قال الدكتور أحمد الرخ، الأستاذ بجامعة الأزهر، إن الثقة بالله سبحانه وتعالى تعني وعي الإنسان العميق بأن وراء الأسباب مسببًا حقيقيًا، وأن الاعتماد على الأسباب أثناء السعي لا يتعارض مع توكله على الله، بل هو شكل من أشكال الثقة الراسخة بالرزاق.
الأخذ بالأسباب والتوكل على الله
وأوضح الدكتور الرخ، خلال تصريح، أن المؤمن الذي يسعى في طلب الرزق يجب أن يكون لديه يقين بأن الله تعالى سيرزقه بالفعل، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة"، مؤكدًا أن الدعاء من قلب غافل لا يُستجاب، بينما المؤمن الموقن يثق باستجابة الله لجهده.
وأشار إلى مثال الطير، الذي يغادر عشه في الصباح ليأخذ رزقه، مؤكدًا أن الطير لا يشك في وجود رزقه، وأن الإنسان عليه أن يمتلك نفس اليقين أثناء السعي، فهو يعتمد على الله كمسبب لكل الأسباب.
وأضاف الدكتور الرخ موقفًا مهمًا لسيدنا عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، حيث أوصى والده قائلاً: "إذا عجزت عن سداد شيء من ديوني، فاستعن عليه مولاي"، وكان يقصد الله عز وجل، وهو ما تحقق له بالفعل، حيث قضى الله عنه دينه، مؤكداً أن الثقة بالله تجعل الإنسان مطمئنًا رغم الضيق المالي والديون.
وحذر الدكتور الرخ، من الثقة الجوفاء أو الاعتماد على الله دون الأخذ بالأسباب، مستشهداً بحادثة بعض أهل اليمن الذين خرجوا للحج بلا زاد، معتقدين أن الله سيرزقهم دون عمل، مما أدى بهم إلى اغتصاب أموال الناس، فأنزل الله قوله تعالى: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، مشددًا على أن العمل بالأسباب شرط أساسي للثقة الصحيحة بالله.
وقال الدكتور الرخ، إن الثقة الحقيقية بالله تجمع بين الأخذ بالأسباب واليقين الكامل في استجابة الله، مستشهداً بموقف سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي نهى عن الجلوس دون السعي وترك الاعتماد الكاذب على الرزق، مؤكداً أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، وأن السعي والعمل جزء من التوكل الحقيقي على الله.
الثقة بالله في حياة المؤمن
وقال الدكتور أحمد الرخ، الأستاذ بجامعة الأزهر، إن الثقة بالله سبحانه وتعالى تمثل قيمة إيمانية مركزية تنظم علاقة الإنسان بخالقه، مشيرًا إلى أن المؤمن حين يخطئ أو يقع في ضائقة أو كرب، يجب أن يكون لديه يقين بأن الله سيغفر له ويرحمه ويستجيب له.
وأوضح الدكتور الرخ، خلال تصريح، أن الثقة بالله تمنح الإنسان الاطمئنان في حياته اليومية، فهي تدفعه للسعي في طلب الرزق والاجتهاد في عمله والاهتمام بأسرته، مع اليقين أن الله سبحانه وتعالى سيمنحه رزقه، دون أن يغمره اليأس بسبب الظروف أو الإشاعات الكاذبة، مؤكدًا أن الثقة تولد الأمل والرجاء في كل وقت.
وأشار إلى أن الثقة بالله تمتد لتشمل الثقة بالنفس، حيث تحفز الإنسان على الارتقاء بالهمة، والسعي للتقدم والرقي، مؤكداً أن من يفتقر للثقة بالنفس يظل مترددًا ومقيدًا، بينما الواثق من نفسه يستشرف مستقبلًا مشرقًا ويحقق الإنجازات.
كما بين الدكتور الرخ أن الثقة تتعدى الفرد لتشمل المجتمع، من خلال الاعتقاد بالأصل الطيب في الناس، والاعتماد على الصدق والأمانة، وعدم الانخداع بالشائعات أو إفشاء أسرار الآخرين، موضحًا أن الثقة الصحيحة ليست غرورًا أو تعظيمًا للذات، بل اعتماد على الله سبحانه وتعالى.
وأشار إلى مفهوم المغفرة الإلهية، مستشهداً بقول الله تعالى: "يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولو أبالي"، موضحًا أن المؤمن الواثق يغمره الطمأنينة بغض النظر عن حجم ذنوبه، كما يبرز موقف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي كان يقول: "والله ليغفرن الله عز وجل يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر".
وأشار الدكتور الرخ، إلى موقف سفيان الثوري رضي الله عنه في عرفات، حيث بكى على من فقدوا الثقة في مغفرة الله، مؤكدًا أن فقدان الثقة يؤدي إلى اليأس، بينما الثقة بالله تزرع الأمل وتبعد التشاؤم، وتؤكد أن باب التوبة مفتوح دائمًا وأن الله غفور رحيم.