلسطين سنة 2100 قبل الميلاد، وذكر الله تعالى ذلك في قوله تعالى: «وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ» (سورة الأنبياء:71)، موضحا: أي نجى الله تعالى سيدنا إبراهيم ولوطًا ودخلا فلسطين، الأرض التي وصفها بأنها مباركة للعالمين، ومباركة هذه الأرض ليس بفضل إبراهيم أو لوط -عليهما السلام- وإنما هي سلام للعالمين لجميع الناس، التي تحولت إلى حرب وتكاد تبعث بحرب عالمية ثالثة.
ولفت إلى أن سيدنا موسى -عليه السلام- هو أصل اليهودية، حيث ولد في مصر ونزلت عليه التوراة فيها، ومات فيها على الأرجح من قول العلماء، وكان يتحدث باللغة المصرية القديمة «الهيروغليفية»، مصداقًا لقول الله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ» (سورة إبراهيم: 4).
وتابع: لما دخل سليمان وداود إلى فلسطين غزوا البيت المقدس باليهود، وبنيا فيها المعبد اليهودي، واستقر اليهود في القدس فيما لا يزيد عن 400 سنة، ثم شردوا في العالم بعد حدوث غزوات دمرت «الهيكل والمعبد» الذي بناه سليمان.
وذكر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، أن رجال الدين اليهودي كانوا ضد إقامة الوطن القومي لهم أو «أرض الميعاد» كما يقولون، وطالبوا اليهوديين بالتمسك بالدين لأنه مصدر قوتهم.
تحريف في التوراة:
وعن أحقية زعم اليهود بأن التوراة أكدت حقهم في القدس، حذر شيخ الأزهر، من أن الكلام الموجود في التوراة بأحقيتهم في القدس وضعه أحد الأشخاص بعد وفاة سيدنا موسى -عليه السلام- بـ700 سنة، وهم -اليهود- يعترفون بهذا الكلام، ولكن لا يعلنوه.
وتساءل شيخ الأزهر «هل نصوص التوراة هي التي كانت تغذي الاستعمار قديمًا وحديثًا، أم تفسير رجال الدين الخاطئ لهذه النصوص هو الذي كان سببًا فيما يحدث؟، موضحًا: أن النصوص الدينية لا تبرر هذه الدماء التي أريقت وهي من براء، فتفسير رجال الدين الخاضعين لظروف سياسية حولوا النصوص الدينية لوقود من أجل الحروب.
هيكل سليمان
حذر الإمام الأكبر، من أن المزاعم الصهيونية في المسجد الأقصى لا تنتهي، ومن ضمن هذه المزاعم أن هذا المسجد هو هيكلهم الذي بناه نبي الله داوود عليه السلام، وهذا الزعم انتشر من بداية القرن الماضي بعد وعد بلفور، والرد على هذا الزعم سهل ميسور، وهو أن بيت القدس - والذي ذكره القرآن الكريم - ليس بناء، وإنما هو أرض محددة خصصت منذ قديم الزمان للعبادة والصلاة والسجود، والمسجد في لغة العرب هو المكان المخصص للسجود فيه، وليس البناء.
وواصل: والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء الفتوحات الإسلامية كان يتخذ أماكن ويحددها ليقوم بالصلاة فيها مع الصحابة الكرام فتُسمى هذه مساجد، وليس بالضرورة تشييد الحوائط والأسقف ليكتمل وصف الأرض بالمسجد، ولكن بتحديد هذه الأرض للصلاة فيها تصبح مسجدا.
وأوضح: أما المقصود بالمسجد الأقصى المذكور في القرآن الكريم في قوله «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا»؛ فهو المكان المقدس، وهذه البقعة الموجودة هي المسجد سواء بُني عليها أم لم يبن؛ لأن المباني تتغير بمرور الزمن وتتعرض لعوامل التعرية والهدم والسيول، فهي معرضة لأن تهدم وتقام مكانها مبان غيرها، فعن الكعبة المشرفة يقول الله تبارك وتعالى: «وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل» فالقرآن لم يقل: وإذ يبني إبراهيم البيت أو ينشئ مثلا، وإنما قال: يرفع، وهو دليل على أن هناك قواعد كانت موجودة في الأصل، وهذا هو المكان المقدس، ثم جاء سيدنا إبراهيم ومعه سيدنا إسماعيل -عليهما السلام- فرفعا هذه القواعد وأظهروا هذا البيت المقدس.
وأكمل: أن القداسة ليست في البناء وإنما القداسة في البقعة بكاملها والمخصصة للصلاة، فنحن حين نتحدث عن المسجد الأقصى الذي هو القبلة الأولى، نقصد هذه المساحة أما المباني فقد بنيت أكثر من مرة وتعرضت هذه المباني إلى تغيير وتعديل أكثر من مرة، أما مزاعم اليهود المتصهينين أن أول من بنى هذا المسجد هو داود وأكمله سيدنا سليمان عليهما السلام، فزعم غير صحيح، والصحيح هو أن سيدنا داود وسيدنا سليمان قاما برفع وإظهار ما كان موجودا وتعرض لعوامل التعرية، فالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- عندما أمَّ الأنبياء والمرسلين في رحلة الإسراء لم يكن هناك بناء، وإنما أمَّهم في هذه الأرض وهي أرض الأنبياء التي صلوا فيها من قبل، وبالتالي لم يكن هناك بناء بالكلية.
القدس عربية
وهناك العديد من الكتب تحدثت عن النشأة العربية للقدس، ونعرض في هذا السياق، كتاب «الجذور التاريخية للقضية الفلسطينية»، الدكتور إسماعيل أحمد ياغى.
سكان فلسطين القدماء
ونبه الدكتور إسماعيل ياغى فى كتابه، على أن اليهود قد ادعوا زورًا وبهتانًا بأنهم أسبق فى الوجود من العرب، وزعموا أن العرب جاءوا إلى فلسطين مع الفتح الإسلامى، ولكن الحقائق التاريخية وأقوال توراتهم تدحض ادعاءاتهم، فقد أجمع معظم المؤرخين الثقاة بأن سكان فلسطين القدماء ينحدرون من القبائل الكنعانية التى خرجت من الجزيرة العربية واستقرت فى فلسطين منذ فجر التاريخ حوالى (٤ - ٣) آلاف سنة قبل الميلاد وكانت تسمى أرض كنعان.
والمؤلف نقل - فى هذا الصدد - عددًا من شهادات كبار المؤرخين الغربيين ما يثبت بالدليل القاطع أن فلسطين منذ عشرة آلاف سنة قبل الميلاد وحتى اليوم هى أرض عربية، سكنها العرب منذ خروجهم من جزيرة العرب وأنهم أقاموا فيها بصورة ثابتة ومتصلة ومستمرة حتى اليوم، وأن العرب المسلمين الذين فتحوها وحرروها إنما كانوا أصولا لفروع أو فروعا للعرب الذين سكنوها منذ فجر التاريخ، وهذا يدحض مزاعم اليهود القائلة بأن فلسطين تاريخيا ليست أرض العرب وإنما اغتصبها المسلمون من أصحابها، وأنها كانت يوما ما للعبرانيين أو اليهود.
وعن دعوى الصهيونية أن لهم حقًا فى فلسطين؛ بحجة أنهم أقاموا على منطقة منها نحو 70 عامًا من تاريخ فلسطين الذى يزيد عن ستة آلاف عام، يجيب المؤلف بالقول: «إذا كان يحق لليهود الادعاء بحقهم التاريخى فى فلسطين بحجة أنهم أقاموا على جزء منها دولة فى عهد داود وسليمان - عليهما السلام - استمرت سبعين سنة. فلماذا لا يحق على ضوء هذا المنطق أن يطالب الفرس بفلسطين وقد حكموها ٢٠٠ سنة، وكذلك اليونان وقد حكموها ٣٠٠ سنة، والرومان وقد حكموها ٧٠٠ سنة. كما يصبح على ضوء هذا المنطق أن من حق بريطانيا أن تطالب بأمريكا ومن حق إيطاليا أن تطالب ببريطانيا وهكذا سينقلب العالم رأسا على عقب من أجل منطق يهودى صهيونى عابث.